مقالات

«موراغ» كلمةَ سرٍّ إسرائيليةً جديدة: العدو متمسّك بهدف التهجير

«موراغ» كلمةَ سرٍّ إسرائيليةً جديدة: العدو متمسّك بهدف التهجير

الهدنة في غزة تراوح مكانها وسط تصميم إسرائيلي على التهجير، ومفاوضات الدوحة تُستخدم غطاءً لاستكمال مشروع استيطاني بغطاء أميركي.

يحيى دبوق

رغم التحرّكات الديبلوماسية والمفاوضات التي تُدار برعاية أميركية ووساطة أطراف إقليمية، والوعود والأفكار التي تُطرح على الطاولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، لا يبدو إلى الآن أن ثمة تغييراً جوهرياً في المقاربة الإسرائيلية لمسار الحرب، التي تستمرّ في حصد أرواح الفلسطينيين، بينما تبقى الوعود بإنهائها مجرّد تصريحات تفتقر إلى الإرادة الحقيقية. أما الاتفاقات التي يجري التفاوض في شأنها في الدوحة، فحتى إن جرى التوصل إليها، لن تكون سوى هدنة مؤقتة، خصوصاً أن التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وأعضاء حكومته، أظهرت نية واضحة لإعادة استئناف القتال بعد انتهاء مدة الـ60 يوماً.

كما إن الخطاب السياسي الإسرائيلي حول تهجير السكان الفلسطينيين عاد ليتصاعد تحت مسميات «إنسانية»، من مثل إعادة تجميع الغزيين في منطقة رفح جنوبي القطاع لمنع إيذائهم، وهو ما يؤكد أن هدف العدو لم يعد تحقيق «نصر إستراتيجي» على حركة «حماس» فقط، بل إعادة تشكيل الواقع السكاني لخدمة أجندة استيطانية عنوانها محو الوجود الفلسطيني نفسه.

وبحسب ما يتسرّب من الدوحة، فإن العقبات أمام التوصل إلى تسوية دائمة ما تزال كبيرة جداً، متشعّبة ومتداخلة. إذ إن نتنياهو لا يفتأ يعمل على تأمين مسار يتيح استنئاف القتال بعد الـ60 يوماً، في حين يضغط حلفاؤه من اليمين المتطرّف في الائتلاف الحكومي نحو تصعيد سياسات الترحيل القسري، وهو ما لا يمانعه رئيس الحكومة أصلاً. وفي المقابل، تتمسّك حركة «حماس» بموقفها الرافض تقديم تنازلات من دون ضمانات واضحة وملزمة لإسرائيل، تحول دون عودة الحرب. أما العامل الأكثر تأثيراً، فهو الجهود الأميركية غير الكافية حتى اليوم لإحداث اختراق حقيقي، وهو ما يثير تساؤلات حول جدية واشنطن في مسعاها لإيجاد تسوية شاملة، ويطرح إمكانية الاكتفاء بإنجاز مؤقت رمزي، على نحو ما يجري العمل عليه حالياً في الدوحة.

وفي خضم ذلك، تكاد جميع الإشارات الواردة من تل أبيب ومن واشنطن، ومن الميدان أيضاً، تشي بأن التهجير هو وجهة إسرائيل وهدفها الرئيسي في هذه المرحلة. إذ ثمة تصميم وعمل واضحان على إعادة توزيع السكّان في غزة، وحشرهم في مناطق محدّدة (رفح) تحت مسمّى «المدينة الإنسانية»، وهو ما يعدّ جزءاً من إستراتيجية ممنهجة، تلقى الدعم الكامل من الحكومة الإسرائيلية بتركيباتها المختلفة للوصول إلى واقع جديد عنوانه: ضمّ القطاع بلا سكانه.

تثير الجهود الأميركية المتلكّئة تساؤلات حول جدية واشنطن في إيجاد تسوية شاملة

والواقع أن هذا المشروع لا يلقى ممانعة أميركية، بل ربما يجد دعماً وتحفيزاً، خصوصاً أن فكرة نقل الفلسطينيين إلى خارج غزة، جاهر بها أولاً الرئيس دونالد ترامب به بعد دخوله إلى البيت الأبيض. وهكذا، يَظهر عبر طبيعة المفاوضات الجارية وتركيزها على الحلول الرمزية والمؤقتة، أن هناك توجّهاً أميركياً – إسرائيلياً لاستخدامها غطاء لمواصلة تنفيذ سياسات استيطانية وتهجيرية، بحيث تتحوّل الهدنة إلى مدة لتحسين الأوضاع وإعادة التموضع، وتسهيل المهمة الأكبر المتمثلة بالتهجير.

وعلى هذه الخلفية، يرفض نتنياهو أي حديث عن إيقاف الحرب أو فتح مسار ما لإنهائها، كون استمرارها هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق هدف التهجير، إن لم يكن إلى خارج القطاع، فإلى «المدينة الإنسانية» المزعومة، والتي يُفترض أن يبدأ منها الترحيل «الطوعي». ولعلّ ذلك هو ما يفسّر تمسّك إسرائيل بمحور «موراغ» (ممر صوفيا إلى الجنوب من خانيونس)، الذي يعدّ العقبة الرئيسية الآن أمام التوصل إلى اتفاق هدنة مؤقتة؛ بالنظر إلى أن المساحة الضيقة بين محورَي «موراغ» و«فيلادلفيا» هي التي يقصدها الإسرائيليون عندما يتحدثون عن «المدينة الإنسانية». وفي هذا «تكتيك» يتيح لهم السيطرة على بقية مناطق القطاع تحت ذريعة الأمن، ليُصار لاحقاً إلى ضمها أو استخدامها لأغراض استيطانية وعسكرية.

مع ذلك، بدا لافتاً إصرار ترامب، خلال استقباله نتنياهو في واشنطن، على أن «حماس» تريد وقفاً لإطلاق النار، في تقييم يؤشّر إلى تفاؤل شخصي أو ضغوط أميركية يرى أنها ستؤدي إلى اتفاق قريب، ما يعني ترجيح هذه الفرضية الأخيرة، رغم أن التجربة أثبتت مراراً أن تصريحات الرئيس الأميركي لا تعكس دائماً ما يستقرّ عليه الواقع. أما نتنياهو فتحاشى التعليق بشكل مباشر على قضية تبادل الأسرى وتعليق القتال، إلا ضمن إشارات غامضة تحتمل التفسير والتأويل، وهو ما يُظهر عدم استعداده للانخراط في اتفاق دائم.

وإذ يدور الحديث عن إمكانية توجّه المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى الدوحة للانضمام إلى المفاوضين، ففي ذلك إشارة دالة على «حلحلة» ما طرأت على المفاوضات، وإن كان ويتكوف نفسه أشار إلى وجود عقبة واحدة من أصل أربع ما تزال عالقة، وهي اشتراط إسرائيل الاحتفاظ بالسيطرة المباشرة على محور «موراغ»، الذي يمثّل نقطة خلافية حسّاسة جداً.

إلا أن الحديث عن توجّه ويتكوف إلى الدوحة، لا يعبّر عن قرار نهائي، بل عن احتمالات وترجيحات، خصوصاً أنه لا شيء تقرّر بالفعل؛ ما يعني أن الاتفاق لم ينضج بعد، ويتطلّب وقتاً إضافياً لإيجاد حلول، علماً أنه لا يتجاوز كونه اتفاقاً مؤقتاً، ولا يعني بأي حال من الأحوال إنهاء الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب