مقالات

شعب السودان والانتصار

شعب السودان والانتصار

بكر أبوبكر

 أعمال الهدم والتصدع والشرخ والتفتيت في السودان بدأته الإمبراطورية البريطانية -الآفلة عنها الشمس اليوم- في جسد السودان العظيم ، وما تلاها من قوى امبريالية خاصة أمريكية-صهيونية. نستدل على أن هذه العقلية الاستعمارية التدميرية للآخر هي ذاتها التي فعلت فعلها الاستعماري ذاته وإن بشكل آخر في فلسطين، وفعلت أفعالها الإجرامية المشينة في كل مكان احتلته سواء في إفريقيا أو أمريكا أو أسيا. ما هو شأن كل الدول الاستعمارية وإن تميزت بذلك بريطانيا فترة تمددها الامبراطوري.

إن السودان الذي منحه الخالق موقعًا هامًا، وثروات كثيرة، وشعبٌ أصيل تعرض عبر السنوات لمخططات عديدة هدفت لإفقاده وحدته وتنوعه القبلي، ولإفقاده تواصله وجمال صِلاته ببعضه البعض شمال وجنوب وشرق وغرب.

وكان من الحكام بصراعاتهم المختلفة سواء الأيديولوجية أو الفصائلية أوالمناطقية أو بجهل بعضهم أو قلة وعيهم وعماهم وانخراطهم في مستنقع الاقتتال، وبحروبهم الستة التي دامت 57 عامًا من عمر البلد (آخرها حرب العسكر الحالية بين البرهان وحميدتي) أن تم استنزاف هذا البلد الجميل، الذي يُعدّ سلة الأمة بأكملها الغذائية غير ما يمتلكه من ثروات معدنية ونفط وموقع استراتيجي بحري مميز، والى ذلك من شعب أصيل.

تفتحت عيون الكيان الصهيوني على السودان منذ قيامه عام 1948م فدخلوا على إفريقيا والسودان من زاوية المساعدات الإنسانية والإغاثية ثم الاستخبارية والأمنية والتقانية، فكان لهم موطيء القدم بدءًا من غرب القارة الى الشرق والجنوب.

استطاع “الموساد” الصهيوني أن ينفذ الى السودان خاصة الجنوبي، ودعم الانفصال بقوة، ما قبل عهد النميري ثم بدعمه وما حصل مع “يهود الفلاشا”. وما أدى لاحقًا الى انفصال الجنوب ليعبّر رئيس القوة الاستخبارية الصهيونية هناك “ديفد عوزيئيل” عن فرحه الغامر حين وقع الانفصال الذي اعتبره “تحقيقًا للحلم الإسرائيلي”.

لم يتوقف التدخل والعبث واللعب بمصائر الشعوب الى أن كانت “الاتفاقات الابراهامية” الموهومة المزايا لموقعيها سوى التسيّد الصهيوني، و”التتبيع” مسارًا اتخذ من ضعف الحكم السوداني ووقوعه تحت طائلة العقوبات الأمريكية-الدولية الظالمة مطيّة ليركبها في عهد الرئيس البشير، ولتتحقق مرامي “التتبيع” في عهد الضابطين (الجنرالين) المتحاربين اليوم والمتنافسين في آن واحد على خطب ودّ الإسرائيلي.

إن للإسرائيلي -وبعد أن تحقق الانفصال وبدأت الدولة بالتهاوي- الكثير من المصالح المستهدفة في السودان من ثروات وموقع استراتيجي ونفوذ وسوق ومياه…الخ.

وأن للضابطين الكبيرين المتحاربين مصالح خاصة لكل منهما بعيدة عن مصالح الشعب السوداني ذاته، وهو الشعب البطل الذي أثبت في أكثر من مناسبة نضاليته وحريته وما يزال كذلك رغم عميق الألم.

الجنرالان المتحاربان اليوم رغم تعارضهما مصلحيًا، لا يختلفان على التنافس والتبارز في الالتحاق بالإسرائيلي. وكأنه مركب الهدى الذي سينقذ الغريق من البحر! فيما هو بالحقيقة (أي الإسرائيلي) ينتظر من سيسبح الى الشط ان استطاع ليبني معه العلاقة وصولا للاستتباع الكامل.

 

كان يقال “كانت القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، والخرطوم تقرأ”، وهذه مقولة لها حظّ كبير من الصدق، وتجسّدت هذه المكونات الثلاث في الفيلسوف والعبقري السوداني والمناضل محمد أبوالقاسم الحاج حمد والملقب “فيلسوف السودان” الذي رأى أن الثقافة هي الكفيلة برأب الصدع بين الشمال والجنوب وباقي أقاليم السودان، فهو صاحب كتاب “العالمية الإسلامية الثانية” والقراءة بالله والقراءة بالقلم (قراءة الطبيعة) ويكون الجمع بين القراءتين هو منبع بعْث العالمية الإسلامية مرة أخرى.

 

إن “الحاج حمد” هوالرجل بعيد النظر الذي فهم السودان وتنوعه وشموليته وسلاسة العمق العروبي والإسلامي في إطار كافة المكونات الأخرى والذي فيه يظهر الشعب السوداني الحقيقي.

 

إن الشعب السوداني المعطاء والحقيقي هو أيضًا شعب البطل المرحوم الفريق عبدالرحمن سوار الذهب طيب الله ثراه الذي عندما طلب منه في كلية “سانت هيرست” البريطانية وضع خطة لاحتلال الخرطوم، ما كان منه إلا أن وضع لهم بعنفوان وإباء خطة محكمة لاحتلال لندن…!!؟

 

إن الشعب السوداني المناضل والبطل الذي مرّغ أنف الامبراطورية البريطانية بالتراب وهزمها حين هلك في بلاده ثلاثة وثلاثون جنرالًا من جملة خمس وثلاثين جنرالًا بريطانيًا أخضعوا العالم لها، وأعظمهم كان الجنرال قوردون أو غردون كما يحلو للسودانيون تسميته..!؟ هو الشعب المناضل ذاته الذي سيخرج من تحت الرماد ليعلن قيامته وانتصاره.

 

https://baker2014.wordpress.com/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب