التجاذب الإسرائيلي حول الخطوة التالية في غزة ؟؟؟

التجاذب الإسرائيلي حول الخطوة التالية في غزة ؟؟؟ في ظل الضغوط الداخلية والدولية
بقلم رئيس التحرير
تواجه إسرائيل واحدة من أعقد مراحلها السياسية والعسكرية منذ قيامها، إذ تكشف الحرب على غزة التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023 عن عمق المأزق الاستراتيجي الإسرائيلي. فبعد أكثر من عشرين شهر من العمليات العسكرية، لم تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس وتفكيك بنيتها العسكرية والسياسية.
في المقابل، تتعاظم الكلفة الإنسانية للحرب في قطاع غزة إلى مستويات كارثية، وسط فشل المجتمع الدولي في فرض وقف دائم لإطلاق النار، فيما تتزايد الضغوط الداخلية والخارجية على الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ قرار حاسم بشأن المسار المقبل: التصعيد أم التفاوض.
تقارير استخباراتية إسرائيلية داخلية تشير إلى أن القضاء الكامل على حماس يتطلب سنوات وليس شهورًا، مع تكلفة بشرية ومادية غير مقبولة داخليًا ودوليًا. ، مع استمرار احتجاز عشرات الرهائن لدى حماس يمثل ورقة ضغط هائلة على الحكومة الإسرائيلية.
عائلات الرهائن تشكل كتلة ضغط اجتماعي وسياسي متصاعدة، تدفع باتجاه القبول بوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراحهم.
في ظل التآكل السياسي والاجتماعي داخل إسرائيل فان الحكومة تعاني من تصدعات داخلية بين مكونات اليمين المتطرف، وأطراف الجيش والمؤسسة الأمنية التي باتت ترى أن استمرار الحرب بلا أفق يمثل تهديدًا للأمن القومي الإسرائيلي.
التظاهرات داخل إسرائيل لم تعد مقتصرة على معارضي نتنياهو، بل باتت تشمل عائلات الجنود، وأطيافًا من المجتمع المدني والاقتصادي الذين يعارضون إطالة أمد الحرب.
حكومة الائتلاف اليمينية تضم وزراء التيارات الدينية القومية واليمين المتطرف، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، مدعومين ببعض جنرالات الاحتياط ذوي المواقف المتشددة ويدفع هذا المعسكر نحو توسيع العمليات في رفح وما تبقى من القطاع واإقامة مناطق عازلة بعمق يصل إلى عدة كيلومترات داخل غزة والضغط باتجاه تهجير جزء من السكان تحت مسمى “الترانسفير الطوعي” ورفض أي هدنة لا تؤدي إلى تفكيك حماس بشكل كامل.
أما معسكر البراغماتيين (التفاوض المشروط) يضم قيادات أمنية حالية وسابقة، وبعض وزراء حكومة نتنياهو من الأجنحة الأكثر اعتدالًا. ويعتبر القضاء الكامل على حماس غير ممكن عسكريًا.والأولوية يجب أن تكون لتحرير الرهائن وتجنب المزيد من الاستنزاف. ويجب القبول بصفقة وقف إطلاق نار مرحلية، مع الحفاظ على إمكانية العودة إلى العمل العسكري عند الحاجة.
إدارة ترامب تضغط بقوة على نتنياهو للقبول بوقف مؤقت لإطلاق النار مقابل إطلاق الرهائن.، وتهدد واشنطن بخفض دعمها السياسي والدبلوماسي إذا لم تستجب إسرائيل، خاصة مع اتساع الفجوة بين الموقف الأميركي والمواقف الأوروبية والأممية.
القاهرة والدوحة تلعبان دورًا محوريًا في محاولة إعادة إحياء المفاوضات وتتركز الجهود على صفقة تبادل رهائن وأسرى. وووقف مؤقت لإطلاق النار يمتد بين شهر إلى ثلاثة أشهر.وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة.
وفتح نقاش حول مرحلة ما بعد الحرب، بما في ذلك إدارة غزه
في ظل تصاعد الحرب تصاعدت الأصوات الأوروبية المطالبة بوقف فوري ودائم لإطلاق النار.، وتشير تقارير مجلس حقوق الإنسان ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بدأت تتحدث صراحة عن ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة.
السيناريوهات المستقبلية المتوقعة
- صفقة وقف إطلاق نار مؤقت مقابل الرهائن
المرجح بنسبة عالية بفعل الضغوط الأميركية والداخلية.
تهدئة محددة بجدول زمني (60 )يوم ، دون إنهاء رسمي للحرب.
تُمكّن إسرائيل من إخراج الرهائن، لكنها لا تنهي الملف الأمني في غزة.
من الناحية القانونية، فإن استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة دون وجود أهداف عسكرية مشروعة، ومع استهداف منهجي للبنية المدنية، يضع إسرائيل أمام مسؤولية قانونية بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة، والقانون الدولي الإنساني.
أما سياسيًا، فإن إسرائيل باتت في وضعية الدولة التي فقدت قدرتها على الحسم العسكري، بينما تواصل المراوغة السياسية لتجنب الدخول في مسار سلام حقيقي يعالج جذور الصراع، وأهمها إنهاء الاحتلال، ورفع الحصار عن قطاع غزة، والاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
وهذا يتطلب من المجتمع الدولي التحرك نحو فرض وقف دائم لإطلاق النار وليس مجرد هدنة مؤقتة.
- إطلاق عملية سياسية شاملة تفضي إلى إنهاء الاحتلال، ورفع الحصار، وتحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية.
- مطالبة محكمة الجنايات الدولية بتسريع إجراءاتها بحق المسئولين الإسرائيليين المتورطين في جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في غزة.
- دعم الجهود الفلسطينية الداخلية لإنهاء الانقسام، وبناء إستراتيجية وطنية موحدة قادرة على مواجهة التحديات السياسية المقبلة.
ويمكن القول ووفق كل ذلك أن إسرائيل أمام مفترق طرق استراتيجي حقيقي؛ إما أن تواصل هروبها إلى الأمام عبر تصعيد عسكري غير مضمون النتائج، أو أن ترضخ للضغوط المتزايدة، وتذهب نحو تسوية مؤقتة قد تتحول لاحقًا إلى مسار سياسي إجباري.
ويبقى الثابت أن استمرار الحرب لن يحقق الأمن لإسرائيل، تمامًا كما أن إنهاء الحرب دون معالجة جذور الصراع سيبقي المنطقة رهينة لدورات متكررة من العنف والدمار.