تحقيقات وتقارير

سؤال ما بعد «الإقصاء والتجريف» في الأردن: من يملأ الفراغ بعد الإسلام السياسي؟

سؤال ما بعد «الإقصاء والتجريف» في الأردن: من يملأ الفراغ بعد الإسلام السياسي؟

بسام البدارين

عمان ـ : يتسرب أكثر الانطباع بأن حزمة الإجراءات والتشريعات والقرارات التي بدأت تتخذها الحكومة الأردنية جزئيا في ملف التيار الإسلامي تتجاوز ما قيل ويقال عن الجماعة المحظورة بموجب قرار إداري استند إلى آخر قضائي باتجاه إعادة رسم خريطة القوى المحلية بعيدا عن الإسلام السياسي في كل تعبيراته وقنواته.
ذلك واضح في الخطاب الذي ارتبط بالمسوغات الخلفية لتعديل قانون البلديات.
وواضح في الحرص على تضييق هوامش المناورة والمبادرة أمام حزب جبهة العمل الإسلامي باعتباره المؤسسة الوحيدة المسموح لها بالتحرك الآن ضمن فضاء الترخيص والشرعية القانونية من دون طبعا ضمانات باستمرار ذلك مستقبلا.
الأوضح في الواقع هو ما بذل من جهود ونشاط لإخراج ممثلي الإسلام السياسي من معادلة النقابات المهنية والجمعيات الخيرية خلافا لمؤسسات المجتمع المدني الأخرى.
يمثل الهدف الذي تعمل عليه الحكومة والمؤسسات الرسمية الآن تحديا غير متوقع من طراز خاص حيث لا جواب بعد على سؤالين.
السؤال الأول: من هي القوة البديلة في المجتمع الحزبي والخيري والسياسي التي يتأمل جناح التأزيم ضد الإسلاميين أن تملأ الفراغ في الواقع الموضوعي؟
السؤال الثاني: كيف يتخيل عقل الدولة المشهد السياسي والبلدي والحزبي والبرلماني بدون الإسلام السياسي؟
طبعا سؤالان في غاية الأهمية.
والإجابة عليهما ضرورية ليس لأغراض تأطير وتنميط المشهد السياسي عموما، ولكن لأغراض العبور بالأجندة القانونية التي تستهدف إقصاء مكونات الإسلام السياسي إلى أبعد مسافة ممكنة عن التأثير في عمق المجتمع بأقل كلفة ممكنة.
لذلك يمكن استنساخ سؤال ثالث مهم: ما هو الحد الأدنى المقبول من الكلفة الناتجة عن مرحلة ما بعد تقليم أظافر التيار الإسلامي؟
كثيرون على المستوى النخبوي لا يرغبون لا بطرح السؤال ولا الإجابة عليه. لكن ذلك لا يعني أنه ليس مطروحا بقوة الواقع الموضوعي، فإكمال إجراءات الإقصاء على نحو جذري وعميق لتعبيرات الإسلام السياسي قد يؤشر على الفراغ أو ينتج عنه خلل ما في معادلة أمن المجتمع. والتشدد فيه إذا ما تركت الشرائح الاجتماعية التي تميل للإسلام السياسي بدون تمثيل أو واجهة أو حزب وعنوان حيث يتوقع بيروقراطيا أن لا تقبل السلطات في مرحلة متأخرة بمجازفات في هذه المساحة.
عمليا التساؤلات تصبح أكثر إلحاحا، لأن البديل الذي يملأ الفراغ في الساحة السياسية والاجتماعية والحزبية ليس جاهزا بعد.
ولا يبدو أنه في طور الجاهزية قريبا، حيث خيارات التيارات المدنية واليسار الحزبي والقومي وجبهة أحزاب الوسط لا تزال متعثرة وغير مقنعة اجتماعيا، خلافا لأن هذه التيارات مجتمعة أخفقت تماما في الانتخابات الأخيرة في تجاوز الإسلاميين عندما تعلق الأمر بمقاعد القائمة الحزبية العامة.
أحزاب الوسط مشغولة بمشاكلها الإدارية والنخبوية والمالية والتيارات الحزبية اليسارية أو الليبرالية منقسمة على ذاتها ولا تصلح لوراثة كرسي التأثير الاجتماعي الذي توارثه الإسلاميون منذ 6 عقود على الأقل.
بعض التكهنات والتوقعات بدأت تقترح دعم وإسناد والنفخ في تجربة التيارات المدنية مجددا باعتبارها لم تجرب سابقا. والأقدر على تعويض الفاقد إذا ما حظيت بالمساعدة من صديق.
لكن على مستوى الأطر المحافظة نخبويا وبيروقراطيا الخصومة مع التيارات المدنية لا تقل أهمية عن الخصومة مع التيارات الإسلامية.
لذلك عموما يبدو التمكن من تجهيز بدائل وسطية أو مدنية أو حتى يسارية تملأ الفراغ إذا ما استرسلت مسارات تقويض الإسلام السياسي وإبعاده مهمة قد تكون الأصعب في ظل الوقائع الموضوعية، لا بل تحتاج إلى إعادة بناء ووقت طويل وتنشيط وتفعيل الجزء المتعلق بالبرامج في تجربة ومسار التحديث السياسي وحصرا في الأحزاب الوسطية. وحتى إن تمكنت السلطة من تغذية وتسمين بعض التجارب في العنوان المدني أو الليبرالي أو القومي أو اليساري، ستبقى الحاجة ملحة جدا لتعبيرات إسلامية وسطية أكثر اعتدالا لا تختلف واقعيا عندما يتعلق الأمر بالتشريع والسلوك المحافظ والتدين عن الجماعات التي تحظر أو يمكن حظرها، الأمر الذي يضيف صعوبات وتعقيدات على أي طبخة سياسية عنوانها تجنب تداعيات الفراغ.
مؤخرا أظهر الإسلاميون الذين يعتبرون أنفسهم قيد الاستهداف ميلا للتنويع في بعض الخيارات، ومن بين السيناريوهات اللجوء في قضايا الاعتقال مثلا إلى الواجهة المناطقية والعشائرية كما حصل مع القيادي الموقوف أحمد الزرقان. ومن بينها أيضا التشبيك مع الملتقيات والشخصيات الوطنية بما في ذلك الأحزاب التي تقول إنها حوربت لكي تبقى خارج الرخصة القانونية مثل حزب الشراكة والإنقاذ، فيما تبقى خبرات الإسلاميين حتى بعد حظرهم في الاستقطاب والتشبيك والتواصل هنا وهناك مسألة ليس من السهل تجاهلها أو تجاوزها خلافا لخبراتهم في الطبخ الانتخابي حيث حصلوا في آخر انتخابات قبل حظر تعبيرهم الأهم على نحو 480 ألف صوت شكلت رافعة لجلوس التيار على 31 مقعدا في البرلمان.

«القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب