مقالات

الإنسان في مواجهة التوحُّش

الإنسان في مواجهة التوحُّش

رودولف القارح

باختصار، وبعد الجريمة الأميركية، كلمة واحدة ما برحنا نقولها، وبشديد الاختصار:
أولاً، المدعو ترامب والمدعو نتانياهو / «ميكولوفسكي»، هما وجهان لعملة واحدة،
ونقطة على آخر سطر الفذلكات والتذاكي.

ثانياً، الكيان الكولونيالي الجاثم على أرض فلسطين رأس حربة الغرب الجماعي العائد إلى شياطينه، والباقي تفاصيل تافهة.
ثالثاً، دخلت البشرية مرحلة تاريخية جديدة توازي بإجرامها وخطورتها جريمة هيروشيما وناغازاكي.
رابعاً، سقط القناع نهائياً عن أنظمة الغرب الأطلسي الجماعي (مع تفاقم صراعاتها البنيوية وانحلالاتها الأخلاقية واتساع شروخها الداخلية)، كما سقطت نهائياً السرديات التي بنت عليها «تفوقها» المزعوم، وجميع أكاذيبها حول «الإنسان وحقوقه».

الخط الفاصل بين الإنسان والإنسانية، والوحش والتوحّش، بات يمرُّ بين الغرب الجماعي هذا، وأنماطه الاقتصادية-الاجتماعية السائدة، وباقي العالم. نعم، عدنا، وبكل فجاجة، إلى مقولات «الالتواءات الانحرافية» الغربية التي تدّعي تفوّق أوروبا/أميركا على باقي العالم.
أريد أن أذكّر هنا، وخلافاً لسرديات سطحية وساذجة، أنّ خيطاً غليظاً يربط بين نظرية «مانيفست دستني» (القدر الإلهي المحتوم لأميركا، قدر قيادتها مستقبل العالم، والمسجّل في «العهد القديم»، كذا) التي خرجت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعد الحرب الأهلية الأميركية والتي حكمت جميع سياسات واشنطن منذ ذلك الوقت، وشعار «ماغا» الترامبي، كما نظريات البريطاني روبرت كوبر مستشار اللعين المنافق توني بلير، مهندس أكاذيب غزو العراق، المنظّر الحديث لمقولة «حاجة العالم إلى إمبريالية جديدة» (كذا)، كل ذلك معطوفاً وممزوجاً (وممجوجاً) بخرافة «شعب الله المختار» الغنية عن تعريف.

كلا، ليس من الممكن أن يستمرّ العالم ومستقبل البشرية تحت هذه المظلّات الشيطانية المدمّرة.
كلا، ليس من الممكن أن ينبني مستقبل البشرية على قاعدة أنّ الأكثرية الساحقة من البشر في خدمة أقلّية ضئيلة متحكّمة، بحُجّة «تفوّقها» المزعوم، في مفاصل المستقبل البشري.

خامساً، وبكل صراحة وبساطة، ساحة المواجهة بين الحق والباطل تمتدّ اليوم وفي هذه اللحظة، من فلسطين إلى إيران. ولا مجال للحياد أبداً. إمّا أن تقاوم الوحش الصهيوأميركي وإمّا أن تكون إلى جانبه، فاعلاً أو خادماً، أو مستسلماً. لم يعد هناك مجال للمساحات الرمادية النتنة.

كلمة إضافية:
الفارق بين إيران والكيان الكولونيالي الصهيوني، هو الفارق بين الخرافة الجاثمة على أرض فلسطين والمُسقطة ـــ اصطناعياً ـــ على أرضها، تبحث من دون جدوى عن «جذور» وهمية لا مشروعية لها، محاوِلة فرض أكاذيبها بعنف الأمر الواقع، وبين «حضارة تاريخية» تتجسّد اليوم في صيغة كيان قومي اسمه إيران نجح في استيعاب جميع مراحل تكوينه وصيرورته عبر التاريخ جاعلاً منها ركيزته البنيوية المركبة والمُنصهرة، وأساس مشروعيته عبر الزمن.

كلمة أخرى وليست الأخيرة:
كاتب هذه الكلمات عاش مرحلة المفاوضات تحت النار، بين المقاومين الفيتناميين والوحش الأميركي نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن المنصرم في باريس؛ مرّ الرئيس الكوبي فيدل كاسترو يومها في العاصمة الفرنسية، وفي مؤتمر صحافي له سأله أحد الصحافيين، وكانت يومها المواجهة مع الغزاة اليانكيز على أشدّها: «من سينتصر في رأيك؟»

إليكم الجواب: «أرشدوني إلى حالة واحدة على مرّ التاريخ تمكّنت فيها مجموعة تقنيات الانتصار على حضارة».
* أستاذ جامعي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب