حرب بلا اسم: اليوم التاسع من العدوان الإسرائيلي على إيران

حرب بلا اسم: اليوم التاسع من العدوان الإسرائيلي على إيران
طهران ـ تصدرت الحشود الشعبية عناوين الصحف الإيرانية في صبيحة اليوم التاسع من العدوان الإسرائيلي، بعدما خرج المواطنون يوم الجمعة في 31 محافظة للدفاع عن الوطن.
في العاصمة طهران، المدينة المزدحمة والملوثة التي تحتضن نحو 15 مليون نسمة، بات المشهد يشبه أجواء عطلة عيد النوروز، كما يقول من بقي فيها، في إشارة إلى خلوها اللافت. فقد برز جمالها المدفون في زحمة الناس. لكن هذا الهدوء لا يشبه النوروز؛ إذ حمل معه مشاعر متضاربة تطورت على مدى تسعة أيام، بدأت بدهشة، ثم خوف، فذعر، تلاه غضب، ثم أمل ويأس، حتى اختلطت كل هذه المشاعر معا في آن واحد.
ومع تصاعد القلق الشعبي، كثفت الشرطة وقوات الحرس الثوري من إجراءاتها الأمنية، عبر إقامة العديد من نقاط التفتيش في مختلف أنحاء المدينة، بهدف توسيع رقعة الحماية للمنازل التي تركها أهلها لجوءا من القصف. كما تواصلت عمليات البحث عن عناصر تتهمهم السلطات بالعمالة لإسرائيل، قيل إنهم تلاعبوا بالمجال الجوي عبر طائرات مسيرة «درون» أو نفذوا هجمات بالقذائف، بعد ما طال قصف سلاح الجو الإسرائيلي نصف المحافظات الإيرانية.
وأعلنت قيادة الشرطة أنها ألقت القبض على مجموعات كانت بحوزتها مواد متفجرة وطائرات مسيرة في عدة مدن إيرانية. ومن جانبها، صرحت وزارة الاستخبارات باعتقال عشرات الأشخاص المرتبطين بجهاز الموساد في محافظات مختلفة، فيما حذرت السلطة القضائية من أنها ستنزل أشد العقوبات على كل من يثبت تورطه مع «العدو».
ومع بداية الأسبوع الثاني للحرب، بدأت مظاهر الحياة تعود تدريجيا؛ فقد ارتفع عدد المحلات التجارية التي فتحت أبوابها، كما قسمت المؤسسات الحكومية عملها بنسبة 30 في المئة حضورياً و70 في المئة عن بعد. وأعلنت وزارة الثقافة أن المسارح ودور السينما والمراكز الثقافية يمكنها العودة إلى العمل.
ورغم ذلك، لا يزال الصمت والترقب يخيمان على المشهد العام، لدرجة أن المواطن بات يتعود على سماع صوت الدفاعات الجوية التي لا تكاد تتوقف عن صد الصواريخ والطائرات المسيرة الإسرائيلية، والتي تنجح أحيانا وتفشل أحيانا أخرى.
ماذا كسبت تل أبيب حتى الآن؟
تقول إسرائيل إنها تمكنت من تدمير نصف منصات الصواريخ الإيرانية، إضافة إلى تعطيل مفاعلات نووية ومنشآت عسكرية ومصانع أسلحة وتخزين. كما أعلنت عن اغتيال نحو 17 قائداً عسكرياً وقرابة 10 من علماء الذرة، في عمليات استهدفت المباني المأهولة بالسكان. فالقصف طال شققا سكنية في قلب العاصمة، إضافة إلى مقرات للشرطة والأمن المنتشرة في شوارع المدينة، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.
ووفق الصحة الإيرانية، فقد استشهد 430 شخصا وجرح ما يزيد على 3500 آخرين حتى مساء الجمعة، وعن مخاوف المواطنين من أي تسرب نووي أو كيميائي، تؤكد الوزارة أنها اتخذت الإجراءات الاحترازية اللازمة للتعامل مع أي تسرب قد ينجم عن استهداف مفاعلات نووية.
الحكومة تتجنب كلمة «الحرب»
على الصعيد الخدمي، أكدت وزارتا الزراعة والنفط استمرار توزيع المواد الغذائية والبنزين في عموم البلاد بدون انقطاع، خاصة في المحافظات التي استقبلت أعدادا متزايدة من النازحين، الذين تصفهم الحكومة بـ«المسافرين» في محاولة لتجنب استخدام مفردات حربية.
ويحرص المسؤولون ووسائل الإعلام الرسمية على عدم استخدام كلمة «جنك» (الحرب بالفارسية)، مفضلين مصطلحات بديلة مثل: «تجاوز» (عدوان)، «نبرد» (معركة)، «تهاجم» (غزو)، «حمله» (هجوم)، «جنايت» (جريمة)، «دركيري» (صراع)، و«مبارزه» (قتال)، وهو ما يفسر كجزء من تأطير سياسي وإعلامي لما يحدث من قبل النظام. ورغم أن حكومة الوفاق الوطني ذات التوجه الإصلاحي، التي تولت الحكم قبل عام بشعار التفاوض مع الغرب، لا تزال تعيش صدمة الواقع، فإنها كانت تأمل أن تنتهي الأزمة قبل أن تتجاوز الحرب أسبوعها الأول.
وفي هذا السياق، أكد الصحافي الإيراني المخضرم عباس عبدي، أهمية الإعلام الحربي في توجيه الرأي العام، مشددا على ضرورة استمرار النقد البناء لهيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية، رغم تعرضها للقصف. كما دعا إلى تعزيز التواصل بين المسؤولين والشعب، لما له من أثر إيجابي على الروح الوطنية، محذرا في الوقت ذاته من انتشار الأخبار الكاذبة في شبكات التواصل، نتيجة ضعف التغطية الإعلامية الرسمية.
تضامن داخلي رغم الانقسام السياسي
لقد توقعت إسرائيل أن ينهار المجتمع الإيراني بالكامل، وأن تعم الفوضى، وتتفكك مؤسسات الدولة ويضيع زمام الأمور جراء ضرباتها الجوية. غير أن ما حدث كان عكس ذلك تماما، ويعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى حيوية الشعب وتماسكه، إذ أثبت أنه في أوقات الشدة قادر على التماسك، وضبط النفس، وتجاوز الأزمات بتضامن لافت مع أبناء وطنه، حسب مدير مؤسسة إيران للأبحاث الإعلامية أحمد حسيني.
ويمكن تصنيف مواقف الإيرانيين تجاه الحرب إلى أربع فئات حسب المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي قبيل انقطاع الإنترنت:
أولاً: فئة مؤيدة للنظام وترفض أي عدوان على البلاد.
ثانياً: فئة معارضة لسياسات النظام، لكنها ترفض الاعتداء الخارجي.
ثالثاً: فئة معارضة للنظام بالكامل، إلا أنها ترفض الهجوم على إيران.
رابعاً: فئة ترى في القصف الإسرائيلي انتصارا على النظام وانتقاماً منه.
«لسنا شرقيين ولا غربيين ولا عربا»
من منظور قومي، يرى الباحث الإيراني ذو التوجه القومي بَيام فضلي نجاد، أن العدوان يمثل «هجوما حضاريا» على مهد الإنسانية، ويقول: «نحن على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة. فقد شُن هجوم جبان على معقل تاريخ العالم، الذي ليس شرقياً ولا غربياً ولا عربياً. وإذا لم تقاوم إيران كما فعلت في حروبها السابقة، فإن القوى الاستعمارية ستشن قريبا هجمات شرسة لتدمير حضارتنا، وهو ما يشكل خسارة كبرى لتراث البشرية».
يخشى الإيرانيون من أن تطول الحرب، فيضعف أو ينهار النظام عسكريا وسياسيا، ما قد يؤدي إلى تفكك البلاد، خصوصا مع قدرة إسرائيل على اللعب على وتر الانقسامات الداخلية.
ويحذر نائب وزير الاتصالات السابق، أمير ناظمي، من أن استمرار الحرب سيؤدي إلى دمار واسع للبنى التحتية، وربما يهدد البلاد بحرب أهلية. كما أشار إلى أن تداعيات الحرب لن تظل محصورة داخل إيران، بل قد تنتج عنها موجات لجوء جديدة ونشاط متزايد للجماعات المتطرفة في المنطقة.
ورغم محاولات القوات المسلحة الإيرانية امتصاص صدمة الضربات وتوجيه ردود موجعة على الأراضي المحتلة، فإن الإيرانيين من مختلف المشارب يبدون دعمهم للجيش والحرس الثوري، لكنهم في الوقت ذاته يطالبون بوقف الحرب فورا.
وتشير التقديرات إلى أن هذه الحرب ستستمر لأيام وربما أسابيع أخرى، من دون مؤشرات تلوح في الأفق من نهاية قريبة، ما يدفع المواطن الإيراني إلى محاولة التكيف مع واقع الحرب في تفاصيل حياته اليومية.
تحرك دبلوماسي إيراني
على الصعيد الدبلوماسي، تتحرك طهران بالتوازي مع جهودها العسكرية الحثيثة في توجيه ضربات قاسية على إسرائيل، حفاظا على نظامها، وبرنامجها النووي الذي يتعرض لضربات متتالية بدون توقف.
وفي أعقاب جولة حوار جمعت مسؤولين إيرانيين وأوروبيين في جنيف، لبحث طرق دبلوماسية لإنهاء الحرب، أعلن وزير الخارجية عباس عراقجي استعداد بلاده للتفاوض مع واشنطن بعد وقف العدوان، ولكن لا يمكن التفاوض تحت قصف إسرائيل. وهناك مساعي إقليمية ودولية لاحتواء الأزمة، أبرزها ما كشفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من مقترحات قدمت إلى الجانبين، مع أمل التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب على حليفة موسكو.
إن المجتمع الإيراني بكل مكوناته، يدفع ثمن حرب لم يخترها. وقد تترك هذه الحرب آثارا طويلة المدى، قد تغير في نظرته إلى وطنه، وتحالفاته، وجيرانه، وحتى علاقته بالعالم.
«القدس العربي»:




