رئيسيالافتتاحيه

السعودية وباكستان… ميثاق دفاع مشترك يعيد رسم خرائط القوة

السعودية وباكستان… ميثاق دفاع مشترك يعيد رسم خرائط القوة

بقلم رئيس التحرير 

توقيع السعودية وباكستان ميثاق الدفاع المشترك، كما نقلت وكالة رويترز، لا يمكن النظر إليه كمجرد اتفاق ثنائي عابر، بل هو خطوة استراتيجية تعيد رسم خرائط القوة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وتفتح الباب أمام تحالفات جديدة تنهي مرحلة التفرد الأمريكي – الإسرائيلي. الميثاق الذي ينص على أن أي عدوان على إحدى الدولتين يُعد عدوانًا على الأخرى، جاء في لحظة إقليمية بالغة الحساسية بعد العدوان الإسرائيلي على قطر، وما كشفه من هشاشة المنظومة الأمنية التقليدية في المنطقة.

السعودية وباكستان… التقاء الضرورات وتكامل الأدوار

السعودية، بثقلها السياسي والاقتصادي والديني، وجدت نفسها بحاجة إلى مظلة ردع تتجاوز حدود التفوق التقليدي، فيما باكستان، الدولة الإسلامية النووية الوحيدة، تملك ما يمنح هذا الردع قوته ومصداقيته. الالتقاء بين الرياض وإسلام آباد يعكس قراءة عميقة لمعادلات القوة؛ السعودية توفر الغطاء السياسي والدعم المالي والبعد العربي – الإسلامي، فيما توفر باكستان الخبرة العسكرية والقدرة النووية، ليشكلا معًا محورًا جديدًا في معادلة الأمن الإقليمي.

الرؤية الاستراتيجية لمحمد بن سلمان

لا يمكن إغفال أن هذه الخطوة تحمل بصمات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي أثبت أنه يتعامل مع المتغيرات الدولية بجرأة تتجاوز القوالب التقليدية. الرؤية السعودية الجديدة لا تقتصر على إصلاحات اقتصادية واجتماعية داخلية، بل تمتد إلى صياغة سياسة خارجية أكثر استقلالية عن الهيمنة الأمريكية، وأكثر قدرة على بناء تحالفات متوازنة. توقيع الميثاق مع باكستان يمثل خطوة متقدمة وواعية في مشروع إعادة تموضع السعودية كلاعب إقليمي مركزي قادر على صناعة التوازنات بدلًا من الاكتفاء برد الفعل.

المقارنة التاريخية… دروس الماضي وحاضر مختلف

الميثاق الدفاعي يعيد إلى الأذهان محاولات سابقة لبناء منظومات أمنية جماعية. ففي الخمسينيات حاول الغرب إنشاء “منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط” (MEDO) لاحتواء الاتحاد السوفيتي، لكنها فشلت بسبب افتقارها للشرعية الإقليمية واعتمادها على النفوذ الأجنبي. وعلى النقيض، نجح حلف وارسو الذي أنشأه الاتحاد السوفيتي عام 1955 في أن يكون مظلة ردع فعّالة لأنه تأسس على إدراك جماعي بضرورة مواجهة التهديد الغربي.

اليوم، يبدو أن ميثاق السعودية وباكستان يتجاوز إخفاقات الماضي لأنه ينطلق من إرادة إقليمية مستقلة، ويستند إلى قوة نووية قائمة بالفعل، ويملك قاعدة سياسية واقتصادية ودينية تمنحه بعدًا استراتيجيًا يتجاوز حدود الجغرافيا.

الصين كفاعل صاعد

لا يقل أهمية أن الميثاق يفتح الباب أمام دور صيني غير مباشر في معادلة الردع الجديدة. فالعلاقة الاستراتيجية بين الصين وباكستان، والشراكة المتنامية بين الصين والسعودية، تجعل بكين شريكًا غير معلن في هذه المعادلة، الأمر الذي يضع الولايات المتحدة وإسرائيل أمام تحدٍّ حقيقي لمعادلة التفرد والسيطرة.

خلاصة

الميثاق الدفاعي بين السعودية وباكستان ليس مجرد اتفاقية عسكرية، بل إعلان عن بداية مرحلة جديدة في التوازنات الإقليمية والدولية. إنه خطوة جريئة وواعية من القيادة السعودية، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، لتجاوز القيود التقليدية وبناء منظومة ردع مستقلة تعيد للعالم العربي والإسلامي موقعه كقوة فاعلة في رسم السياسات الدولية. وإذا ما انضمت دول أخرى إلى هذا الميثاق، فإننا قد نكون أمام نواة لتحالف دفاعي إسلامي – آسيوي قادر على كسر احتكار القوة، ووضع حد لمرحلة الهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب