كتب

مخاوف من مفاجأة جديدة لترامب.. تفاؤل حذر ومزاج متعكّر في إسرائيل حيال الصفقة.. لماذا الآن فقط؟ ولماذا جزئية؟

مخاوف من مفاجأة جديدة لترامب.. تفاؤل حذر ومزاج متعكّر في إسرائيل حيال الصفقة.. لماذا الآن فقط؟ ولماذا جزئية؟

الناصره /وديع عواودة

 بعدما أعلنت حركة “حماس” عن رد إيجابي على الصفقة المقترحة مع طلبات لتعديل عدة نقاط تتحفظ عليها إسرائيل، يغادر ظهر اليوم الأحد وفد تفاوضي مخوّل الصلاحية من تل أبيب إلى الدوحة، وفي التزامن يتوجه رئيس حكومتها نتنياهو إلى واشنطن، غداً الإثنين، للقاء الرئيس الأمريكي ترامب، صاحب القرار الحقيقي لحسم مصير الحرب.

وتشمل الصيغة المقترحة من قبل قطر، والمستندة إلى مقترح ويتكوف الثاني، هدنة لمدة 60 يوماً، وإطلاق عشرة محتجزين، وثماني عشرة جثة، مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين على دفعات، والكشف عن مصير كافة المحتجزين أحياء وأموات، وزيادة كمية المساعدات الإنسانية، ووقف دائم لإطلاق النار مع ضمانات أمريكية بمواصلة المفاوضات وعدم تجديد الحرب، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال مهلة الشهرين.

شيمعون شيفر: بعد مزاعم النصر المطلق، ما زالت “حماس” تقدّم مطالب عالية ونتنياهو يدفع الثمن بكامله بالتقسيط. “حماس” لم تُهزم.. نحن هُزمنا

أما الخلافات الجوهرية، فتكمن في رفض إسرائيل وقفًا صريحًا للحرب، فيما تتمسك “حماس” بضمانات أوضح لوقف الحرب، لمنع تكرار انتهاك إسرائيل لصفقة يناير الماضي، برفضها في مارس الانتقال إلى المرحلة الثانية من المداولات (السياسية). كذلك هناك نقطة خلاف هامة تتعلق بحدود الانسحاب، فإسرائيل تريد الاحتفاظ باحتلالها لمحوري موراغ وفيلادلفيا، فيما تطالب “حماس” بالانسحاب منهما.

وفيما لم يُعلن رسميًا عن التعديلات المطلوبة من قبل “حماس” على الاتفاق المقترح، فإن تخمينات إسرائيلية وأجنبية تتحدث عن مطالبتها بتوزيع المساعدات من خلال الأمم المتحدة بدلاً من الشركة الأمريكية، كما تطالب بضمانات من ترامب لمواصلة المفاوضات على إنهاء الحرب، والانسحاب من القطاع، وعدم معاودة الحرب حتى بعد انقضاء مدة الهدنة، حتى إحراز اتفاق.

انتقادات إسرائيلية

وتسود في إسرائيل أجواء تفاؤل حذر، لكن المزاج العام السائد متعكّر يتسم بمرارة تنبع من سؤالين بارزين: لماذا الاتفاق الآن فقط وليس قبل شهور؟ ولماذا صفقة جزئية؟

ينعكس ذلك في مضامين ولغة مراقبين إسرائيليين كثر، منهم المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يتساءل مجددًا: لماذا هذا التأخير؟ مؤكدًا أنه كان بالإمكان الاتفاق على هذا الاتفاق في مارس، قبل عملية “عربات جدعون” الفاشلة، ولماذا صفقة جزئية وليست كاملة؟ ويؤكد هارئيل طغيان الحسابات الداخلية، السياسية لا العسكرية، في إطالة الحرب: “إسرائيل هي التي ترفض حتى الآن صفقة كاملة لاعتبارات الحفاظ على الحكومة”.

وفي افتتاحيتها، تعاين صحيفته “هآرتس”، اليوم، بذات المنظار، بقولها إن عدم وقف الحرب سببه ليس عسكرياً بل سياسياً داخلياً، منوّهة أن قائد جيش الاحتلال أيال زامير يلمّح تلميحات غليظة متتالية برغبته في وقف الحرب، بقوله إن المختطفين يتعرضون لخطر الموت، وإن “حماس” باتت “منظمة ميتة”. وتضيف “هآرتس”: “رغم ذلك، لا تنوي الحكومة إنهاء الحرب، وترامب للأسف لم يطلب ذلك بوضوح بعد. في هذه الظروف فإن صفقة جزئية أفضل من لا شيء”.

“حماس” انتصرت

وهذا ما يقوله المعلق السياسي في الصحيفة حاييم ليفنسون، لافتًا إلى أن نتنياهو سوّق، طيلة شهور، لجمهوره مزاعم بأن “عربات جدعون” عملية ناجحة ستغيّر واقع الحال في غزة، والآن يبحث عن سبيل لتسويق الشيء وعكسه. ويضيف ساخرًا: “نتنياهو ضحية ألاعيبه وأسافينه”.

ويكاتبه آفي أشكنازي، محلل عسكري في صحيفة “معاريف”، بقوله في مقال بعنوان: “بعد الانتصار في إيران: هكذا خسر الجيش الحرب بعدما كسبها في غزة”، إن حملة “عربات جدعون” فشلت فشلاً ذريعًا، حيث قُتل فيها 34 جنديًا إسرائيليًا دون أن تؤدي هذه التضحيات لنتيجة، والآن تتجه إسرائيل لتوقيع صفقة تمنح “حماس” انتصارًا إستراتيجيًا وضمانة أمريكية لبقائها لسنوات.

ومن هنا، يستنتج بالدعوة للمزيد من الجرائم: “على إسرائيل أن تتحرك فوراً في الشرق الأوسط لاغتيال كل قادة “حماس” في الماضي، الحاضر والمستقبل، سواء في الدوحة والقاهرة أو طهران ودمشق أو في إسطنبول”. ويضيف: “هذه مهمة مطروحة على طاولة رئيس الموساد دادي بارنياع. هكذا فقط، إسرائيل ملزمة بإنهاء الحرب في غزة. أقل من ذلك نكون قد خسرنا”.

أما المعلق السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، شيمعون شيفر، فيبدي رؤية معاكسة تمامًا وأكثر وضوحًا وحدّة: “بعد مزاعم النصر المطلق، ما زالت “حماس” تقدّم مطالب عالية ونتنياهو يدفع الثمن بكامله بالتقسيط. “حماس” لم تُهزم.. نحن هُزمنا. ينبغي وقف الحرب واستعادة المخطوفين والدخول في عملية استشفاء الآن، وعندئذ على الحكومة مغادرتنا”.

 كافتنا تورّطنا بالخيانة

ويتفق معه زميله في الصحيفة بن درور يميني بضرورة وقف الحرب الآن، فيقترح طريقًا لإلحاق هزيمة بـ “حماس”: “وقف الحرب بالذات هو الطريق السليم لتحقيق انتصار. “حماس” معنية بحرب عصابات لا تنتهي، توقع ضحايا في صفوف الجيش، وتواصل إلحاق ضرر دبلوماسي متصاعد بإسرائيل واتهامنا بارتكاب جينوسايد في العالم”.

بيد أن المعلقة الصحفية في “هآرتس”، إيريس لعال، تبدي موقفًا نادرًا أكثر جرأة، تتهم فيه كل الإسرائيليين بالخيانة الأخلاقية، في مقال بعنوان: “كافتنا شارك في الخيانة”. تقول فيه إن الإسرائيليين كشعب يتحمّلون مسؤولية النزيف لأنهم صمتوا على حرب مرهقة مكلفة لا تنتهي لأسباب سياسية.

وتحذر: “إذا لم يصحُ ضمير الشعب كله، ولا يستيقظ، ولا يعترف بأنه فقد صوابه، ولا يتحمّل مسؤولية جماعية، ويقرّ بالتهمة بأنه كله، ليس القيادة فحسب، وليس فقط نتنياهو، بل كلنا جميعًا سمحنا ومكّنا وتعاوننا وأطعنا وضحّينا بمخطوفينا وجنودنا بغية إبادة عشرات آلاف الفلسطينيين، فيهم أطفال ونساء في غزة، فبحال لم نعترف بذلك لن تقوم لنا قيامة”.

المفتاح في البيت الأبيض

ومقابل الضغوط على نتنياهو من الرأي العام والشارع وعائلات المحتجزين للذهاب إلى صفقة واحدة توقف الحرب وتعيد كل الأسرى، يعتبر وزراء في حكومة الاحتلال أن الاتفاق المقترح عبارة عن استسلام، ويطلقون تلميحات غليظة بمعارضته.

أشكنازي: على إسرائيل أن تتحرك فوراً في الشرق الأوسط لاغتيال كل قادة “حماس” في الماضي، الحاضر والمستقبل، سواء في الدوحة والقاهرة أو طهران ودمشق أو في إسطنبول

بيد أن نتنياهو، منذ 20 شهراً، لا يكترث بالضغوط الإسرائيلية الداخلية، ويبدو أن القول الفصل سيكون في واشنطن غدًا، خلال مأدبة عشاء مغلقة مع ترامب، صاحب المزاج المتقلب والطامع دوماً بصورة البطل وبجائزة نوبل للسلام. ورغم أنه لا يبدي موقفًا قاطعًا بنيّته وقف الحرب، فمن غير المستبعد أن يبلغ نتنياهو بذلك على مبدأ أن هناك صفقة أكبر مطروحة على الطاولة، تخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، ومصالح ترامب ونتنياهو، وتتمثل في توسيع اتفاقيات أبراهام بعد وقف الحرب.

بعد الحرب على إيران، يبدو نتنياهو أكثر قدرة على تمرير الاتفاق وإنهاء الحرب، خاصة أن هذه رغبة الرئيس الأمريكي الذي استجاب له وشارك في الهجوم على إيران، الشهر الماضي، وربما ينتظر جباية ثمن ذلك. وحتى في إسرائيل، هناك مخاوف من مفاجأة “ترامبية” جديدة، يقول فيها ترامب لنتنياهو: “للصبر حدود.. كفاية خلاص”.

نتنياهو، المهتم بالأساس بحسابات البقاء في السياسة والحكم وفي التاريخ، ربما يبدو اليوم أقرب للسير بالخط المراد من قبل واشنطن، والإعلان قريباً عن انتخابات مبكرة يخوضها رافعًا شعار “الانتصار على إيران” و”التطبيع مع السعودية”، راجيًا أن يغفر له الإسرائيليون عار “طوفان الأقصى”، فيستبدلون السابع من أكتوبر 2023 بالثالث عشر من 2025 في ذاكرتهم.

ومع ذلك، ما زالت هناك نقاط واضحة وخلافات تهدد الصفقة، التي تبدو أقرب للواقع أكثر من الماضي، خاصة أن ترامب نفسه تحدث عن رغبته بإنهاء الحرب. لكن النص المقترح للصفقة هو عمليًا “مقترح ويتكوف الثاني”، صفقة جزئية فقط، فكيف يتم حل هذا التناقض؟

– “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب