بعد التضييقات التي طالت المشاركين بها: قافلة الصمود تثير موجة من الجدل وتكشف جبل الجليد العربي

بعد التضييقات التي طالت المشاركين بها: قافلة الصمود تثير موجة من الجدل وتكشف جبل الجليد العربي
روعة قاسم
تونس ـ تفاجأ الكثير من المشاركين في قافلة الصمود المغاربية، التي انطلقت ببادرة من منظمات المجتمع المدني التونسية وشارك فيها ناشطون من البلدان المغاربية، بردة الفعل العنيفة التي طالتها من قبل البعض، وذلك بعد مغادرتها لتونس والغرب الليبي في طريقها إلى معبر رفح. فقد توقفت مسيرة القافلة على أبواب الشرق الليبي وشنت عليها حملات إعلامية وأخرى بمواقع التواصل ممن كان من المتوقع أن تصل إليهم هذه القافلة لتحاول لفت نظر العالم لضرورة فك الحصار عن غزة.
ولعل احتجاز المشاركين في القافلة في العراء وفي عمق الصحراء واستغلال حاجتهم للغذاء وغيره، بسبب طول مدة الاحتجاز الذي لم يكن مبرمجا، وذلك لتصويرهم وهم في حالة رثة، والسخرية منهم، وإيقاف بعضهم، هو الذي أثار الكثير من السخط في صفوف المشاركين والمساندين لهم في دولهم. وأدت هذه الممارسات إلى اتهام الرافضين لدخول القافلة بالعمالة للصهيونية وهو ما تطلب ردودا مضادة واتهامات طالت مشاركين في القافلة تتعلق بعدم حصولهم على تأشيرات دخول وتصاريح للأراضي المصرية بطريقة قانونية.
لقد أكدت تنسيقية قافلة الصمود أنه تم إعلامها من جانب السلطات الليبية بأن السلطات المصرية قد رفضت مطالب التراخيص التي تم تقديمها إلى سفارة مصر في تونس من قبل ممثلين عن تنسيقية القافلة. وبالتالي لم يعد ممكنا أن تتواصل المسيرة باتجاه غزة المحاصرة خاصة وأن سلطات الغرب الليبي رفضت تمكين المشاركين من السفن للتوجه إلى فلسطين عبر البحر.
وأكدت تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين أنه تم الاتفاق على العودة إلى تونس والبحث في سبل أخرى لفك الحصار. وتوجهت بالشكر إلى كل الداعمين والراغبين في الانضمام للمسار المستقبلي، وشددت على ضرورة التنسيق المسبق حصريًا عبر صفحة التنسيقية للحصول على الموافقة قبل أي تحرك. وأشارت التنسيقية إلى توقف استقبال الملتحقين بالقافلة إلى ليبيا، إلى حين تحديد المسار المقبل وتنظيم عودة من يرغبون بالعودة.
حملات تشويه وشيطنة إعلامية
ترافقت هذه العودة إلى تونس مع زوبعة من الجدل وحملات تشويه وشيطنة طالت نشطاء القافلة والمناصرين لها في مصر والشرق الليبي، ولا تزال تداعيات هذه الشيطنة وتبعاتها المجتمعية متواصلة. فيوم خرجت القافلة من تونس مع 1500 مشارك تونسي و300 جزائري، كان هدفها الرئيسي هو كسر الحصار عن غزة ولفت نظر العالم أكثر فأكثر إلى معاناة الغزاويين، لكن أياد خارجية قامت بإفشالها وظهر للعالم عمق الانقسام والهشاشة داخل الجسم العربي.
لقد خرج المشاركون يحملون أمانة الأجداد وسارت قوافل الحافلات والسيارات على درب المقاومين التونسيين الأوائل الذين توجهوا عام 1948 لنصرة فلسطين على أقدامهم. ولم يتأخر الأحفاد بدورهم، فهبوا بكل لهيب الحماسة وصدق الوفاء وقوة العزيمة للمشاركة في المسيرة العالمية دعما لغزة التي كانت مقررة يوم 15 حزيران/يونيو في القاهرة وكان مقررا بعدها التوجه إلى رفح في وقفة إنسانية لإيقاظ الضمير العالمي والضغط من أجل إدخال المساعدات الإغاثية والصحية والطبية والغذائية إلى غزة، ولكن كل ذلك تكسّر على جليد التباينات العربية.
أين بدأت الصعوبات؟
خالد بوجمعة عضو في الهيئة التسييرية لقافلة الصمود وناشط مدني أكد لـ«القدس العربي» أن «القافلة تعرضت لحملة شيطنة وإشاعات مغرضة ليس لها أي أساس من الصحة، فهي قافلة إنسانية بحتة ولا علاقة لها بأي توظيف سياسي، وليست محسوبة على أي طرف سياسي أو عقائدي أو أيديولوجي. والمشاركون في هذه القافلة يمثلون كل شرائح المجتمع التونسي وبينهم نواب وفنانون ومحامون وأطباء وإعلاميون ونخب أكاديمية ونقابيون ونشطاء في المجتمع المدني».
أما عن الصعوبات والعراقيل التي اعترضت القافلة فقال: «في البداية وجدنا كل التسهيلات في تونس وصولا إلى معبر رأس الجدير الحدودي مع ليبيا، ومرورا بكامل مناطق الغرب الليبي استقبلنا استقبال الأبطال وبحفاوة وبكرم لم نر مثله. ولكن تغير المشهد والمعاملة عند وصولنا لحدود الشرق الليبي عند مدخل مصراتة، حيت تم عزلنا في منطقة صحراوية ومنعت الإنترنت عنا وكذا إمدادات المياه والمؤن وذلك لمدة ثلاثة أيام بالتمام والكمال. ولم نجد أي تجاوب من قبل سلطات الشرق الليبي لتسهيل مطالبنا بالمرور إلى الحدود المصرية وجوبهنا بالتهديدات بالإخلاء بالقوة، وبالرصاص الحي لإرهاب المشاركين في القافلة. لذلك قررنا الانسحاب التكتيكي حفاظا على أرواح المشاركين معنا ومكثنا في زليطن، وقررنا أن لا عودة إلى تونس قبل الإفراج عن باقي المعتقلين المشاركين. ولم تف سلطات الشرق الليبي بوعودها فأفرجت فقط في البداية عن خمسة معتقلين ثم تحت الضغط أفرجت عن باقي المعتقلين المشاركين في القافلة من تونس والجزائر وموريتانيا».
وأضاف: «نحن لسنا طرفا في الصراع الليبي-الليبي ولا ننتصر لطرف ضد طرف، ولو لم يتم إطلاق سراح المعتقلين كنا سندخل في إضراب جوع». وأشار إلى أن تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، التي دعت لهذه القافلة وهي الجهة المنظمة لها في تونس، حذرت من استمرار الهجمة الصهيونية الإعلامية على القافلة ومحاولات الصهاينة التلاعب بالرأي العام، مستغلين الأدوات التي يمتلكونها في عالم الإعلام والميديا، ومستغلين ثغرات حصلت من قبيل «عدم التزام البعض بالتعليمات» وذلك لتوظيف حالة الفوضى وتعطيل مسار القافلة ومشروعها نحو كسر الحصار، من أجل تأجيج صراعات من حولها.
ضغط حقوقي
وانخرطت عديد المنظمات الحقوقية في تونس وخارجها وعديد الأحزاب في حملات للضغط من أجل الإفراج عن المعتقلين. ففي تونس أدان «ائتلاف صمود» ما تعرض له النشطاء في القافلة، ودعا إلى وقفة احتجاجيّة أمام السّفارة اللّيبيّة في تونس. وأكد حسام الحامي الناطق الرسمي باسم الائتلاف (معارض للنظام في تونس) في بيان أنه في إطار التّضامن الدّولي الشعبي من أجل كسر الحصار على غزّة، تشكّلت قافلة الصّمود، وهي تضمّ طيفا واسعا من النّشطاء الحقوقيّين والسّياسيّين من تونس والجزائر وليبيا ومن عدد من الدّول الأخرى، متّجهة نحو معبر رفح مرورا بليبيا ومصر.
وانطلقت القافلة يوم 9 حزيران/يونيو من تونس العاصمة متّجهة نحو معبر رفح، ودخل أعضاؤها ومنظّموها القطر اللّيبي الشّقيق بطريقة قانونيّة عن طريق معبر رأس جدير. إلّا أنّه رغم نبل أهدافها وسموّ الرّسائل الموجّهة للرّأي العامّ والمجتمع الدّولي، فقد تعرّضت القافلة، عند وصولها إلى مدينة سرت، إلى عديد التّضييقات. فقد وقعت محاصرة القافلة من قبل قوّات شرق ليبيا، وتمّ منع الإمدادات عنها، كما تم قطع خدمات الإنترنت في محيطها، وتعرّض عدد من أعضائها إلى العنف المادّي.
وجوبه المشاركون فيها بحملة اعتقالات طالت تونسيّين وجزائريّين وعشرة ليبيين تم إيداعهم في السجون. وهو ما اضطرّ القافلة إلى الخروج من مدينة سرت والتّراجع عن المسار الذي سيمكّنها من الوصول إلى مصر في آجال معقولة تسمح لها بالالتقاء مع بقيّة الفعاليّات المواطنيّة من سائر أقطار العالم.
وأكد ائتلاف صمود- الذي ينتمي إلى التيارات التقدمية المدافعة عن الحقوق والحريات- مساندته المطلقة لقافلة الصّمود باعتبارها فعلا مدنيّا وسلميّا في إطار الحراك الشعبي العالمي لمناصرة القضايا العادلة وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة. وقال إنّ ما قامت به قوّات شرق ليبيا يساهم في إضعاف الضّغط الدّولي وتخفيف وطأته على الكيان الصّهيوني ويدفع نحو مواصلة الحصار والعدوان على غزّة واستهداف الأبرياء. وثمن هبّة الشّعب اللّيبي الشّقيق التّضامنيّة والمساندة مع القافلة ومشاركته فيها ودعمه اللاّمشروط للقضيّة الفلسطينيّة.
واستغرب بيان الائتلاف صمت السّلطات التونسيّة على ما يتعرّض له المواطنون التّونسيّون المشاركون في قافلة الصّمود، من تضييقات واعتداءات واعتقالات. وطالبها بتحمّل مسؤوليّاتها في حماية مواطنيها.
اتحاد الشغل على الخط
وللإشارة فقد أثارت الإيقافات التي طالت عددا من المشاركين في قافلة الصمود لكسر الحصار عن غزة الاتحاد العام التونسي للشغل، فأصدر بيانا عبر فيه عن مساندته ودعمه المباشر لقافلة الصمود منذ «أن كانت فكرة وصولا إلى مرحلتي الاستعداد والانطلاق» على حد تعبيره. واعتبر الاتحاد أن قافلة الصمود نجحت في اختراق الصمت العربي الرسمي وكشفت تخاذل حكوماته أمام حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، واعتبر أن القافلة ستكون منارة للشعوب للتمرد على الاستبداد والظلم والنهوض للدفاع عن حقوقها في التحرر والكرامة ومقاومة المحتل. ودعا الاتحاد من أسماهم «أحرار العرب» لابتكار كل أشكال النضال الجديدة من قوافل الصمود ومسيرات التحرير واعتصامات كسر الحواجز ومقاطعة الكيان المحتل وداعميه من الدول والشركات وغيرها. وكان الاتحاد قد طالب في وقت سابق حكومات تونس والجزائر وليبيا بالتدخل والضغط الدبلوماسي والسياسي لإطلاق سراح المحتجزين من أفراد قافلة الصمود وذلك قبل أن يتم الإفراج عنهم.
كما أصدر الاتحاد بيانا مشتركا مع الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، دعا فيه الأطراف التي حالت دون وصول القافلة إلى مبتغاها إلى تجنيب تحويل الصراع مع الكيان الصهيوني إلى صراع بيني لا ينفع المنطقة وقواها الحية. كما شكرت المنظمات قافلة الصمود المغاربية على ما سموه «انخراطها المبدئي في حركة دعم الشعب الفلسطيني العالمية وتجاوز الخطب والشعارات إلى فعل مؤثر بإمكانه أن يساهم في إحداث تغيير في رؤية شعوب العالم للقضية الفلسطينية على أنقاض دعاية صهيونية استمرّت لعقود». كما شكروا أيضا القافلة على «المساهمة في عزل الكيان الصهيوني الغاصب شعبيا ودبلوماسيا ومؤسساتيا».
ترحيل قسري للوفد المغربي
عثمان أيت عمي عضو الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة ومشارك في القافلة قال: «نحن المغاربة كان بودنا أن نكون ضمن القافلة البرية التي انطلقت من تونس ولكن بسبب مشكلة الحدود بين الجزائر والمغرب لم نتمكن من ذلك، ولجأ المغاربة إلى السفر جوا عبر الطائرة من المغرب إلى مصر حتى تلتقي القافلتان المغربية والتونسية. ولكن لم يتيسر الأمر ومنعت القافلة من اجتياز الحدود الليبية المصرية ومنع النشطاء في القاهرة من اجتياز المطار».
أما عن التذرع بالشروط القانونية للذهاب إلى معبر رفح قال: «لم يكن بالحسبان أن نتعرض لهذا النوع من التضييق، واعتقدنا أن الأمور ستمر بسلاسة وأنه سيتم الترحيب بنا وتوفير جميع الظروف للوصول إلى معبر رفح تماما كما حصل مع اجتياز القافلة البرية للحدود التونسية والشق الأول من ليبيا، لكن ما حصل صدم الجميع وكان نقطة فارقة للمشاركين. فالوقائع على الميدان وما تعرض له المشاركون وبالخصوص في ليبيا من تنكيل وقمع وتحرش وكل أنواع التضييقات يؤكد بأن ذريعة الشروط القانونية مشكوك بها».
وأكد أن الوفد المغربي المشارك تعرض لكل أنواع التضييقات في مطار القاهرة من الاعتقال ثم الترحيل القسري وقد طال البعض منهم تعذيب مادي ولفظي داخل مخافر الأمن المصري. وكان من بين من تعرضوا للمضايقات وفد الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، الذي حُرم أفراده من النوم والطعام لأزيد من 24 ساعة، ومُنعوا من الجلوس لما يزيد عن 12 ساعة متواصلة، فضلاً عن إخضاعهم لتحقيق مهين مصحوب بالضرب، والصعق الكهربائي، والتعنيف الجسدي واللفظي.
واعتبرت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة في بيان لها أن الأجهزة الأمنية المصرية لا تزال تواصل ملاحقة من بقي من المتضامنين على أراضيها، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والمواثيق الدولية. وتابع البيان: «أما «قافلة الصمود البرية»، فقد اضطرت إلى العودة من ليبيا إلى تونس، بعد الإفراج عن المعتقلين من طرف قوات حفتر، لتختم بذلك مسيرتها البطولية التي سطّرت صفحة مشرقة في سجل الدعم الإنساني لأهل غزة.
رسالة غزة وصلت إلى العالم
واعتبرت الهيئة أن المسيرة الدولية لكسر الحصار قد نجحت في مهمتها، حتى وإن لم تصل إلى معبر رفح. لقد نجحت لأنها أدّت الواجب، وبلّغت رسالة غزة إلى العالم، وفضحت طبيعة الحصار الصهيوني المفروض على أهلها، وكشفت من خذلوهم أو تواطأوا في تجويعهم، ونجحت لأنها انتصرت للضمير الإنساني والواجب الأخلاقي.
ونوهت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة بكل المشاركين في هذه المبادرات الإنسانية، سواء عبر المسارات البرية أو الجوية أو البحرية، والذين تحركهم بوصلة الضمير الإنساني، ولا يترددون في ابتكار كل أشكال الدعم الممكنة لنصرة غزة المحاصَرة، حيث يُقتل الأبرياء جوعًا وبؤسًا وسط صمت دولي مريب. ونددت بكل الجهات الرسمية التي ساهمت في منع القافلة من تحقيق أهدافها الإنسانية، في تنكُّر سافر لواجب الدم والعروبة والدين والإنسانية.
وعبرت الهيئة عن إدانتها القوية للسلطات المصرية على ما ارتكبته من انتهاكات جسيمة وتعذيب ممنهج في حق أفراد الوفد المغربي، وذلك في خرق صارخ لكل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ناهيك عن التنكيل الذي تعرّض له جميع المشاركين على يد البلطجية المسخّرين.
وأعربت عن التقدير الكبير لمشاركة المغاربة، سواء في القاهرة أو ضمن قافلة الصمود البرية المنطلقة من تونس، ونوهت بصمودهم وسلوكهم المسؤول، وبما مثّلوه من حضور مشرّف يعكس تطلعات آلاف المغاربة الذين تمنّوا لو كانوا جزءًا من هذه القافلة.
ورغم كل التضييقات وموجة الشيطنة التي طالت القافلة والمناصرين لها حتى من عالم الفن على غرار الفنانة التونسية الأصل هند صبري والتي وصلت الحملة ضدها إلى حد مطالبة البعض بترحيلها وسحب الجنسية المصرية عنها، فإن المشاركين في القافلة والنشطاء من كل التوجهات جددوا التزامهم بمواصلة النضال لكشف جرائم الاحتلال وكسر الحصار عن غزة ودعم صمود الشعب الفلسطيني.
«القدس العربي»: