تحقيقات وتقارير

خسائر إسرائيل الاستراتيجية تتكشّف: إيران أكثر إصراراً على المواجهة

خسائر إسرائيل الاستراتيجية تتكشّف: إيران أكثر إصراراً على المواجهة

تكشف الضربات الإيرانية دقة متزايدة في إصابة المنشآت العسكرية الإسرائيلية وتفضح هشاشة الردع، وسط تصاعد الدعم الشعبي لمحور المقاومة.

ريم هاني

يتّضح، يوماً بعد يوم، أنّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي وضع حداً للضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل لا يزال هشاً إلى حدّ كبير، خصوصاً في ظل ترقّب الطرفين حصول تصعيد عسكري «على المدى المنظور». وبالتوازي مع ذلك، تكشّف، شيئاً فشيئاً، ما يصفه مراقبون غربيون بـ«مكاسب» طهران، «والنقاط» التي حقّقتها في الجولة الأخيرة من الحرب، على الرغم من التكتّم الإسرائيلي الواسع النطاق في هذا الصدد.

وبالحديث عن مستقبل وقف إطلاق النار، أفاد موقع «أكسيوس»، نقلاً عن مصادر، بأنّ كبير مستشاري نتنياهو، رون ديرمر، أبلغ مسؤولين بأنّه عاد من زيارته الأخيرة إلى واشنطن «مع انطباع بأن إدارة دونالد ترامب ستدعم ضربات إسرائيلية جديدة على إيران في ظروف معيّنة». ووفقاً للمصادر، فإن أحد السيناريوات الذي سيتطلّب تحركاً إسرائيلياً سيكون محاولة طهران «إزالة اليورانيوم العالي التخصيب داخل المنشآت المتضررة في فوردو ونطنز وأصفهان»، أو «بدء الإيرانيين في إعادة بناء برنامجهم النووي، وخاصة منشآت التخصيب»، بحسب الموقع.

على أن «التأهّب» الإسرائيلي يقترن بتحليلات متزايدة عن أنّ وضع إيران بعد الحرب هو على «نقيض» ما كانت ترنو إليه إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتّحدة. وفي هذا السياق، يرد في تقرير نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأميركية أنّه «وبدلاً من الانهيار تحت وطأة الصدمة، يبدو أن الجمهورية الإسلامية اكتسبت (فرصة جديدة للحياة)، بعدما تسبّبت الضربات في حشد الإيرانيين حول (علَمِهم)، وإدانتهم لها، واحتفالهم بردّ الحكومة». وعلى الرغم من أنّ النظام الإيراني نعى العديد من مسؤوليه، إلا أنّه سارع إلى استبدالهم. وعلى هذا النحو، جعلت العمليات الأخيرة، طبقاً للمصدر نفسه، الأمة الإيرانية «أكثر تماسكاً وعزّزت قبضة الحرس الثوري الإيراني».

كذلك، فإن استراتيجية الأمن القومي الإيرانية «لم تتغيّر إلى حدّ بعيد»؛ إذ إنّه وعلى الرغم من أنّ الجمهورية الإسلامية قد أصبحت «أضعف في بعض النواحي»، إلا أنّ قادتها فخورون بصمودهم في وجه الاعتداءات الإسرائيلية والأميركية، وهم يرون أن الأضرار الجسيمة التي ألحقوها بالمدن الإسرائيلية بمثابة «إنجاز كبير». كما أنهم يعتقدون بـ«أن إظهار التصميم في مواجهة العدوان هو السبيل الوحيد لردع خصومهم».

وعليه، سيشرع الزعماء الإيرانيون «في إعادة بناء شبكة وكلائهم، أو ما يُسمى بمحور المقاومة»، بالتزامن مع تراجع ثقتهم بـ«الدبلوماسية» أكثر من ذي قبل. وبدلاً من اللجوء إلى الأخيرة، فإن صنّاع السياسة الإيرانيين سوف يضعون الحجر الأساس لحرب استنزاف طويلة مع إسرائيل، «واحتمال اندلاع هجوم نووي» حتى.

ويردف التقرير: «في البداية، افترض العديد من الإيرانيين العاديين أن الصراع سيكون عبارة عن مواجهة قصيرة بين حكومتين من غير المرجّح أن تؤثّر عليهم. ولكن مع تكثيف الضربات، التي استهدفت البنية التحتية وقتلت المواطنين العاديين، بدأ العديد من الإيرانيين يستنتجون أن الهجمات لم تكن مجرد حرب ضد النظام، بل حرباً ضد الأمة نفسها.

وتفاقمت هذه المشاعر بعدما حثّ ترامب والمسؤولون الإسرائيليون سكان طهران على إخلاء منازلهم». وتستشهد المجلة بحديث لأحد سكان طهران مع صحيفة «فايننشال تايمز»، جاء فيه: «ترامب ونتنياهو يطلبان (إخلاء) طهران وكأنهما يهتمان بصحتنا. كيف يمكن إخلاء مدينة يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة؟ أنا وزوجي لن نمهّد الطريق لهم. وليقتلونا».

يتوقّع كثيرون في طهران «انهيار» وقف إطلاق النار الهش في أي لحظة

وعليه، وبدلاً من إثارة الغضب الشعبي تجاه الدولة الإيرانية، أدّت الهجمات إلى صعود النزعة القومية. وعقب صمود الجمهورية الإسلامية في وجه الهجوم الإسرائيلي والرد بصواريخ باليستية خاصة بها، لاقى رد النظام ترحيباً من جانب الكتّاب والفنانين والمغنّين الإيرانيين، وكثير منهم عادة ما يكونون غير سياسيين أو معارضين للحكومة. وشبّه المعلّقون الإيرانيون من مختلف الأطياف السياسية الهجوم الإسرائيلي بغزو ألمانيا النازية للاتحاد السوفياتي عام 1941، واصفين الصراع بأنه حرب وطنية إيرانية، أي «صراع وطني يتجاوز السياسة». حتى إنّ بعض المنشقّين القدامى والسجناء السياسيين السابقين انضموا إلى تلك الأصوات.

من هنا، من المرجّح أن تبني الحكومة الإيرانية على ما تقدّم لـ«تسريع عسكرة البلاد استعداداً لصراع مستمر»، ولا سيما من خلال توجيه الموارد إلى الحرس الثوري الإيراني وغيره من القوات المسلحة وأجهزة الأمن، خاصة أن كثيرين في طهران «يتوقّعون انهيار وقف إطلاق النار الهش في أي لحظة». وطبقاً لأصحاب هذا الرأي، لا يزال بمقدور إيران أيضاً التطلّع إلى «إعادة تشكيل محور المقاومة من خلال إعادة بناء حزب الله كقوة صغيرة أكثر مرونة وأقرب إلى شكله الأصلي»، بما في ذلك من خلال «استمرار تزويد الجماعة بقدرات صاروخية متقدّمة». وفي سوريا، ستحاول طهران الاستفادة من فراغ السلطة الحالي من خلال تمكين الجماعات المسلحة الشعبية، وإن لم تكن مثل تلك المهمات «سهلة».

يُضاف إلى ما تقدّم، كسب إيران وضرباتها الصاروخية على الأراضي الإسرائيلية «الإعجاب في أوساط العديد من السكان العرب»، بعدما «أدّت الحرب في غزة إلى تأجيج الغضب الواسع النطاق تجاه إسرائيل في مختلف أنحاء المنطقة».

وفي خضمّ «قمع» العدو الإسرائيلي لأي جهات تحاول الكشف بدقّة عن الأضرار التي خلّفتها الضربات الإيرانية في الداخل الإسرائيلي، تورد العديد من المصادر الغربية، تباعاً، معطيات حول تلك الضربات. وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة «التلغراف» البريطانية تقريراً جاء فيه أنّ الصواريخ الإيرانية أصابت على ما يبدو، بشكل مباشر، «خمس منشآت عسكرية إسرائيلية خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً»، وفقاً لبيانات الرادار التي اطّلعت عليها الصحيفة، مشيرةً إلى أن «السلطات الإسرائيلية لم تعلن عن هذه الضربات، فيما لا يمكن الإبلاغ عنها من داخل البلاد بسبب قوانين الرقابة العسكرية الصارمة».

وتمّت مشاركة البيانات الجديدة مع الصحيفة من قبل أكاديميين أميركيين في جامعة ولاية أوريغون، متخصّصين في استخدام بيانات رادار الأقمار الصناعية للكشف عن أضرار القنابل في مناطق الحرب. وتشير التقارير إلى أن خمس منشآت عسكرية لم يتم الإبلاغ عنها من قبل، تعرّضت لقصف بستة صواريخ إيرانية في شمال إسرائيل وجنوبها ووسطها، بما في ذلك «قاعدة جوية رئيسية ومركز لجمع المعلومات الاستخباراتية وقاعدة لوجستية».

وطبقاً لتحليلات أجرتها الصحيفة، «وفي حين تمّ اعتراض الغالبية العظمى من الصواريخ الإيرانية، فإن النسبة التي نجحت في العبور نمت بشكل مطّرد في الأيام الثمانية الأولى من الحرب»، فيما يوضح الخبراء أنّ الأسباب الكامنة خلف ذلك لا تزال «غير واضحة»، ولكنها قد تشمل «تَقنين مخزونٍ محدود من الصواريخ الاعتراضية من الجانب الإسرائيلي، جنباً إلى جنب تحسين تكتيكات إطلاق النار الإيرانية، واستخدام صواريخ أكثر تطوراً».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب