ترامب لا ييأس: في انتظار استسلام إيراني

ترامب لا ييأس: في انتظار استسلام إيراني
يبدو أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم ييأس من دعوة إيران للاستسلام، فهذه ليست المرة الأولى التي يفعل فيها، وهو كان وجّه دعوة مماثلة خلال ولايته الأولى.
ليست هذه المرة الأولى التي يطلب فيها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من إيران الاستسلام من دون شروط؛ إذ سبق أن طلب الشيء نفسه في ولايته الأولى، التي انتهت بينما هو ينتظر اتصالاً مباشراً من الإيرانيين. على أنه في خضم المعركة الجارية حالياً، لم يكن مستغرَباً أن يغيّر ترامب رأيه خلال بضع ساعات، من إبداء نيته إرسال نائبه، جي دي فانس، ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، للتواصل مع الإيرانيين والتفاوض بشأن الأمور العالقة، إلى رفضه أي تحرّك ديبلوماسي من جانبه. ذلك أن الرجل لا يحبّذ المفاوضات المعقّدة أو الحلول الوسط، بل يؤمن بمبدأ «إمّا أن ترضخ وإمّا أن تواجه العواقب»، ويكاد يدفعه النزق والنرجسية إلى الدخول في أصعب حرب في الشرق الأوسط على الإطلاق، بعدما دأب على انتقاد أسلافه لخوضهم الحروب العبثية من دون وجود مصلحة للولايات المتحدة فيها.
وإذا كانت الساعات القادمة حاسمة لجهة دخول واشنطن في الحرب من عدمه، فإن ترامب ما يزال يمارس إستراتيجيته المفضّلة القائمة على تسليط أقصى ضغط ممكن قبل أي تفاوض، والتي يعتقد أنها لا تزال صالحة على رغم انكشافها أمام جميع دول العالم، وعلى رأسها خصومه الرئيسيون، أي الصين وروسيا وإيران. وبعدما أدرك أن تلك الإستراتيجية لم تعُد تجدي، فقد عمد إلى محاولة إضفاء الجدية عليها، بالحديث عن إمكانية ذهابه إلى الخيار العسكري إلى جانب إسرائيل.
ولعلّ صمود إيران وتجاوزها صدمة الهجوم الأولى، واتضاح حقيقة أن إسرائيل دخلت في حرب استنزاف مع الجانب الإيراني لن تسلم منها هذه المرة، هما ما دفعا الرئيس الأميركي إلى رفع السقف، في ظلّ تقدير إستراتيجي بأن خسارة تل أبيب الحرب ستترتّب عليها تداعيات خطيرة على مجمل الحضور الأميركي والغربي في منطقة الشرق الأوسط.
والظاهر أن الهدف النهائي من هذا التدخل، التمهيد لإنهاء الحرب أو وقف التصعيد العسكري، وهو ما دلّت عليه تسريبات برزت في الساعات الأخيرة عن إيصال الأميركيين رسائل عبر وسطاء (سلطنة عُمان أو قطر أو حتى عبر القنوات الأوروبية) تطالب الإيرانيين بعدم الرد في حال استهدفت الولايات المتحدة منشأتَي «نطنز» و«فوردو» النوويتين. لكن من يعرف حقيقة إيران، يدرك أن هذه المحاولات لن تصل إلى مبتغاها؛ إذ إن الإيرانيين يدركون أن الإحجام عن الردّ يعني المسّ بقدراتهم الردعية والسيادية، ويصرّون على أن أي استهداف للمنشآت النووية من قبل الأميركيين سيُقابل برد كبير، يمكن أن يجرّ المنطقة إلى حرب مفتوحة لا يعلم أحد كيف تنتهي.
ومن هنا، تتعالى في واشنطن الأصوات الرافضة لانخراط واشنطن في هذه الحرب، رغم أن مسؤولين أميركيين يعتقدون أن الحملة الإسرائيلية ربما تكون قد أقنعت طهران بأن السبيل الوحيد لمنع هجمات مستقبلية هو تطوير رادع نووي شامل، وأنه إذا كان من المرجّح أن تسعى إيران إلى الحصول على سلاح نووي مهما كانت الظروف، فإن الضغوط قد تتزايد على إدارة ترامب لتوجيه ضربة إليها، وفق ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» عن هؤلاء.
وأيّاً يكن، فإن سياسة التهويل والتهديد المعمول بها حالياً من قبل الأميركيين، ليست جديدة؛ إذ سبق لترامب أن فعل الشيء نفسه في ولايته الأولى، بعد تمزيقه الاتفاق النووي الذي وُقّع مع سلفه باراك أوباما. وحينها، وجّه خطابه إلى الإيرانيين، طالباً منهم الاستسلام، ولكن بصيغة مختلفة، قائلاً: «اتصلوا بي إذا أردتم الاتفاق». وعقب ذلك، فعّلت واشنطن سياسة «الضغوط القصوى» لجلب طهران إلى طاولة المفاوضات بالشروط الإسرائيلية، وأرفقتها باغتيال الجنرال قاسم سليماني في بداية عام 2020. لكن القيادة الإيرانية رفضت التنازل والخضوع للمطالب الأميركية، مؤكدةً، على لسان المرشد الأعلى، السيد علي الخامنئي، أنه «لا تفاوض مع الأميركيين، لا على المستوى السياسي ولا على أي مستوى آخر. الأميركيون كاذبون ولا يمكن الثقة بهم».
وعلى مدار الولاية الأولى لترامب، حاول أصدقاء الولايات المتحدة تأمين تواصل بينها وبين إيران في أيلول 2019، وذلك خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في حين بذلت فرنسا (عبر الرئيس إيمانويل ماكرون) جهوداً لترتيب لقاء مباشر بين ترامب ونظيره الإيراني آنذاك، حسن روحاني. وبحسب «رويترز» و«واشنطن بوست»، فقد تمّ بالفعل تجهيز خط هاتف خاص في الفندق الذي نزل فيه روحاني في نيويورك، في انتظار أن يتم الاتصال من ترامب، ولكن روحاني رفض هذا التواصل.
وفي كتابه «الغرفة التي شهدت الحدث»، ذكر مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، أن ترامب كان جاداً في رغبته في لقاء روحاني، وطلب من فريقه العمل على ترتيب هكذا اجتماع، ولكن الإيرانيين كانوا يأبون أي حوار مباشر من دون رفع العقوبات أولاً. كما كان رئيس وزراء اليابان الراحل، شينزو آبي، قد قام بزيارة إلى إيران في حزيران 2019 حاملاً رسالة من ترامب، وقد التقى آنذاك المرشد الأعلى في محاولة للتوسط وتهدئة التوتر بين الجانبين، ولكن الخامنئي رفض تسلّم الرسالة من آبي، وقال له بشكل مباشر: «لا أعتبر ترامب شخصاً يستحق تبادل الرسائل، ولن أرد على رسالته».