كتب
انعدام الأمن الغذائي يهدد 22 بلدا” وإقليما”، السودان وفلسطين في مقدمة “بؤر الجوع الساخنة” الخمسة بقلم نعمت بيان -طليعة لبنان –
بقلم نعمت بيان -طليعة لبنان -

انعدام الأمن الغذائي يهدد 22 بلدا” وإقليما”، السودان وفلسطين في مقدمة
“بؤر الجوع الساخنة” الخمسة
بقلم نعمت بيان -طليعة لبنان –
4/7/2025
إن أزمة انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم هي واحدة من كبرى وأخطر الأزمات التي يعانيها العديد من البلدان، وبعضها صنفتها تقارير منظمات الأمم المتحدة بـ “بؤر الجوع الساخنة”. وكالعادة، الحصة الأكبر من هذه الأزمات هي في المنطقة العربية وبعض الدول الإفريقية. فالحروب والنزاعات وانتشار الأوبئة والتغيّر المناخي والأزمات الإقتصادية وسوء استخدام الموارد عرّضت حياة ملايين الأشخاص للخطر، حيث وصلت مستويات انعدام الأمن الغذائي إلى درجة دق ناقوس الخطر، الذي سيكون له تداعيات مدمرة لبنية المجتمعات ودفع بحياة ملايين الأشخاص إلى شفير الهاوية، إذا لم تتدارك الدول المتضررة والمنظمات الأممية المعنية بالأمن الغذائي من تداعيات هذه الأزمة وإيجاد حلول لها .
هذا ويكشف تقرير مشترك لمنظمة الأغذية العالمية (الفاو) ومنظمة الأغذية والزراعة العالمي للإنذار االمبكر الصادر في 16/6/2025 عن تفاقم الجوع في 13 بؤرة ساخنة، خمس منها تواجه خطر الموت جوعا” وتمثل القلق الأكبر وهي: السودان وفلسطين وجنوب السودان وهايتي ومالي، إضافة إلى اليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية وميانمار ونيجيريا وبوركينا فاسو وتشاد والصومال وسوريا التي تُعتبر بؤر مثيرة للقلق وتتطلب اهتماما” عاجلا.
ففي السودان (الذي كان يُعتبر سلّة الغذاء العالمي)، تأكدت المجاعة فيه في عام 2024 ومن المتوقع أن تستمر بسبب استمرار النزاع الذي سببّ في نزوح الملايين من السوادنيين الذين يعانون من ظروف معيشية كارثية، ومن المتوقع حسب تقرير منظمة الأغذية العالمية (الفاو)، وبرنامج الأغذية العالمي، أن يواجه نحو 24.6 مليون شخص مستويات الأزمة أو أسوأ (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل أو أسوأ) من انعدام الأمن الغذائي الحاد، من بينهم 637.000 شخص يواجهون مستويات كارثية ( المرحلة الخامسة) حتى آيار/مايو 2025.
أما في فلسطين، فإن المشاهد المروّعة لحالة القتل ( قصفا” وتجويعا”) التي يرتبكها العدو الصهيوني فاقت كل تصور، ليس من خلال القصف الهمجي فحسب ، بل من خلال الحصار والتجويع الذي يُظهر هول الأزمة الغذائية أضعاف ما تبينه التقارير الأممية. فسكان غزّة يواجهون أزمة مجاعة مرعبة وغير مسبوقة نتيجة الحصار الذي يفرضه الكيان الصهيوني على القطاع حيث يمنع وصول المساعدات الغذائية والاغاثية للسكان الذين يتضورن جوعا” إلى حد الموت، والأكثر إيلاما” فقدان حليب الأطفال من المستشفيات والأسواق مما يعرّض مئات الأطفال الرُضّع للموت المحتم، وهذا ما أكده صندوق الأمم المتحدة للسكان الإثنين الماضي 30/6/2025، حين قال “أن المئات من حديثي الولادة في الحاضنات في مستشفى ناصر في خان يونس، جنوبي قطاع غزة، يواجهون خطر الموت الوشيك بسبب نفاذ حليب الأطفال تماما”. لذا فإن حرب الإبادة الجماعية والتجويع الذي يرتكبها هذا الكيان البربري أمام صمت العالم وعجزه وتواطئه، يُعرّض نحو 2.1 مليون شخص إلى مستويات أزمة أو أسوأ (المرحلة الثالثة أو أكثر) مع توقع وصول 479.000 شخص إلى مستويات كارثية ( المرحلة الخامسة) حتى أيلول/سبتمبر 2025.
في جنوب السودان، حيث التوترات السياسية، وخطر الفياضانات، والتحديات الإقتصادية، من المتوقع أن يواجه 7.7 مليون شخص أي 57% من السكان مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد ( المرحلة الثالثة أو أسوأ) بين أبريل/نيسان وتموز/يوليو 2025.
وفيما يتعلق بهايتي ومالي، فالوضع ليس بأفضل حال، فالتوترات السياسية والأزمات الاقتصادية، ناهيك عن عنف العصابات وانعدام الأمن الذي يؤدي بدوره الى النزوح مع عقبات في وصول المساعدات، مما يهدد حياة الآلاف الأشخاص بخطر المجاعة.
في المقابل، تم إزالة إثيوبيا، كينيا، لبنان، ليسوتو، مالاوي، موزمبيق، نامبيا، النيجر، زامبيا وزيمبابوي من قائمة بؤر الجوع، حيث خففت الظروف المناخية الجيدة للحصاد وقلة وتيرة الظواهر الجوية من الضغوط على الأمن الغذائي في شرق وجنوب إفريقيا والنيجر، وأُزيل لبنان من القائمة نتيجة انخفاض حدّة العمليات العسكرية. ولكن ومع ذلك حذرت (الفاو) وبرنامج الاغذية العالمي من أن هذه المكاسب لا تزال هشة ويمكن أن تنعكس سريعا” إذا عادت الصدمات.
ما مفهوم الأمن الغذائي ؟
إن مفهوم الأمن الغذائي مرتبط بالأمن الصحي والاجتماعي، التي يجب أن يتمتع بها جميع الناس، مع امكانية الوصول إلى الإكتفاء المادي والاجتماعي والاقتصادي إلى ما يكفي من تأمين الغذاء اللازم والآمن الذي يلبي الاحتياجات الغذائية السليمة والصحية من أجل حياة نشطة وخالية من الأمراض.
5 مراحل تسبق المستوى الكارثي من الجوع
إن المعيار العالمي لقياس انعدام الأمن الغذائي حسب تعريف “برنامج الأغذية العالمي” هو التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو 5 مراحل، هي:
1.لا مشكلة/الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي ( المرحلة الأولى من التصنيف المرحلي المتكامل للغذاء).
في هذه المرحلة يستطيع الناس تلبية احتياجاتهم الأساسية وغير الغذائية دون الإنخراط في تدابير غير معتادة وغير مستدامة للحصول على الغذاء والدخل.
2.مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد “الضغط” (المرحلة الثانية من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي).
في هذه المرحلة يحصل الأشخاص على الحد الأدنى من الاستهلاك الغذائي المناسب، بينما يُحَمّلهم تكلفة بعض المواد غير الغذائية الأساسية، دون الانخراط في تدابير للتكيّف مع الضغوط، ولديهم دخل غير منتظم مع مواجهتهم لبعض الصعوبات في تلبية احتياجاتهم الأساسية.
3.انعدام الأمن الغذائي الحاد ” الأزمة” ( المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي).
في هذه المرحلة تواجه الأسر إما نقصا” في استهلاك الغذاء إلى جانب سوء التغذية الحاد، أو تلبي حاجياتها الغذائية من خلال اللجوء إلى تدابير للتكيّف مع الأزمات، مثلا” عبر بيع أصول سبل العيش الأساسية.
4.انعدام الأمن الغذائي الحاد “الطارىء” ( المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي).
في هذه المرحلة تواجه الأسر نقصا” كبيرا” في استهلاك الغذاء إلى جانب معدلات سوء التغذية حادة و مرتفعة للغاية مما سبب في وفاة أعداد كبيرة.
5.الكارثة أو المجاعة ( المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي).
هذه المرحلة هي الأخطر في التصنيف، وتعني أشد مراحل المجاعة، حيث تفتقر الأسر كليا” إلى امكانية الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى، حيث يُصبح الجوع والعوز وسوء التغذية الحاد واضح للعيان ، كما هي الحال في السودان نتيجة الحرب، ولسكان قطاع غزّة في ظل الحصار والابادة الجماعية.
الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى حالة انعدام الأمن الغذائي عديدة، أهمها:
-النزاعات والحروب، التي تشكل العامل الرئيسي وراء انعدام الغذائي وتلحق الضرر بحوالي 140 مليون شخص في أكثر من 20 بلدا” وإقليما”، حيث تؤدي النزاعات إلى حالات نزوح السكان وتدمير البنى التحتية الزراعية، مما يعيق من عملية الانتاج والتوزيع الغذائي.
-التغيّر المناخي والكوارث الطبيعية، كالجفاف والفيضانات التي تؤثر بشكل كبير على الإنتاج الزارعي، وتسبب خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية، الذي يؤثر بدوره على نقص الغذاء.
-الأزمات الاقتصادية، التي تؤدي إلى التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، حيث أدت الانهيارات الاقتصادية إلى حدوث حالة جوع في 15 بلدا”، مما أثر على 59.4 ملايين شخص. وهذا وتعود كبرى أزمات الأمن الغذائي إلى الأزمات الاقتصادية الحادة، ومن الدول التي شملها التقييم الأممي : افغانستان، سوريا، جنوب السودان واليمن، وأيضا” لبنان الذي لم يُذكر في التقرير، شهد هذا النوع من الأزمات والتي استفحلت منذ انتفاضة 17 تشرين الأول/اكتوبر 2019 وما زالت تداعيات لتاريخ اليوم.
-سياسات الفساد والهدر للموارد، وعدم تلبية البلدان المعنية حاجات القطاعات الانتاجية وفي مقدمتها القطاع الزراعي الأهمية اللازمة، من تمويل وتجهيز وتسويق المنتجات الزراعية ووضع استراتيجيات علمية حديثة….
خطوات وإجراءات لمعالجة أزمة انعدام الأمن الغذائي وانقاذ “بؤر الجوع”
بما أن معدلات انعدام الأمن الغذائي وصلت إلى مستويات قياسية، نظرا” للمسببات التي ذُكرت أعلاه، إضافة إلى الانخفاض العالمي للتمويل، مع ضعف الأداء السياسي والاقتصادي للبلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي . لذا أصبح من المُلّح كسر هذه الحلقة التي تؤدي إلى ارتفاع مستويات الفقر وسوء التغذية، من خلال اتخاذ خطوات جرئية واجراءات سريعة للوصول لحلول تحمي الأفراد من هذه الآفة الاجتماعية-الإنسانية ، فليس مقبولا” في عصرنا اليوم الذي أوجدت فيه كل عناصر التكنولوجيا الحديثة والمعرفة ووفرة الموارد لرفاهية الإنسان، أن نرى ملايين الاشخاص معظمهم من الأطفال يموتون جوعا”، وفلسطين والسودان مثال حيّ على هذه الكارثة الانسانية. أما الخطوات والإجراءات التي يجب اتخاذها هي:
– إنهاء الحروب والنزاعات لما لها من تداعيات ليس على اقتصاديات الدول فحسب، بل على حياة الأفراد.
– معالجة أزمات التغييّر المناخي والتخفيف من آثارها على الأمن الغذائي.
– التعاون بين القطاع العام والخاص من أجل تعزيز الأمن الغذائي.
– التعاون مع المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بالأمن الغذائي والشان الاقتصادي لما تقدمه من مساعدات وتمويل برامج تنموية ودعم في هذا المجال.
– دعم الإنتاج الزراعي المحلي وتحسين انتاجه من خلال زيادة الاستثمار في هذا القطاع، مع تطوير تقنيات الإنتاج الزارعي، ربطا” بدعم البحث العلمي المتعلق في المجال الزراعي.
– تحسين سلاسل الامداد من خلال تحسين البنى التحتية للطرق والموانىء لتسهيل عملية نقل وتخزين المواد الغذائية.
– تعزيز القدرة الشرائية للأفراد، وتوفير فرص عمل للحد من البطالة، واعتماد السلّة الغذائية للأسر الأكثر احتياجا”، مع توفير شبكة أمان اجتماعي للتخفيف والحد من تأثيرات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
توازيا”، توصي الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية “بالاستثمار في النظم الغذائية المحلية وخدمات التغذية المتكاملة من أجل معالجة نقاط الضعف الطويلة الأجل وبناء القدرة على الصمود في وجه الصدمات، خاصة في المناطق المُعرّضة للأزمات حيث تعتمد 70% من الأسر التي تعيش في الأرياف على الزراعة كمكسب للرزق”.
من جانب آخر، يؤكد تقرير “بؤر الجوع الساخنة”، أهمية مواصلة الاستثمار في الاجراءات الإنسانية المبكرة، إذ إن التدخلات الاستباقية تنقذ الأرواح وتقلل من الفجوات الغذائية وتحمي الأصول وسبل العيش بتكلفة أقل بكثير من التدخلات المتأخرة. هذا على الصعيد العالمي.
أما على الصعيد العربي، وفي الوقت الذي يتطلب من الحكومات العربية اتخاذ إجراءات طارئة أقلّه للحد من أزمة انعدام الأمن الغذائي التي تفتك بالأفراد وخاصة الأطفال، إن كان بالضغط لوقف الحرب والتجويع في السودان وغزة، أو من خلال معالجة الأزمات الأخرى، كأزمة المناخ عبر وضع استراتيجيات وبرامج تنموية عربية، تشمل زيادة الانتاج الزراعي بين الدول العربية وتطوير السياسات المحلية لتعزيز القطاع الزراعي. يشعر المرء بالخزي والعار عندما يرى أطفال السودان يعانون انعدام الأمن الغذائي في بلدٍ قيل عنه أنه “سلة الغذاء العالمي”، واطفال غزّة يموتون جوعا” نتيجة الحصار ومنع وصول المواد الغذائية إلى القطاع، في ظل صمت وتواطؤ النظام العربي وعدم اتخاذه أية اجراءات لحماية الآلاف من الناس من آفة الجوع. وهنا نستذكر قول لعمر عبد العزيز : ” أنثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يُقال جاع طير في بلاد العرب”! فأين الدول العربية التي تعوم على ثروات هائلة وتنعم بغنى الموارد من هذا القول؟؟؟
في المحصلة، إن أزمة انعدام الأمن الغذائي أصبحت تُشكل تحديا” كبيرا” للملايين، وإن استمرار النزاعات واالحروب، والصدمات الناجمة عن التغير المناخي وأزمة والمياه وغيرها من التحديات، ستؤدي إلى زيادة أزمة انعدام الأمن الغذائي وتدفع المزيد من الناس إلى الجوع المُدقع. وبحلول 2030، وحسب تقديرات البنك الدولي، أن 670 مليون شخص سيعاني من الجوع في جميع أنحاء العالم. أمام هذه الأرقام المخيفة، الا يستدعي ذلك دق ناقوس الخطر، واستدراك هذه الكارثة الإنسانية وتداعياتها على المجتمعات؟؟؟؟
المصادر:
1:https://www.fao.org/…/fao-and-wfp-early-warning…/ar
2: https://www.unhcr.org/…/acute-food-insecurity-and…