معاريف: من قرار الهجوم على إيران.. ماذا حصل وما المتوقع؟

معاريف: من قرار الهجوم على إيران.. ماذا حصل وما المتوقع؟
اللغة تصبح هزيلة، والكلمات تتقزم في ضوء عظمة الأحداث التاريخية التي نعيشها. في نهاية الأسبوع التي تبدو كلمة “مذهل” صغيرة عليه، حققت إسرائيل إنجازات تفوق كل خيال في المعركة ضد إيران، والسؤال الآن: متى تكون اللحظة الصحيحة لترجمة كومة الإنجازات هذه لخلق واقع مستقر وطويل المدى لا تملك فيه إيران قدرة على تطوير سلاح نووي؟
إن ظهور للزعيم الأعلى شاحباً ومفزوعاً هذا الأسبوع يمثل اقترابه من النقطة التي يكون فيها ملزماً بالتنازل. حين نحاول تصور كيف يشعر زعيم تحلق في سماء عاصمته طائرات العدو تفعل فيها ما تشاء، وقيادته العسكرية شطبت، وكل من يدخل إلى مكتبه ليتلقى رتبة يصفى في غضون يومين – فهذا مفهوم بما يكفي.
هذه هي المرة الأولى منذ 52 سنة التي تقاتل فيها إسرائيل دولة وأمة. والآن يدور الحديث عن دولة أكثر من 90 مليون نسمة، تقع على مساحة 1.6 مليون متر مربع (50 ضعفاً عن مساحة إسرائيل). في دولة كهذه، لن تنتهي أهدافنا أبداً. سيكون هناك ما نهاجمه على الدوام.
لكن بعد سلسلة النجاحات اللامعة، كل يوم من استمرار القتال يُعلي الخطر بأننا ندفع أيضاً أثماناً أعلى. ربما يكون هذا خللاً في طائرة أو ضربة ذات مغزى كبير في الجبهة الداخلية، وعليه، يجب أن نفحص في كل يوم قتال ما هو حجم الإنجاز الذي لا يزال ممكناً تحقيقه مقابل هذا الخطر.
البرنامج النووي الإيراني لا يمكن تصفيته من الجو، ولا أيضاً تطلعات النظام للنووي العسكري. لقد جمعت إيران المعرفة لتخصيب اليورانيوم، كما جمعت كمية مبهرة من المادة المشعة ووزعتها في أرجاء الدولة. وهذان الأمران لا يمكن تدميرهما بالطائرات وبالقنابل. حتى لو دمرت كل منشآت النووي الإيرانية، يمكنها إقامة البرنامج من جديد. وعليه، يجب أن يكون الإنجاز أكبر من التدمير المادي لمنشآت النووي: إسقاط النظام أو اتفاق استسلام بصيغة فرساي.
واضح أن دخول الولايات المتحدة إلى القتال سيغير الصورة تماماً ويسرع نهاية المعركة. ليس ذلك بسبب قدرة أمريكا على ضرب المنشأة التحت أرضية في فوردو فحسب، بل حتى تفهم إيران قدرة الأمريكيين على تفكيك هذا النظام تماماً. فقد رأى الإيرانيون ما أحدثه الأمريكيون من الجو لنظام صدام حسين في العراق. وهذا الدرس لاذع لديهم. إذا دخلت الولايات المتحدة في الداخل، ستزحف إيران استجداء للوصول إلى اتفاق.
أوقفوا المماطلة
هاكم بضعة تشخيصات لما حصل حتى الآن وتنسيق التوقعات للمستقبل القادم:
توقيت الهجوم – لم تخرج إسرائيل إلى المعركة اضطراراً، بل رغبة في استغلال نافذة الفرص الخاصة التي كانت توشك على الانغلاق. في السنة الأخيرة، لم يطرأ اختراق ذو مغزى في طريق إيران إلى القنبلة. إيران بالفعل جمعت كميات أكبر من مادة اليورانيوم المخصب بمستوى عال، وكانت تطورات موضعية في أوساط العلماء الإيرانيين الذين انشغلوا بتطوير سلاح نووي.
منذ خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، وبقوة أكبر منذ تصفية أبي البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زاده في 2022 بدأ العلماء الذين واصلوا طريقه بمبادرات مستقلة. لم يكن هناك توجيه من الزعيم الأعلى لتطوير قنبلة، لكنه سمح للعلماء بالعمل بشكل مستقل وإغلاق فجوات معرفة في الطريق إلى إنتاج قنبلة أولى. وعليه، فإن تصفية العلماء في ضربة البدء هي أحد الإنجازات الأهم لنا. ليس مؤكداً أن إيران ستعرف كيف تستعيد المعرفة التي جمعها هؤلاء الأشخاص.
ما أشغل البال حقاً هو قدرة إيران على ترميم قدرات الدفاع الجوي التي تضررت في أكتوبر من السنة الماضية، ودخولهم إلى إنتاج متسارع لصواريخ أرض أرض. نافذة الفرص فتحت عندما فهمت الإدارة الأمريكية بأن الإيرانيين يماطلونها في المفاوضات وليسوا مستعدين للوصول إلى حل حقيقي. الجيش الإسرائيلي أكمل الجاهزية لخطط الحرب، وآمن بقدرته على خلق حرية عمل جوي فوق إيران، وإدارة ترامب أعطتن الضوء الأخضر للعمل.
خامنئي – في كل تصورات الشخصية التي كتبت لدى أجهزة الاستخبارات في الغرب عن الزعيم الأعلى لإيران يوصف كمتطرف وشكاك ومصاب بجنون الاضطهاد، لكنه حذر وغير مغامر. لكنه أيضاً كان أسيراً لمفهوم ما، وهو أيضاً عاش 7 أكتوبر الخاص به. تماماً مثل نصر الله الذي آمن حتى نفسه الأخير بأن إسرائيل مردوعة منه، ولم يفهم أن حاجز خوف إسرائيل من حزب الله انكسر في 7 أكتوبر.
خامنئي أيضاً لم يفهم، حين تجرأ لأول مرة على مهاجمة إسرائيل مباشرة في نيسان 2024، ومرة أخرى في أكتوبر، حين كسر الرد الإسرائيلي حاجزاً آخر: سلاح الجو فهم بأنه يمكن تدمير الدفاع الجوي الإيراني وخلق ظروف لأن يعمل سلاح الجو بحرية فوق إيران. وهذا شق الطريق للخطة الجريئة التي تتحقق في الأيام الأخيرة.
كما أن خامنئي لم يقرأ الأمريكيين؛ فقد اعتقد أن ترامب متحمس جداً لتحقيق اتفاق بكل ثمن، وأن بإمكانه جذبه إلى مفاوضات لا نهاية لها. كما أنه رأى أمامه محامياً متمرساً لا يفهم بالنووي، وكان واثقاً أنه يمكنه المماطلة. فرضيته الأساس كانت أنه ما دامت هناك مفاوضات، لا يمكن لإسرائيل أن تهاجم. ما في أمريكا يسمونه: “بيغ ميستيك” (خطأ جسيم).
فوردو – موقع التخصيب الثاني في حجمه في إيران، المبني عميقاً في داخل جبل، يصبح في الخطاب الإعلامي العنوان الرئيس. فوردو عنصر مهم في البرنامج النووي، وإلى جانب أجهزة الطرد المركزية ربما يكون موقع التخزين الرئيس للمادة المشعة. وبصفته هذه، من المهم تدميره. لكن البرنامج النووي الإيراني لا يسقط أو يقوم على فوردو.
ليس لإسرائيل قدرة على تدميره بهجوم جوي. إحدى إمكانيات إسرائيل لتدمير الموقع، كما نشر، هو الوصول إلى باطن الأرض واستخدام قوات برية بكل المخاطر التي تنطوي على ذلك. الأسلحة الأمريكية قد تخترق وتضربه، لكن هذا لن يصفي البرنامج النووي الإيراني.
ستاند ان – اصطلاح جديد لكثيرين منا. والمعنى أن طائرات سلاح الجو قد تبقى بحرية فوق الأهداف في مناطق نقية من الدفاع الجوي وإلقاء قنابل رخيصة أكثر بتواتر أعلى على الأهداف. هذا يعطي لإسرائيل قدرة إصابة أكبر لكل هدف في المناطق التي فتحت، ويعزز إحساس الإيرانيين بانعدام الوسيلة.
طول النفس – تقارير أمريكية تدعي بأن مخزون صواريخ حيتس الإسرائيلية آخذ في النفاد. إيران لا تعرف كم صاروخ اعتراض بقي لنا، لكنها أحصت كل صاروخ اعتراض أطلقناه في الأشهر الأخيرة ضد الصواريخ الحوثية (وأطلقنا كثيراً) وضد هجماتها.
دون الدخول إلى أعداد دقيقة، نقول إن إسرائيل تنتج مئات قليلة جداً من صواريخ حيتس كل سنة. إنتاج حيتس ليس مرناً؛ فهو منوط بتوريد عناصر معينة تستغرق وقتاً طويلاً. إذا ما طلبنا اليوم ألف صاروخ إضافي – فسيستغرق إنتاجها سنوات. بالمقابل، أنتجت إيران حتى الخميس الماضي 30 صاروخ أرض أرض في الأسبوع، أي نحو 1500 في السنة. بعض من قدرات الإنتاج هذه تضررت، لكن ليس كلها. وعليه، فهذه فجوة تشغل البال.
الولايات المتحدة تساعدنا في الدفاع، لكن أداء منظومة “ثاد” المنشورة في إسرائيل وأداء سفن AEGIS لا يقترب من نجاح “حيتس” الذي يبلغ نحو 90 في المئة. المعنى أنه كلما طالت المعركة، فإصابة الجبهة الداخلية الإسرائيلية تكون أشد.
الأمريكيون يغدقون علينا كل ما نطلب. من بداية الحرب، تهبط طائرات محملة بالذخيرة الجوية التي تسمح بتواصل الهجمات في إيران. سلاح الجو قد يعوض الضعف في الدفاع بقدرات العقاب التي طورها لنفسه – على كل إصابة ذات مغزى في إسرائيل قد يجبي ثمناً باهظاً من إيران. لكن لا يمكنه إعادة أولئك الذين سيصابون بالصواريخ الإيرانية.
جني الأرباح
حالة النهاية – قلة من الأشخاص الذين يمكنهم النهوض عن الطاولة للملمة كومة أقراص القمار التي جمعوها. كثيرون يستسلمون للإغراء في محاولة تحقيق المزيد. تغيير النظام في إيران شيء نتمناه، لكن من الخطير بمكان أن يغرينا التفكير بأن سلاح الجو سيغير النظام في إيران. معظم العالم يفهم اليوم بأنه لم يتبقَ لإيران أوراق كثيرة باستثناء الصمود. ثمة فرصة لخلق إجماع دولي لاقتياد إيران إلى نزع قدراتها النووية. الإنجازات العسكرية شقت الطريق للعمل السياسي، وهذا ما هو مطلوب من إسرائيل الآن. إسرائيل تتميز دوماً بضربات بدء لامعة ولا تعرف متى تنهي.
إن بطولة طواقم الجو ومقاتلي الوحدات الخاصة ورجال الموساد، وتفاني الطواقم الأرضية التي تتيح تواصل القتال، يمكن أن نستخدمها الآن لخلق مستقبل أفضل. نتنياهو الذي كان مشغولاً طوال سنة ونصف بشطب 7 أكتوبر من إرثه لضمان مستقبله الشخصي، ربما يكتب فصلاً فاخراً في إرثه، وهذه المرة أيضاً يكتب مستقبلنا جميعاً.
ألون بن دافيد
معاريف 20/6/2025