إسرائيل أوّلًا

إسرائيل أوّلًا
رامي منصور
يريد نتنياهو ومعه إسرائيل توريط أميركا عسكريًّا في المنطقة، لأنه يعزّز مكانة إسرائيل لدى الولايات المتحدة، بعدما أحسّت وكأن ترامب يتخلى عنها بعد زيارته الأخيرة للمنطقة وتجنب زيارة تل أبيب…
بدا خطاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فجر اليوم الأحد، بعد قصف المنشآت النووية الإيرانية كأنه كتب بيد الوزير الإسرائيلي رون ديرمر، ومن خلفه بنيامين نتنياهو. يتبنى الدعاية الإسرائيلية تجاه إيران بشكل حرفي، يشكر نتنياهو، ثم يشكر الجيش الإسرائيلي. كان ينقصه أن يلبس قبعة كُتِب عليها “النصر المطلق”، شعار نتنياهو، بدلًا من شعار “ماغا” – لنجعل أميركا عظيمة مجدّدًا. وبدلًا من شعار “أميركا أوّلًا”، صار شعاره “إسرائيل أوّلًا”.
والرجل “ما في قلبه على لسانه”. يصرّح ويهدّد بشكل مباشر وبفظاظة، لا رسائل بين السطور في حديثه. واضح ومباشر وسطحي. إمّا أن تستسلم إيران أو أن تتوقّع المزيد من الضربات.
لكن رغم ذلك، يسارع مسؤولون أميركيون إلى التصريح بأن الضربة ضد إيران ليست إعلان حرب، بل عملية محددة ومحدودة، مثل عملية اغتيال بن لادن، أو اغتيال قاسم سليماني. قصفت الطائرات الأميركية المنشآت النووية وغادرت فورًا المنطقة، ولم تنطلق من المنطقة، بل من الولايات المتحدة؛ أي إنها غارة وانتهت.
الاحتفالات في إسرائيل الليلة الماضية كانت كبيرة، ليس بسبب ضرب المنشآت النووية فحسب، وتحديدًا منشأة فوردو، بل بدخول ترامب الحرب أساسًا. فإذا اعتبرت ألمانيا أن إسرائيل تقوم بالمهمة القذرة ضد إيران نيابة عن الغرب، فإن أميركا تقوم بالمهمة ذاتها نيابة عن إسرائيل.
يريد نتنياهو ومعه إسرائيل توريط أميركا عسكريًّا في المنطقة، لأنه يعزّز مكانة إسرائيل لدى الولايات المتحدة، بعدما أحسّت وكأن ترامب يتخلى عنها بعد زيارته الأخيرة للمنطقة وتجنب زيارة تل أبيب. ويريد نتنياهو إبقاء واشنطن في “حالة ذعر” أو هلع أو قلق مزمن تجاه أمن إسرائيل، كأن وجودها في خطر داهم ودائم.
وهذا “الخطر الداهم والدائم” سيكون مبرّرًا لإسرائيل لاستباحة الأجواء الإيرانية بشكل متواصل كلما شاءت، تمامًا كما الأجواء اللبنانية والسورية. ويصرّحون بأن الغارات الجوية لن تتوقف بعد انتهاء الحرب الحالية.
يسارع الإيرانيون إلى الإعلان عن أن اليورانيوم في مأمن ولم يطله القصف الأميركي. نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بدرجة 60 في المئة في مكان مجهول، إلى جانب صناعة الصواريخ البالستية ستظل مبرّرًا لنتنياهو ومن ثم ترامب لاستهداف إيران المستمرّ، إلّا إذا وافقت إيران تحت سيف ترامب على اتّفاق جديد حول مصير هذا اليورانيوم.
المشروع النووي هو درجة التاج بنظر حكام طهران، واستهدافه الأميركي يضع إيران في وضع صعب ومعقد. إن ردّت باستهداف المصالح الأميركية فهي تقامر بردّ أميركي أقصى. وإن احتوته فهي تخاطر بشرعيتها داخليًّا وخارجيًّا. تعلن إيران أنها تفضّل المسار السياسي. لكن ترامب أيضًا يقامر ويصرّ على المساس بكرامتها، مرة بقصف درة التاج، ومرة بمطالبتها الاستسلام. قد “ترضخ” إيران جزئيًّا ومؤقّتًا حتى تتجاوز ولاية ترامب ويمرّ الطوفان. لكن المؤكد وفق تصريحاتهم بأنهم سيردون.
الاحتفالات في إسرائيل يجب ألا تُفرح العرب المعادين لإيران؛ فنتنياهو لا يريد سلامًا ولا صلحًا مع العرب، بل يريد منهم الاستسلام والتسليم بقيادته للمنطقة والتفوق الإسرائيلي، ملوّحًا بما يراه نصرًا سياسيًّا وعسكريًّا تاريخيًّا على إيران، ويواصل زعزعة إيران من الداخل وصولًا لتفتيتها، تمامًا كما يريد تفتيت سورية ولبنان. هذه ليست رغبة نتنياهو فقط، هذه إستراتيجية الدولة تاريخيًّا، على أنها القومية الحديثة والتاريخية والوحيدة في المنطقة، والباقي قبائل وملل.
طول الحرب يستنزف الآلة العسكرية الإسرائيلية؛ فشنّ عشرات الغارات يوميًّا على بعد 1500 كيلومتر ليس أمرًا سهلا، ويستنزف حتى الموارد البشرية العسكرية، حتى وإن شارك طيارون أميركيون في التصدي للمسيرات الإيرانيّة كما أعلن نتنياهو. ورغم ذلك، واضح أنّها عازمة على التخلص من النووي الإيراني ولو لسنوات، والقضاء على صناعة الصواريخ البالستية، كما يصرحون. كم من الوقت يحتاجون؟ ترامب يمنحهم الوقت اللازم. إنها معركة منتصرة بالنسبة إليه، هي الإنجاز الوحيد مع فشله في أوكرانيا والحرب الاقتصادية مع الصين، وفي ملفات أخرى تعهد بحلها السريع خلال شهور.
يعد ترامب إيران بمصير تراجيدي إذا لم تستلم، أشدّ تراجيدية من الأيام الماضية، كما قال. التراجيديا هي أن أميركا دمرت العراق بأكاذيب عن أسلحة دمار شامل، وهي تفعل الشيء ذاته تجاه إيران. ولا فاعل مؤثر في المنطقة سوى إسرائيل. أردوغان – صديق ترامب – يكتفي بإطلاق تصريحات نارية، والعرب يدينون ويستنكرون، وبات دورنا أن “نسولف” عمّا يجري، ونشاهد الأخبار ونستمع إلى التحليلات.
لن يبقى مصير المنطقة محكومًا بالهيمنة الإسرائيلية؛ ففي نهاية المطاف، كل هذه القوة والغطرسة الإسرائيلية محكومة ومرهونة بالدعم الأميركي المفتوح، ولم تكن إسرائيل لتتمكّن من فعل ما فعلته، دون التعاون مع أميركا ودعمها.
أعلن ترامب نجاح العملية التي رفضها من سبقوه في الرئاسة، “انتصار غير مسبوق”، وحقّق نتنياهو ما يريده بجرّ أميركا إلى الحرب وضرب النووي. “نصر تاريخي” بتعبير الإسرائيليين، وحمت إيران اليورانيوم كما أعلنت، “انتصار” بفشل أهداف العدوان، لكن تبقى حاجتها ماسّة لردّ كرامتها، بصاع وليس صاعين. ولكن إسرائيل، كما يقولون، تعرف كيف تبدأ الحروب، لا كيف تنهيها، وما تراه ضعفًا إيرانيًّا غير متوقّع يغريها بالمزيد من الضربات تجاه إيران.