مقالات

الموقف الدولي من الحرب على إيران  بقلم الدكتور يوسف مكي

بقلم الدكتور يوسف مكي

الموقف الدولي من الحرب على إيران
 بقلم الدكتور يوسف مكي
في الشهر الماضي، وتحديدا في الثالث عشر من حزيران/ يونيو شنت إسرائيل هجوما مفاجئا على إيران، ذهب ضحيته عدد كبير من المسؤولين. لكن قيادة الجمهورية الإسلامية، ردت بسرعة على الهجوم الإسرائيلي، واستمرت الحرب لمدة اثني عشر يوميا، توقفت بعدها بوساطة قطرية.
لا يهدف هذا الحديث، لمناقشة ما جرى من أحداث، فقد تناولناها في حديثين سابقين. إن الهدف من هذه القراءة، هو مناقشة ردود فعل الحكومات على المستوى الدولي، ولن نتعرض لموقف الدول العربية، التي أجمعت على إدانة العدوان، منذ لحظاته الأولى.
الموقف الأمريكي، كان مساندا للحرب على إيران، منذ البداية، بل إن هناك من يذهب بالقول أن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد منحت الضوء الأخضر لانطلاقه. وهناك من يقول بأكثر من ذلك، فيؤكد على الشراكة الأمريكية في العدوان، مستندا إلى محدودية قدرة الطيران الإسرائيلي، على الطيران، بما يتجاوز الألفين كيلو مترا، دون التزود بالوقود، أثناء التحليق بالجو.
يذكر في هذا السياق، أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لا تملك سوى طائرتين، قادرتين على تزويد الطائرات المهاجمة بالوقود، وأن إسرائيل استخدمت في هجومها عشرات الطائرات، بما يعني أن الأمريكيين قد شاركوا عمليا بتزويد الطائرات المهاجمة بالوقود، أثناء توجهها إلى طهران. إن ذلك إذا صح، يعني مشاركة أمريكية فعلية بالهجوم.
وإذا ما اتجهنا إلى القارة الأوروبية، نجد أن ألمانيا، كانت من أكثر المؤيدين للحرب على إيران. ويبدو ذلك مفهوما، فالحكومات الألمانية المتعاقبة، منذ إلحاق الهزيمة ببلادهم في الحرب العالمية الثانية، ظلوا محكومين بعقدة الهلوكست، التي استثمرها الإسرائيليون بذكاء، وكسبوا من ورائها، مئات الألوف من مليارات الدولارات، كتعويض عما جرى لليهود على يد النازية.
الغريب أن الاتحاد السوفييتي، خسر في تلك الحرب، قرابة سبعة وعشرين مليونا من البشر، ولم ينل حظوة التعويض بالطريقة التي حظيت بها إسرائيل، الدولة التي لم يكن لها وجود أثناء تلك الحرب، ولم يجر تفويضها من قبل اليهود المنتشرين على بقاع الكرة الأرضية، بأن تكون الجهة المستحقة للتعويض. لكن تهمة معاداة السامية المعلبة، جاهزة، ضد كل من يتجرأ على مناقشة مدى استحقاق الكيان الوليد، للتعويضات.
الموقف البريطاني، ليس بحاجة إلى كثير عناء، لتحديده، فمشروع قيام دولة يهودية على أرض فلسطين، انطلق بالأساس، من وعد بلفور عام 1917، وكانت اتفاقية سايكس- بيكو، قد وضعت البلاد تحت الانتداب البريطاني، وتمت الهجرات اليهودية الاولى لها، بتشجيع ورعاية بريطانية. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبفعل تضعضع الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، باتت الحكومات البريطانية، في مجمل سياساتها الخارجية، مجرد تابع لليانكي الأمريكي.
الموقف الفرنسي، أقل صخبا، من موقف أمريكا وبريطانيا، ويظل حريصا على استمرار مصالحه في إيران، وعموم المنطقة، لكنه تجنب الإدانة الصريحة والواضحة للعدوان، وآثر التمسك بالمقولة الشهيرة، “دعوة مختلف الاطراف إلى ضبط النفس”، وهو قول لا يسمن ولا يغني عن جوع.
بقي أن نتجه إلى الشرق، إلى روسيا والصين، وكلاهما دول كبرى، تحظى بعضوية دائمة بمجلس الأمن الدولي، وبالحق في استخدام الفيتو. وكلا الدولتين تتنافسان، مع الدول الكبرى، في امتلاك السلاح النووي.
روسيا الاتحادية، أدانت العدوان بشكل صريح، سواء في إعلامها أو أثناء انعقاد اجتماع مجلس الأمن الدولي، لكنها لم تقدم ما هو أبعد من ذلك. ويتحدث بعض مناصرو طهران، إلى أنها لم تقدم المدفعيات المضادة للطائرات، التي كان من شأنها حماية الأجواء الإيرانية. وفي هذا الصدد، يشير بعض المراقبين إلى أن وجود ما يقرب من مليوني إسرائيلي، من أصول روسية، كان السبب في الموقف السلبي لفلاديمير بوتين من الحرب على إيران. وهناك سبب أخر، يذكر هو انشغال بلاده بالحرب على أوكرانيا، فيما أطلق عليه بالعملية العسكرية الخاصة.
في مقابل ذلك، يشير أخرون، إلى أن روسيا، هي من انذرت إيران بالهجوم الإسرائيلي، وأنها استمرت طيلة فترة الحرب، باستخدام أقمارها الصناعية، لتوفير معلومات دقيقة للحكومة الإيرانية.
المنتقدون لسياسة بوتين، السلبية تجاه الحرب على إيران، يذكرون، أن التعلل بوجود مليوني إسرائيلي، من أصول روسية، غير منطقي، لأن ما بين 35 إلى 40 في المائة من سكان روسيا، هم من المسلمين، وغالبيتهم يتعاطفون مع إيران في الحرب التي شنتها إسرائيل بحقها. ويذكرون بوتين، بأن إيران وقفت معه بالكامل، في حربه ضد أوكرانيا، وقدمت له الصواريخ البلاستية، والمسيرات المتقدمة.
بقي أن نشير إلى الصين الشعبية، التي أدانت الحرب على إيران، بشكل واضح وصريح. ليس ذلك فحسب، بل إنها، حسب ما ذكرت بعض وكالات الأنباء، أعربت عن استعدادها لتقديم ما تحتاجه إيران، من طائرات عسكرية متقدمة. ويشار في هذا السياق، إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عرقجي، وما تمخضت عنه، من وعود صينية، بتقديم ما تحتاجه إيران من طائرات عسكرية، وصواريخ متقدمة، لحماية أجوائها.
خلاصة القول، إن الحرب على إيران، قد كشفت بشكل لا يقبل الشك، أننا لا نزال بعيدين عن مرحلة التعددية القطبية، وأن أمريكا لا تزال تتحكم بأكثر أوراق اللعبة. إن ترصين العلاقات الدولية، يتطلب الانتقال من هذه المرحلة، إلى مرحلة تعدد الأقطاب، ضمانا لسلام حقيقي للبشرية جمعاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب