تشكيك غربي في «إنجازات» الحرب: إيران قادرة على الترميم

تشكيك غربي في «إنجازات» الحرب: إيران قادرة على الترميم
تتّخذ مواقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوماً بعد يوم، طابعاً «أكثر فكاهية»، وتصبح أكثر بعداً عن الواقع، بشكل يهدف على الأرجح إلى إخفاء النتائج العملية لحروب إسرائيل المستمرة في المنطقة، وآخرها مع إيران؛ إذ إنه رغم إعلان الرئيس الأميركي أنّ «وقف إطلاق النار» الأخير سيشمل طهران أولاً قبل تل أبيب، فإنّ وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أكّد أنه «لن يكون هناك وقف للأعمال العدائية ما لم توقف إسرائيل هجماتها»، وهو ما انعكس في استمرار إيران في استهداف الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى «اللحظة الأخيرة».
وعليه، وضع مراقبون التصريحات الأميركية، لا سيّما تلك التي بثّها ترامب عبر منصّته «تروث سوشال»، في خانة «التسويق الوهمي» لانتصار إسرائيلي، كانت أبرز شروطه، في البداية، «إسقاط النظام الإيراني»، «والقضاء» على برنامج طهران النووي. وفي حين بدا التماسك الإيراني، وقدرة السلطات الإيرانية على امتصاص العدوان الإسرائيلي الأوّلي على البلاد وعدد من قياداتها واضحَين، فإنّ العديد من المراقبين في الغرب، يجادلون بأنّ الهدف الثاني حتى، والمتمثّل بـ«شل» قدرة إيران على صنع سلاح نووي، لم يتحقّق سوى في منشورات ترامب وتصريحات بنيامين نتنياهو، مشيرين إلى أنّ ثبات طهران وخروجها من الحرب بالنتائج الحالية، سيجعلانها حتى أكثر حزماً في حماية برنامجها، وربما التسريع في «امتلاك سلاح نووي».
وفي هذا السياق، أشارت مجلة «تايم» الأميركية إلى أنه في حين أدّت الضربات الأميركية والإسرائيلية إلى «تعطيل» عمليات التخصيب الإيرانية، فإنّ طهران لا تزال تحتفظ بالخبرة العلمية والمواد المخزّنة، وباتت تمتلك، حالياً، حافزاً أقوى لدفن برنامجها بشكل «أعمق» تحت الأرض. ونقلت المجلة عن أليكس فاتانكا، من «معهد الشرق الأوسط»، قوله إنه «إذا نجت إيران من الصراع، فقد تخلُص إلى أنّ السلاح النووي هو السبيل الوحيد للردع».
أما صحيفة «واشنطن بوست» فنشرت، أمس، تقريراً جاء فيه أنّ مسؤولي الدفاع والخبراء النوويين لا يزالون يحاولون، حتى اللحظة، تحديد ما إذا كانت الضربات قد حقّقت هدفها الإستراتيجي المعلن المتمثّل في القضاء على البرنامج النووي الإيراني، حتى مع إعلان ترامب، الإثنين، «انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران». وطبقاً لمعطيات وزارة الدفاع نفسها، فمن المتوقّع أن يستغرق الجيش الأميركي أياماً، بل أسابيع، لإكمال التقييم الرسمي لأضرار المعركة، والذي سيعتمد بالدرجة الأولى، على استخدام المراقبة الجوية لجمع المعلومات من مواقع الانفجارات، في وقت يحذّر فيه الخبراء من أنّ المعلومات التي يمكن جمعها عبر تلك الآلية ستكون «محدودة».
وضع مراقبون مواقف ترامب في خانة «التسويق الوهمي» لانتصار إسرائيلي
وبالفعل، كان المدير العام لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، رافاييل غروسي، قد أكّد في وقت سابق أنه «في الوقت الراهن، لا أحد في وضع يسمح له بتقييم الأضرار تحت الأرض بشكل كامل» في فوردو، مشيراً إلى أنّ «الوكالة لن تكون قادرة على معرفة ذلك إلا بعد أن يتمكّن مفتشوها الذين لا يزالون في إيران من العودة إلى المنشأة». والأهم، طبقاً للمصدر نفسه، هو ما حدث لـ«أكثر من 900 رطل من اليورانيوم الذي تقول «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إنّ إيران قامت بالفعل بتخصيبه إلى درجة قريبة من صنع الأسلحة، ويكفي لصنع أكثر من اثنتَي عشرة قنبلة»، علماً أنّ الوكالة تقدّر أنه تمّ تخزين جزء منه «في موقع تحت الأرض بالقرب من منشأة أصفهان»، التي أصيبت بصواريخ كروز أميركية تطلق من الغوّاصات، مشيرةً كذلك إلى أنّ بعض المواد المخصّبة نُقلت إلى مواقع أخرى «غير معلنة».
وتعقيباً على ذلك، أكّد جيفري لويس، الخبير في الشؤون النووية ومنع الانتشار النووي في «معهد ميدلبري للدراسات الدولية»، أنّه «غير معجب» بنتائج الهجمات الأميركية والإسرائيلية، نظراً إلى أنّه تم «تخزين اليورانيوم المخصّب إلى حدّ كبير في أنفاق تحت الأرض». وأردف، في منشور عبر «أكس»، إنّه «رغم الهجمات الإسرائيلية أو الأميركية واسعة النطاق على المنشأة، لا يبذل على ما يبدو أي جهد لتدمير هذه الأنفاق أو المواد التي كانت بداخلها».
وطبقاً للمصدر نفسه الذي استشهدت به «واشنطن بوست»، ورغم أنّ الضربات المشار إليها قد تكون بمثابة «خسارة» للإيرانيين، إلا أنّ الهجوم على منشآت فوردو وأصفهان ونطنز ليس بالحجم الكافي لـ«القضاء على البرنامج النووي». وأضاف الخبير إنه في حين أنّ الضربات قد تكون «أخّرت» برنامج طهران، وألحقت دماراً مادياً بتلك المنشآت، إلا أنّ إعادة البناء «قد تتم في مدّة لا تزيد على عام واحد».
ووصفت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، بدورها، في تقرير، التصريحات الصادرة عن ترامب ونائبه، جي دي فانس، بـ«الواثقة للغاية»، لافتةً إلى أنّه «من المرجّح أن تتمكّن إيران من إعادة تشكيل برنامجها بسرعة، وربما في غضون عام تقريباً». كما حذّر أصحاب الرأي المتقدّم من أنّه «بعد الضربات الأميركية، أصبح هناك خطر حقيقي من أن تتّخذ طهران قراراً بالذهاب إلى أبعد من تخصيب، أي نحو بناء قنبلة». وتابع التقرير: «نظراً إلى أنّ إيران أخلت المنشآت الرئيسة قبل الضربات الأميركية، فمن المرجّح أنّ معظم الكوادر الإيرانية من العلماء والفنّيين المهرة قد نجوا.
ومع امتلاك إيران اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المائة، قد يتمكّن هؤلاء، باستخدام 100 إلى 200 جهاز طرد مركزي عامل فقط، من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لصنع قنبلة في غضون أسابيع قليلة». «والأسوأ من ذلك»، بحسب المصدر نفسه، هو أنّ «إيران تمتلك بالفعل منشأة تشغيلية سرية للتخصيب، وهو تصميم شبه ناضج لسلاح نووي، ويمكّنها من تصنيع واحد في غضون بضعة أشهر».
وفي أفضل السيناريوات، والذي يُعدّ «بعيداً كل البعد» عن التحقّق، قد ينجح أي عمل عسكري في المستقبل في تدمير مخزونات إيران من اليورانيوم عالي التخصيب ومكوّنات أجهزة الطرد المركزي؛ إلا أنه حتى هذه النتيجة لن تكون «جيدة بشكل مطلق»، نظراً إلى أنّ إيران تحتفظ بالمعرفة والخبرة، وستتمكّن على الأرجح من إعادة بناء برنامجها النووي بالكامل «في غضون سنوات قليلة».
ونظراً إلى عمليات «إحلال السلام» السابقة التي تفاخر بها ترامب أو وعد بتحقيقها، بدءاً من غزة ووصولاً إلى الحرب الروسية – الأوكرانية، يرى الكثير من المحلّلين أنه لا تزال هناك «قائمة طويلة من الأسئلة الكبيرة التي لم تتمّ الإجابة عليها، وخاصة ما إذا كان أي وقف لإطلاق النار يمكن أن يدخل حيّز التنفيذ بالفعل ويصمد بين عدوّين لدودين» مثل إيران وإسرائيل.
وفي هذا الإطار، أفادت وكالة «رويترز» بأنّ «الشروط التي اتفق عليها الجانبان لا تزال غير معروفة وغير مذكورة في منشور ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي»، جنباً إلى جنب «ما إذا كانت الولايات المتحدة وإيران ستعيدان إحياء المحادثات النووية الفاشلة، ومصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب الذي يعتقد العديد من الخبراء أنه ربما نجا من حملة القصف الأميركية والإسرائيلية». ويُضاف إلى ذلك، إنّ العدوان الأميركي – الإسرائيلي المشترك على الأراضي الإيرانية عقّد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تقييد البرنامج الإيراني.