المغزى العميق للتحولات
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
الغربيون (المعسكر الرأسمالي الغربي / المسيحي/ الليبرالي ــ البروتستانتي على الأرجح) هو كيان تجمع لأطراف عديدة في أوربا وأميركا وأستراليا، بالمنهج السياسي/ الاقتصادي / الاجتماعي، وهم متحالفون سياسياً عبر تجمع الناتو، واقتصادياً عبر الكيان الاقتصادي (G8) ولكن هذا لا يعني أنهم لا يختلفون حيال قضايا معينة، بدرجة ما، لكن لا تصل لدرجة القطيعة، فالقيادات الغربية تمثل إدارات سياسية لها خبرة وتجربة عميقة واسعة في العمل السياسي / الاقتصادي، وبالتالي فهم لا يسمحون بتدهور مفاجئ، يقود إلى ما هو ليس مرغوب به.
وهذا التحالف بصيغته الحديثة، برزت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وتطور الكيان السياسي (الحلفاء) إلى (G8) أستبعد فيه الاتحاد السوفيتي، وضم إلى التحالف الثلاثي: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، كندا، اليابان. والتحالف يعمل بدرجة عالية من المهنية السياسية/ الدبلوماسية، وبتنسيق عال مع الناتو ككيان سياسي / عسكري، وهذان الكيانان، ((G8)/ الناتو ) يعكسان تطلعات المعسكر الغربي(ككيان عام) وهيمنته على مسرح السياسة الدولية وما يدور في أروقته وكواليسه.
بيد أن التنسيق العالي في مستواه، لا يمنع كما قلنا، حدوث خلافات، مهمة، ولكنها لا تصل لدرجة التناقض الرئيسي، بل تبقى كامنة في غرف الاجتماعات الداخلية البعيدة من مراقبة المراقبين والمتابعين. نادرا ما تطفو على السطح، ومن تلك الخلافات: تحفظات فرنسية في زمن الرئيس ديغول، حول الناتو والسوق الأوربية المشتركة، تواصلت بعد ديغول بشكل طفيف في زمن ميتران، وديستان، وشيراك (في الحرب على العراق)، وخلاف ظاهر مع بريطانيا حول العدوان الثلاثي على مصر (1956)، وعدم أتفاق تام في قضية استعادة بريطانيا لجزر فوكلاند من الأرجنتين (1982)، وربما خلافات أخرى أقل أهمية، أهمها موقف الحلفاء الأوربيين من زج قوات الناتو في حرب أفغانستان، الموقف الامريكي من القضايا الأوربية ومستقبل الاتحاد الأوربي، الذي لا تخفي الولايات المتحدة امتعاضها، أو عدم ارتياحها منه.
وحين نشبت حرب الخليج الثانية، 1991، (حرب الكويت)، ورغم أن الحلفاء الغربيين أيدوا الولايات المتحدة وشاركوا في الحرب، إلا أن موقفهم كان متفاوتاً في الحرب الثالثة على العراق، إذ عارضت فرنسا، والمانيا الحرب علنا، وحال ذلك بالإضافة إلى الفيتو الروسي / الصيني، دون حدوث موقف جماعي ضمن اقطاب المعسكر الغربي.
وبدا واضحاً للعيان مخططاً سعت الولايات المتحدة إحداثه في المشرق العربي، بتمكين إيران من تنفيذ خططها التوسعية، وأتفق ذلك مع هوى الولايات المتحدة بمشروع سياسي / ديموغرافي وهو ضرب الأكثرية المسلمة / السنية، بوسائل القتل والتهجير والتشريد، وتجريف الأراضي، ونزوح السكان، بلغت حد إصدار قوانين صريحة في قوانين السكن ومنح الجنسية للملايين من الإيرانيين والافغان، والباكستانيين، والهدف هو الإخلال بالهيكيلية السكانية للمنطقة. ثم بدت تلك صريحة واضحة للعيان، حين أوغل الإيرانيون بشكل مبالغ به جداً، وأبدوا ما أثار الشبهات والارتياب، الأمر الذي دعا الغرب ولا سيما الولايات المتحدة وتوافقها بريطانيا بدرجة كبيرة، وفرنسا وألمانيا وكندا بدرجة أكبر.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، خلفت الهجرات من البلدان العربية / السنية، ردود فعل سياسية / اقتصادية / ثقافية في بلدان المهاجر أكبر بكثير مما كان متوقعاً، وما ما بوسعها احتماله. حتى بات إشكالية داخلية لا تخلو من المخاطر الاجتماعية / السياسية، فاستقبال الملايين (نعم ملايين) من المهاجرين باتو يشكلون هواجس على أكثر من صعيد، أرغم الحكومات الغربية على إعادة التفكير، وتصاعد في نبرة النقد، لدرجة أنه بات ظاهرة اجتماعية واضحة، تستدعي التفكير بعمق في الظاهرة وأبعادها.
أما في إيران التي كانت الطرف المنفذ لهذه الاستراتيجية في الميدان، ففعلت ذلك بطريقة تخلو من النظر إلى جوانب القضية وأبعادها، فراحت تنفذ الهدف بطريقة متبعة الأساليب الاستعمارية في التهجير القسري وبالملايين، بسياسة عنصرية / طائفية، كان لها أبعاد داخلية لم تكن تحسب حسابها بدقة، فحين حاولت أن تقلد الدول الاستعمارية القديمة (بريطانيا وفرنسا) فشلت فشلاً ذريعاً ومدوياً، لأن الموقف يستدعي أكثر من ميليشيات تزعق في الشوارع مرتدية الثياب المرقطة بطريقة متخلفة، تفتقر لكل ما هو إيجابي، زاخرة بالمعاني والمغازي السلبية.
الدول الاستعمارية القديمة، حين حلت في المستعمرات، أحدثت هزة اقتصادية / اجتماعية، ثقافية / سياسية، فهي دول كانت (وما تزال دول عظمى سياسياً واقتصاديا وعسكرياً)، الاستعمار يبدأ بعملية تصدير رأس المال (Kapitalexport) وبأشكال عديدة، في حين أن إيران نفسها بلد متخلف لا تمتلك ما تصدره سوى الخرافات ,والسلاسل والخناجر، ومسيرات اللطمية طوروها إلى اللطم على صوت الطبول والدفوف. ومشاريع متخلفة لدول تعتمد الأساطير والخرافات، فأخذت تلتهم وتنهب كل ما تصادفه أمامها، وتصدر البروليتاريا الرثة إلى بلدان تجاوزت هذه المرحلة كالعراق وسورية ولبنان، ولما داهم الفشل كنتيجة طبيعية تعاملت مع ذلك كخطر واجهته بقطعان الميليشيات، وحين ابتدأت الضحايا تتساقط، سقط في نفس اللحظة احتمال نزاهة وصدق نواياها. وهذا إعلان صريح مدوي للفشل.
الأشياء تقود لبعضها، وشتى العناصر حين تتفاعل في محيط ما، سيؤدي ذلك إلى تطور مادي تاريخي، التناقض إلى تناقضات، والعملية الديالكتيكية تدور بقوة لا يمكن إيقافها، فمن لا يؤمن بالعلم لا يؤمن بالديالكتيك، والنتيجة هي أن يبلغ الأمر لحد لا يمكن فيه مطلقا التعايش مع الواقع الموضوعي المنهار. وحين يدرك المتخلفون بواسطة النظر بالعين المجردة، ستلتقط ابصارهم مشاهد مروعة، سيفشلون مجدداً في محاولات إصلاح مسار الأشياء، وأساساً يكون الوقت متأخرا جداً لمبادرات التصحيح، كما انها (عملية التصحيح) تحتاج لقوى لا يمتلكها هؤلاء الأغبياء الذين واقعيا يفتقرون لكل شيئ، وسينتهي كل شيئ، فالعملية ساقطة بالتأكيد المؤكد، والقضية ليست سوى وقت. وشخصيا كنت وكأني أرى هذا اليوم الذي نحن فيه بعيون عقلي وليس بعيون وجهي، وعيون عقلي أشد قوة بصرية من عيون وجهي، وكتبت عن ذلك، وكنت أحدث من حولي بسقوط هذه العملية الغبية نهائياً. وانهاروا فعلاً وحقاً بأسرع مما نتصور.