إسقاط خامنئي.. رغبة أم كابوس؟

إسقاط خامنئي.. رغبة أم كابوس؟
تسفي برئيل
في السنة الأخيرة، توجه نتنياهو عدة مرات للمواطنين الإيرانيين ودعاهم إلى إسقاط النظام وإزالة نير الديكتاتورية القاتلة عنهم، التي أنفقت مليارات الدولارات على وكلائها – أموال كان يمكن للدولة استثمارها في تحسين وضع المواصلات – حسب قوله. واستخدم شعار حركة حقوق النساء التي أقيمت في 2022، “نساء، حياة، كرامة”، لإثارة التماهي والتعاطف الإيراني للمهمة التي أخذها على عاتقه من أجل المواطنين الإيرانيين.
وابن الشاه رضا كورش بهلوي، يريد أن تقوم إسرائيل بإسقاط النظام. ويقول لكل يستمع له، بأن في إيران قوى وتيارات كثيرة قوية مستعدة للعمل من أجل إسقاط النظام (على الطريق يجب أن يضعوا على رأسه التاج الملكي). بقايا “الحركة الخضراء” التي نشأت في 2009 أثناء الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها محمود أحمدي نجاد، برئاسة مهدي كروبي الذي تحرر من الإقامة الجبرية التي خضع اليها منذ 2009، وصديقه مير حسين موسوي، الذي تنافس في حينه في الانتخابات، وهو أيضاً معتقل منذ ذلك الحين في بيته –يريدان إسقاط خامنئي وأجهزة النظام الدكتاتورية القمعية.
مجاهدو خلق، المعارضة المسلحة للنظام، ينتظرون وراء الحدود، وهي معارضة ساعدت الخميني على القيام بالثورة الإسلامية وطاردت وحتى قتلت معارضيه، لكن تم إبعادها بأمر من الخميني الذي اعتقد أن الأمر يتعلق بجسم قد يعرضه للخطر. لم يكن مخطئاً. فهذا التنظيم، الذي حسب تقارير أجنبية، ساعد إسرائيل لسنوات في نشاطاتها ضد إيران، يتطلع إلى أن يكون جزءاً من النظام الجديد الذي سينشأ في إيران وتطبيق فيه عدد من المبادئ التي لا تتساوق بالتحديد مع الديمقراطية الغربية.
الغرب يعرف المفهوم الضبابي “الإصلاحيون” جيداً، الذي يستخدم كمظلة واسعة لكل من يريدون التغيير في إيران. موسوي إصلاحي، ربما رمز لكل الإصلاحيين، لكنه سعى إلى التوضيح بأنه لا يؤيد الديمقراطية على نمط الغرب، ويعارض التدخل الأجنبي في شؤون الدولة. حسن روحاني هو أيضاً إصلاحي، رئيس إيران السابق، والزعيم الذي وقع على الاتفاق النووي في 2015 وأيد الحوار مع الغرب، لكنه عارض تغيير أسس النظام التي تقوم على الشريعة وعلى تفسيرات رجال الدين. حتى إن هناك رجال دين يحملون لقب الإصلاحيين. أحدهم الرئيس محمد خاتمي، الذي جمد البرنامج النووي الإيراني عشية حرب الخليج الثانية، لكنه استأنفه عندما لم يرد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، على اقتراحه للتفاوض حول المشروع النووي.
من بين طيف الإصلاحيين الذين قد يشكلون العمود الفقري لتغيير النظام، ربما يكون مثقفون وطلاب جامعات ومنظمات حقوق إنسان، الذين خرجوا في المظاهرات الكبرى مثل المظاهرة التي قامت بها “الحركة الخضراء” أو الاحتجاجات في 2019 و2022، وهي الأحداث الرئيسية التي أنتجت في كل مرة اندلعت فيها نبوءات مجربة ومؤكدة بأن النظام على وشك الانهيار. ولكن تقف أمامهم وضدهم قوى قوية، مسلحة وعنيفة، لا تعرف الحدود مثل حرس الثورة الإيراني والشرطة “المدنية” والباسيج، مئات الآلاف (البعض يقولون الملايين) من المتطوعين الذين شوهدوا كثيراً في المظاهرات في الشوارع وهم يلوحون بأيديهم ويهتفون “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل”. هؤلاء هم الذين يفرقون المظاهرات ويكسرون الإضرابات، رأس الحربة التي أرسلت إلى الجمهور كلما شعر النظام بالتهديد.
تتكون أجهزة النظام من حركات وقوى ومنظمات، التي حصلت على مكانة وأموال طائلة، تفعل كل ما في استطاعتها، وهذا ليس بقليل، من أجل الحفاظ على دفيئتهم الحكومية. وبينهم رجال دين كبار وأعضاء في المجالس واللجان التي تصادق على ترشح أعضاء البرلمان والرؤساء ومن سينتخب الزعيم الأعلى القادم في إيران. هذه آلية بيروقراطية مبنية من طبقات، وتسيطر على كل أذرع الحكم، المبني من “لبنة ديمقراطية” ينتخب فيها الجمهور الرئيس وأعضاء البرلمان والمؤسسات البلدية، لكن كل انتخاب كهذا يخضع للتصفية المتشددة لمصادقة الزعيم ورقابته المتواصلة. وإلى جانب هذه اللبنة هناك المؤسسات المعينة، والجيش، وحرس الثورة، والشرطة، وجهاز القضاء ووزراء الحكومة، الذين تخضع المصادقة عليهم للبرلمان المنتخب، لكنها تخضع لتوجيهات الزعيم الأعلى. وقتل خامنئي لا يضمن انهيار هذه المنظومات القوية، بل ربما تحدث حرب وراثة تتمثل في قمع أكثر تدميراً.
أمنية وليس أكثر من ذلك
يصعب وحتى من غير المحتمل معرفة متى ستحدث ثورة مدنية في الدولة. حتى عند حدوث علامات واضحة تدل على احتمالية حدوث ذلك. أي جهاز مخابرات لم يعرف متى سيتفكك الاتحاد السوفييتي، ولم تعرف أي جهة تحليلية إبلاغنا هل ومتى ستقوم ثورة “الربيع العربي” أو التنبؤ بأن نظام الأسد سيسقط مثلما سقط. هذه أمثلة قليلة، لكنها تكفي لنفهم بأن الأمل في إسقاط النظام في إيران يستند الآن إلى أمنية أسيرة لصور وتشبيهات تأتي من هناك. يجدر الذكر في هذا السياق بأن سبق لإيران سبق وعرفت حرباً وجودية امتدت لثماني سنوات مع العراق، وأنها تخضع لنظام عقوبات شديدة منذ حدثت فيها الثورة الإسلامية. الأزمة الاقتصادية العميقة والمزمنة كانت عاملاً لانهيار النظام في معظم الدول السليمة. إيران باقية رغم العقوبات، بل طورت تكنولوجيا متقدمة وسلاحاً حديثاً، وتستمر في بيع النفط ومنتجات أخرى.
نتنياهو أوضح للإيرانيين وللعالم بأن “الواقع في الشرق الأوسط هو نتاج رد متسلسل، ورد على الضربات التي تلقتها حماس، وانهيار حزب الله وتصفية حسن نصر الله، هذه الضربات وجهناها لمحور الشر. في الوقت الذي تبحث فيه إيران عن احتلال دول أخرى تفرض فيها الديكتاتورية الأصولية، تبحث إسرائيل عن الدفاع عن نفسها، ولكننا بذلك ندافع عن الحضارة في وجه البربرية”. هذه أقوال تأسر القلب، لكنها لا تضمن بأن إسقاط النظام في إيران أمر ممكن بالطريقة التي تم فيها إسقاط الأسد أو تقويض حزب الله.
ويجدر الذكر بأن نتنياهو لم يسارع إلى احتضان أحمد الشرع “الإرهابي”، رئيس سوريا الذي أسقط الأسد، ولم يمد يده إلى الحكومة اللبنانية بعد تصفية حسن نصر الله. آمنت الولايات المتحدة بأن نهر دجلة سيفيض فرحاً بعد إسقاط صدام حسين، ستحتفل الديمقراطية وفي شوارع بغداد. أما النتيجة فمعروفة جيداً. قبل الحرب في العراق كان هناك معارضون كبار عاشوا في لندن وباريس ووعدوا الولايات المتحدة بالنصر المطلق، ليس فقط على الديكتاتور القاتل، بل انتصار لقيم الديمقراطية الغربية.
الحرب ضد إيران من أجل حماية إسرائيل مهمة ضخمة بحد ذاتها، لا تحتاج إرفاق مهمة مقدسة على صورة الدفاع عن الحضارة إليها. تصفية خامنئي أو زعماء وقادة كبار في إيران لا تضمن نتيجة أفضل. إيران نفسها قدمت الدليل على ذلك عندما خرج الملايين إلى الشوارع وطردوا الشاه وتوجوا الخميني. إسقاط النظام الآن حلم أصبح هدفاً استراتيجياً، بدون أي دليل على أنه قابل للتحقق. وإذا تحقق، فلا يضمن ألا تكون النتيجة كابوساً أكثر خطراً.
هآرتس 17/6/2025