منوعات

«النبيذ وفلسطين: تاريخ آلاف السنين» عودة للإنسان العاقل الذي جاء فلسطين قبل 200 ألف سنة ناصر السومي: كتبت في تاريخ فلسطين ونبيذها في الألف الرابع ق.م. ونبيذ غزّة وصل إلى بوردو

«النبيذ وفلسطين: تاريخ آلاف السنين» عودة للإنسان العاقل الذي جاء فلسطين قبل 200 ألف سنة ناصر السومي: كتبت في تاريخ فلسطين ونبيذها في الألف الرابع ق.م. ونبيذ غزّة وصل إلى بوردو

زهرة مرعي

بيروت ـ

جاء إلى بيروت ووقع كتابه «النبيذ وفلسطين: تاريخ آلاف السنين». دعوة الفنان التشكيلي الفلسطيني ناصر السومي لتوقيع جديده مثيرة للاهتمام، والسؤال. فلسطين والنبيذ في هذه اللحظة التاريخية؟ الحوار معه بدّد التساؤلات. فناصر السومي كما كل فلسطيني قادر على التعبير، لا يتوانى عن البحث ليؤكد أن وطنه من البحر إلى النهر، لم يكن يوماً إلاّ لأهله. والمؤرخون الرومان حتى العام 63 قبل الميلاد يؤكدون ذلك.
كتب ناصر السومي عن النبيذ وفلسطين، وقبله عن الزيتون وفلسطين، ومن خلالهما عن حضارة وطنه الذي احتلته الصهيونية العالمية. احتلال قام على التزوير والكذب والمجازر، ولا يزال.
مع الفنان ناصر السومي هذا الحوار:
○ «النبيذ وفلسطين» كتابك الصادر عن دار النشر الفرنسية المنار يتزامن مع دماء لوّنت بحر غزّة. لماذا؟
• سبق «النبيذ وفلسطين: تاريخ آلاف السنين» كتاب بعنوان «فلسطين وشجرة الزيتون: تاريخ من الشغف» صدر بالفرنسية سنة 2010، وبالعربية سنة 2011. اهتمامي بالتاريخ والآثار يعود لأيام الشباب، وحوله قرأت الكثير. في التاريخ القديم نلمس ترابط الزيتون والكرمة معاً، وفي ذات الفترة الزمنية. شخصياً أنتجت النبيذ بعمر 14 سنة. تجربة نفّذتها برفقة زميل دراسة وكنّا معاً نجهل أمور النبيذ، ونجحنا. والدي كان ملاّكاً في فلسطين، وفي هضبة الجولان السورية في كفرحارب على كتف بحيرة طبريا، حيث أجمل المناظر على الإطلاق. في صغري حلمت بأن أزرع حصتي من هذه الأرض بالكرمة، إلى جانب تربية الخيول والكلاب. أحلام تبددت مع احتلال الجولان سنة 1967. سافرت إلى فرنسا وتعرّفت أكثر إلى النبيذ تذوقاً ومعلومات وتصنيعاً. ولاح لي طموح بإعداد كتاب عن النبيذ في العالم. فكل مواطن أوروبي يرى النبيذ ولد في بلده. وكوني اهتم بعلم الآثار والتاريخ وجدت أن أقدم إنتاج للنبيذ في العالم كان في فلسطين. ومنها استوردت مصر الزيت والخمر بدءاً من الألف الرابع قبل الميلاد. وإعداد كتاب حول النبيذ في العالم سيؤدي لأن يأخذ كل مكانه على هذا الكوكب. إنما كتاب عن النبيذ في فلسطين أخذ صفة العجلة لسببين. الأول تناوله لدور بلاد الشام أي سوريا، وفلسطين، ولبنان في إنتاجه. والثاني أن عدداً كبيراً من الفلسطينيين عادوا لتعزيز زراعة الكرمة وإنتاج النبيذ مجدداً. وهؤلاء يغطون كامل فلسطين.
○ وكيف بدأت تخط مراحل الكتاب؟
• سنة 2005 طلب مني البنك العربي الإشراف على تحويل مقرّه في القدس إلى غاليري للفنون. فُتح الباب المُقفل منذ حزيران/يونيو سنة 1967. تعاونت مع المهندس المعماري باسم خوري الذي أشرف على مشروع بينت لحم 2000، أعاد تأهيل المدينة بكافة بُناها، من ترميم الأبنية والطرق وسواها. وعبره تعرّفت إلى ابنه المعماري المتخرّج حديثاً من الولايات المتحدة سري خوري. رفضت دولة الاحتلال منح ترخيصٍ للغاليري، واقفل المقر الرئيسي للبنك العربي مجدداً وما زال. صداقتي توطدت بسري، وتوطدت أكثر عندما انتقل للعمل في فرنسا، وبات يزورني وكنّا نتذوق النبيذ معاً. وعرّفته إلى سردية وتاريخ فلسطين مع النبيذ، وتصنيعه من عنب محلّي. وبعد حوالي سبع سنوات من معرفتنا، أعلن سري خوري رغبته بتحقيق حُلُمي بتصنيع نبيذ فلسطيني. صديقي خبير صناعة النبيذ باسكال فريسان، سبق وأعلن استعداده لتمويل مشروع إنتاج النبيذ في فلسطين، وفعل.
○ أنت شغوف بالكتابة عن وطنك وتاريخه. فماذا عن فريسان؟
• هو مناضل ومؤيد قديم للقضية الفلسطينية. عرفته في ثمانينيات القرن الماضي، وعرّفته إلى سري خوري. وتعلّم سري صناعة النبيذ على يده، ليتمكن من تأسيس المشروع في فلسطين. وبعودته إلى بيت لحم اكتشف أن قرية بيت جالا القريبة جداً تمتاز بكروم العنب الواسعة، ومنذ زمن بعيد. وهكذا بدأنا تصنيع النبيذ من عنب فلسطين ويضمّ حوالي 20 نوعاً. وفي بيت لحم بدأ سري خوري تجاربه، وكنت أزوره في فلسطين حوالي ثلاث مرّات سنوياً، وأشاركه في تركيب النبيذ أحياناً. وحقق المشروع نجاحاً كبيراً جداً.
○ ترافق مشروع إنتاج النبيذ مع العمل على متابعة إنجاز الكتاب عن نبيذ فلسطين؟
• إنتاج النبيذ في بيت لحم دخل عامه الـ12، وهو يُصدّر إلى كافة أنحاء العالم. وخلال زياراتي لفلسطين ولمهمات شتى، زرت كافة صانعي النبيذ فيها. وقبل اقفال الحدود بسبب كوفيد سنة 2020 بيوم واحد غادرت الأردن إلى فرنسا، وبدأت تُلح فكرة إنجاز كتاب عن النبيذ في فلسطين. وأنجز الكتاب بالفرنسية بعنوان «النبيذ وفلسطين: تاريخ آلاف السنين»، ويتألف من عمودين. أحدها تاريخ فلسطين، والآخر تاريخ النبيذ في فلسطين. في تاريخ فلسطين كتبت عن وجود الإنسان فيها لأول مرة بعد وجوده في أفريقيا. يُعرف أن الإنسان في أفريقيا ولد قبل حوالي سبعة ملايين سنة، وأندثر هناك دون أن يغادرها. وبعده ولدت أشكال متعددة من البشر. والإنسان الوحيد الذي غادر أفريقيا يُسمّى «أريكتوس» أي الإنسان المنتصب، وصل إلى فلسطين قبل مليونين و400 ألف سنة. وعاش فيها لزمن طويل، ومنها إرتحل إلى كافة أرجاء العالم. وبعد «أريكتوس» جاء الإنسان العاقل، والذي وجدت آثاره في أفريقيا قبل 300 ألف سنة، وأتى إلى فلسطين قبل 200 ألف سنة. وهذا الإنسان بدأ قبل 130 ألف سنة دفن موتاه، وبات يعتقد بالعالم الآخر. وأول مكان في العالم بدأ فيه الدين هو فلسطين، وفي شمالها خاصة. وهذا الإنسان العاقل رحل من فلسطين إلى كل العالم، ارتحال طال كثيراً، ووصل إلى أوروبا قبل حوالي 40 ألف سنة.
○ وماذا عن الحضارة الناطوفية التي يتناولها الكتاب؟
• إنها المرحلة الثالثة من تاريخ فلسطين. وهو اسم وادٍ يقع شمال غربي القدس على مسافة 15 كلم، ويُعرف بوادي الناطوف، وفيه تقع مغارة شُقْبة، وجد داخلها وخارجها أدوات زراعية كالمناجل. زرت المغارة وجدتها تُشبه كاتدرائية ضخمة جداً، تعلوها فُتحة يتسلل منها الضوء بمشهد رائع الجمال. إذاً انتقال الإنسان من مرحلة جمع الغذاء عبر الصيد إلى الزراعة، كان في فلسطين، والشاهد على ذلك مدينة أريحا وهي الأقدم في العالم. ففي الألف السابع قبل الميلاد كانت مدينة متطورة وفيها أقنية ري، وتنظيم معماري، واجتماعي – سياسي. أتحدث عن الحضارة الناطوفية لكونها دجّنت النباتات الثلاثة المقدّسة، القمح والزيتون والكرمة. أقْدم أثر للزيت وجد في الألف السادس قبل الميلاد، والنبيذ في الألف الرابع.
○ بماذا أمدّك الربط بين تطور حياة الإنسان والنبيذ في إنجاز هذا الكتاب؟
• هو تسلسل منطقي، حيث التطور الإنساني بدأ من فلسطين وفي كافة مراحله. وتالياً من الطبيعي أن تكون اختراعات كثيرة قد بدأت في فلسطين، ومنها صناعة الفخّار في أريحا. وحينها كان الفخّار مشابهاً لثورة المعلوماتية الآن، وبات للناس قدرة الطهي وحفظ الغذاء.
○ من الواضح أن كل فلسطيني قادر على إنجاز كتاب يحكي عن وطنه المُحتل لا يتوانى. فماذا عنك إلى جانب كونك فناناً تشكيلياً؟
• سبق وذكرت كتاب الزيتون وهو الأكثر اكتمالا. الأمر الصعب في إيجاد فلسطيني يُنجز كتاباً عن النبيذ، ولن يفعل ذلك سواي. كتاب النبيذ احتاج لكم هائل من المعلومات. أنا فنان تشكيلي، لكن اهتمامي بالآثار والتاريخ وخاصة في فلسطين، أدى لأن تكون بحوزتي كمية هائلة من المعلومات، جمعتها وباتت تخدم روايتنا كفلسطينيين عن وطننا، رواية تمسح بالكامل الرواية الصهونية المضادة، والتي جاء قسم كبير منها من «العهد القديم»، ونقضها تماماً علم الآثار، وخاصة كاتلين كينيون عالمة الآثار و«رئيسة قسم الدراسات التوراتية في انكلترا».
○ كتاب عن تاريخ النبيذ في فلسطين يعتمد البحث التاريخي ويُعتبر مشروعاً بحد ذاته يحتاج لجهد مؤسسة. هل حصلت على دعم؟
• في كتابي الأول عن الزيتون لبى صديقي اسماعيل دعيق، وكان رئيساً للإغاثة الزراعية طلب دار النشر بشراء جزء من الكتاب، للمباشرة بطباعته. ويتألف الكتاب من 146 صفحة، وما لا يقلّ عن 45 صورة.
○ نحتاج دائماً لأن نعلن سرديتنا عن فلسطين فأين يقع كتاب النبيذ وفلسطين ضمن هذا الهدف؟
• العالم الإسرائيلي ازرائيل فلكنشتاين دحض الرواية التوراتية. وقال العالم زئيف هرتزوغ إن اليهود وموسى لم يكنوا في مصر ولم يخرجوا منها، وما يروجه العهد القديم مُختلق. وأكدت عالمة الآثار كاتلين كينيون بعد أبحاث أن القدس لم تكن عاصمة لداوود وسليمان. وهي نقّبت في فلسطين في بدايات ستينيات القرن الماضي، وأكدت بأن اليهود لم يغزوا أريحا كما ورد في التوراة. وقال عالم الآثار هرتزوغ من الصعب جداً على الإسرائيليين أن يقبلوا بأن سليمان واليهود لم يكن لهم وجود لا في القدس ولا في فلسطين. شخصياً اشتريت كتاباً ضخماً من إنتاج المتحف الإسرائيلي، وفيه لم أجد تاريخاً لحضارة يهودية في فلسطين.
○ وكيف تحدّثت عن الوجود اليهودي في فلسطين في كتاب النبيذ؟
• ذكرت أنهم جاؤوا من الجزيرة العربية. وسكنوا الصحراء في أقصى جنوب فلسطين، ولم يكن لهم تواصل مع آخرين، ومع مجيء هيرودوس «أبو التاريخ اليوناني» في القرن الخامس قبل الميلاد إلى سوريا، بهدف إنجاز كتاب عن تاريخ الأديان في سوريا، دوّن أنه وصل إلى جنوب سوريا المسماة فلسطين. وأتى المؤرخ الروماني اريستوت في القرن الرابع قبل الميلاد، ولم ير يهوداً. وبعده المؤرخ الروماني تيوفراست في القرن الرابع قبل الميلاد لم يذكر وجوداً لهم. وقد ذكرهم مؤرخ روماني في القرن الثالث قبل الميلاد، حيث بدأوا بالظهور بعد موت الكسندر الكبير والذي لم يكن له ورثة. وعندها حكم البطالمة مصر، والسلوقيون سوريا وصولاً إلى إيران. صحراء جنوب فلسطين شكّلت نقطة التماس بين المملكتين، ومن هنا بدأ ظهور اليهود وبدأوا يلعبون دوراً. احتلوا مزيداً من المواقع وفرضوا التهوّد على السكان. وصلوا إلى الجليل قبل الميلاد بـ 100. وسنة 63 قبل الميلاد أتى الرومان، الذين درسوا التاريخ قبل أربعة قرون، وقالوا لليهود ليس مكانكم هنا، وطردوهم من شمال فلسطين باتجاه الجنوب. وكانت صدمتهم الأولى لفشلهم بتحقيق مشروعهم السياسي بإنشاء دولة.
○ الرسم والألوان حرفتك الأساسية كيف تنعكس على كتبك؟
• ثمة هوايات تعود للطفولة ولا يتأثر بها أو يؤثر فيها الرسم كما شغفي بالخيل. ومنذ طفولتي أنحزت للزراعة العضوية، وباتت حالياً «ع الموضة». ولم آكل أي خضار وصلتها الكيميائيات. ولي حوالي 60 مقالاً عن النباتات والأعشاب الطبية. إذاً اهتماماتي خارج الفن متعددة ومنها علم الفلك.
○ هل تساندك هذه المعرفة في الرسم مثلاً؟
• سعة المعرفة والثقافة تساعد في كيفية بناء أي عمل سواء كان فنياً أو كتاباً عن الزيتون أو النبيذ. كتابي المقبل عن السيد المسيح. أعد له منذ أكثر من 25 سنة. ليس ديني بل تحديداً لهويته، ومن أين اتى؟ معلومات غير واردة في العهد الجديد.
«غزة الحضارة
ونتنياهو الهمجية»

في سؤالك الأول ذكرت غزّة الغارقة في دمائها. وهنا استعيد ما قاله نتنياهو عندما أطلق عدوانه على غزّة «إنها حرب الحضارة على الهمجية». بدراسة التاريخ يتأكد لنا بأنها حرب الهمجية على الحضارة. غزّة بين القرن الثالث والسابع بعد الميلاد كانت من أشهر البلدان المصدّرة للنبيذ في العالم. وكان نبيذها الأجود في العالم. وكان الأباطرة الرومان لا يسمحون باستيراد أي نبيذ إلى امبراطوريتهم باستثناء نبيذ غزة وعسقلان. وقال المؤرخ الفرنسي غريغوار لوتور بأن تجار غزة كانوا يبيعون النبيذ في مدينة بوردو في القرن الخامس بعد الميلاد. وهذا ما يُطلعنا على أهمية غزّة في صناعة النبيذ في العالم. خاصة وأن علماء الآثار وجدوا مدينة كاملة بين غزّة ويافا مختصّة بصناعة جرار النبيذ. وفي هذه المدينة وجد ناديان للرياضة البدنية، و20 مسبحاً. وقبل سنة ونصف بالتحديد تم اكتشاف أكبر أمكنة فلسطين لصناعة النبيذ وتقع بين غزّة ويافا. وبلغت طاقته الإنتاجية 3ملايين زجاجة نبيذ. إذاً للحضارة والهمجية رؤيتها الواضحة والسهلة ومن هذا المنظار.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب