مقالات
المشهد الاسرائيلي الايراني: تقييم ” أولي ” بقلم الدكتور وليد عبد الحي
بقلم الدكتور وليد عبد الحي

المشهد الاسرائيلي الايراني: تقييم ” أولي “
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
شكَّلَ الهجوم الاسرائيلي يوم امس على ايران ونجاحه في “اقتناص ” عدد من ابرز القيادات العسكرية والعلمية الايرانية نوعا من الصدمة حتى لقيادة ايران العليا ، لأنه كشف عن خرق امني “بشري او تقني او كليهما معا” اصاب الجسد السياسي الايراني بالارتجاج ، وترافق مع ذلك تقارير اغلبها اسرائيلية عربية عن تضرر لا يستهان به في المنشآت الايرانية بخاصة ذات الصلة بالبرنامج النووي ، كما ان التهويل من هذه المصادر عن “شلل” المنظومة الدفاعية الايرانية كثف المسحة السوداوية في المشهد الايراني.
مع حلول مساء اليوم نفسه، بدأ الايرانيون في توظيف “الظلام لإنارة المشهد ” ، وتلاحقت موجات الصواريخ الايرانية الثقيلة حتى صباح هذا اليوم ودون توقف لتضرب وسط اسرائيل “الأعلى كثافة سكانية ” ، وتبين ان عدد الصواريخ” الايرانية التي بلغت اهدافها اعلى كثيرا من ما ظن الجمهور الاسرائيلي بأن منظومة الدفاع لجيشهم ستقيهم اضرار هذه الصواريخ، ويكفي الاشارة لتقرير صحيفة “هآرتس” هذا الصباح عن دمار وصفه مراسلها بانه ” لم يسبق له ان راى هذا الحجم “، وهو ما يدلل على ضرورة الحذر الشديد في التعامل مع البيانات الاسرائيلية او ما تروجه فضائيات التطبيع الغرائزية.
والملاحظ هنا ان ايران جعلت من” تل ابيب- يافا وضواحيها” الهدف الأول لصواريخها مع محاولات ضرب اهداف اخرى ، وهو امر يستهدف التأثير على القاعدة الشعبية الاسرائيلية ، إذ يعيش في هذه المنطقة حوالي 4.4 مليون نسمة اي ما يقارب 46% من سكان اسرائيل، وهو ما يجعل الكثافة السكانية كبيرة تغوي على استهدافها بخاصة في ظل المساحة الصغيرة لوسط اسرائيل والحساسية المفرطة لاسرائيل تجاه الخسائر البشرية ، وهو ما يسهل الاستهداف الايراني.
بالمقابل تركز اسرائيل على الاهداف الاستراتيجية، لان العنصر البشري ليس هو العصب الحساس لايران (اكثر من 90 مليون نسمة- اي حوالي اكثر من عشر اضعاف “يهود” اسرائيل) ، وتحاول القوات الاسرائيلية تعطيل اكبر قدر ممكن من مرافق البرنامج النووي( مناجم اليورانيم، المفاعلات النووية، مراكز التخصيب، مراكز انتاج الصواريخ) الى جانب المنشآت العسكرية، لكن المشكلة هنا ان الاستهداف اكثر تعقيدا من الاستهداف الايراني ، لان الاهداف الايرانية متعددة ومتناثرة على مساحة تتجاوز 1.6 مليون كيلومتر مربع( حوالي 73 ضعفا لاسرائيل)، وهي متباعدة عن بعضها بمئات الكيلومترات.
ما يلفت النظر ان اسرائيل تجنبت حتى الآن المرافق النفطية، وهو مجال حساس جدا للاقتصاد العالمي بخاصة لكل من اوروبا والصين، فقد ارتفعت اسعار النفط(رغم عدم مهاجمة مرافقه) 10% حتى الآن، وهو ما يعني حوالي خسائر اوروبية تتراوح بين 30-40 مليار دولار (حسب مستويات الارتفاع).
من الواضح ان النشوة الاسرائيلية المبكرة ” هدأت بعض الشيء” بعد ليلة امس، ويبدو ان نهاية المواجهة ليست وشيكة، ولا شك ان الجيش الاسرائيلي المستنفر منذ السابع من يونيو 2023(اكثر من عام ونصف) يشعر بثقل مهماته، فسحب لواء من غزة الى الضفة الغربية واستمرار مناوشات انصار الله، واستمرار التحول في الموقف الدولي تجاه اسرائيل ، الى جانب الاعباء الاقتصادية لكل هذا تجعل نيتنياهو في وضع لا يقل عن وضع النظام السياسي الايراني الذي ناشد نيتنياهو شعب ايران التمرد عليه وبكيفية تعكس قدرا من “النزق”.
اما الدور االامريكي، فإذا تجاوزنا غوغائية وثرثرات ترامب التي لا تتوقف، فان الشراكة الامريكية في المواجهات الحالية اصبحت شبه معلنة، ولا استبعد ان تتضح لنا اكثر وظيفة القيادة المركزية للقوات الامريكية التي انتقلت لها اسرائيل عام 2021 (بعد تبعيتها لفترة طويلة للقيادة الامريكية الوسطى الاوروبية ) بخاصة ” لتسهيل التعاون الامني -الامريكي الاسرائيلي العربي لتقاسم اعباء المواجهة مع ايران .
ومن الواضح في الدور الامريكي ان نيتنياهو قد يدفع الامور نحو الاسوأ على امل جر الولايات المتحدة معه ليتكرر المشهد العراقي ، فتتحمل امريكا العبء الاكبر في المواجهة مع ايران، وعلى امل التخلص من النظام الايراني نفسه، وهو امر قد يغير المشهد الاقليمي برمته، لكن ذلك ليس بالامر اليسير.
انها مواجهة كبيرة، ونتائجها متلاحقة، واسرارها لا حصر لها ، وبجعها الاسود يرقد على بيضه..ربما.