غزوة بني قريظة من خلال من كتاب نور اليقين 29 – معمر حبار

غزوة بني قريظة من خلال من كتاب نور اليقين 29 – معمر حبار
من غزوة إلى غزوة:
قال الكاتب: “ولما رجع عليه السّلام بأصحابه وأراد أن يخلع لباس الحرب أمره الله باللّحوق ببني قريظة حتى يطهر أرضه من قوم لم تعد تنفع معهم العهود ولا تربطهم المواثيق ولا يأمن المسلمون جانبهم من شدّة”. 166
أقول: لم يعرف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. الرّاحة في حياته إلى أن لقي حبيبه راضيا عنه مرضيا. وها هو صلى الله عليه وسلّم. لم تمنح له حتّى فرصة “أن يخلع لباس الحرب”. وأمر باستئناف حرب أخرى لا تقلّ ضراوة عن غزوة الأحزاب. وما كان له صلى الله عليه وسلّم. إلاّ أن يمتثل لأمر ربّه وينطلق من جديد، ودون أن يرتاح من حربه السّابقة ليخوض حربا أخرى.
لا عهد لليهود:
أقول: من خان العهد، وتنكّر للمواثيق المبرمة. لا تمنح له فرصة، ولا وقت إضافي لكيلا يعود لخبثه ومكره. وقد ألحق أضرارا بنكث وعده. وهذا ما قام به سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. تجاه غدر اليهود.
تأخير الصلاة لأجل محارب اليهودي ناكث الوعد:
قال: “فقال لأصحابه: لا يصلين أحد منكم العصر إلاّ في بني قريظة فساروا مسرعين وتبعهم عليه السّلام راكبا على حماره”. 166
أقول: سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. أعطى أوامره بأن “لا يصلين أحد منكم العصر إلاّ في بني قريظة”. وما كان له صلى الله عليه وسلّم. أن يؤخّر الصلاة إلاّ لأمر جلل يهدّد أمن الدولة، والمجتمع. وهو في هذه الحالة نقض اليهود للعهود المبرمة مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
والأمّة مطالبة أن تتعامل مع كلّ ما يهدّد أركانها، ويهزّ قواعدها بهذه السّرعة، والقوّة التي لا ترحم. ولو تطلّب الأمر “تأخير الصلاة”. وهي العهد الفاصل بيننا وبينهم.
اليهودي: ينقض العهد ويتنكّر له له:
قال: “ولما رأى بنو قريظة جيش المسلمين ألقى الله الرعب في قلوبهم وأرادوا التنصل من فعلتهم القبيحة وهي الغدر بمن عاهدهم وقت الشغل بعدو آخر”. 167
أقول: لا يكفي اليهودي أنّه يخون العهد. ويناصر عدو المسلمين ضدّهم. وهم في حرب معه. بل يتظاهر بأنّه لم يفعل ذلك. راجيا أن ينال صفحا ويعود لمهنته التي خلق لأجلها، ويتقننها ببراعة فائقة. وهي الغدر، ونقض العهود.
المسألة -في تقديري- ليست في غدر اليهود، ونقضهم للعهود. فتلك طبيعة يعرفها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقريش، وأهل مدينة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. الذين رأوا غدرهم رأي العين، وتضرّروا منه وهو يتكرّر علانية على مدى قرون وعقود من الزّمن. والمسألة في كونهم ناصروا عدوا ضدّ المسلمين الذين تربطهم بهم عهود أن لا يكونوا ظهيرا لعدوهم. فاستغلّوا خروج جيش المسلمين، وفراغ المدينة من رجالها وجيشها. فطعنوا الظهر بقوّة، وساندوا العدو قريش. ومن هنا كانت السّرعة، والقوّة، وتأخير الصّلاة لقتالهم، ووضع حدّ لخيانتهم التي ألحقت أضرارا بالمسلمين أصحاب العهد.
حصون اليهود غير المحصّنة:
قال: “فلما رأوا ذلك تحصّنوا بحصونهم وحاصرهم المسلمون خمسا وعشرين ليلة”. 167
أقول: صدق الله العظيم حين أخبرنا عن اليهود: “لَا يُقَٰتِلُونَكُمْ جَمِيعاً اِلَّا فِے قُريٗ مُّحَصَّنَةٍ اَوْ مِنْ وَّرَآءِ جُدُرِۢۖ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٞۖ تَحْسِبُهُمْ جَمِيعاٗ وَقُلُوبُهُمْ شَتّ۪يٰۖ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٞ لَّا يَعْقِلُونَۖ “، 14. ومن يقرأ “فلما رأوا ذلك تحصّنوا بحصونهم”. يدرك صدق الله تعالى، وحقيقة اليهود.
حاصر عدوك قبل أن يحاصرك:
تكمن عظمة المسلمين في كونهم هم الذين حاصروا اليهود. ولم تمنعهم حصونهم من الحصار ولمدّة “خمسا وعشرين ليلة”. والقوّي العزيز هو الذي يحاصر عدوّه قبل أن يهان، ويحاصر من طرف عدوّه.
حصون اليهود -يومها- كانت أقوى سلاح، وتعبّر عن القوّة والمنعة. ولم تكن عرب قريش تملكه، ولا سكان المدينة من الأوس والخزرج. فكان لليهود التّفوّق العسكري. لكن المسلمين من المهاجرين والأنصار حاصروا اليهود وهم في حصونهم. ولم تمنعهم حصونهم. فانتقلوا من الانبهار بحصون اليهود، وتأسّفهم لأنّهم لا يملكونها إلى اقتحامها، ومحاصرتها، وإجبار ساكنيها على الخضوع لشروطهم. فكانت بحقّ نقلة حضارية، وعسكرية غيّرت التّاريخ فيما بعد.
رفض مطالب اليهود:
قال: “فلما رأوا أن لا مناص من الحرب، وأنهم إن استمروا على ذلك جوعا طلبوا من المسلمين أن ينزلوا على ما نزل عليه بنو النضير من الجلاء وترك السّلاح، فطلبوا أن يجلوا بأنفسهم من غير سلاح فلم يرض أيضا”. 167
أقول: لا يقبل من خائن العهد أيّ تنازل ومهما كان عظيما. لأنّ قبول تنازله قد يعينه في تكرار خيانته. واليهودي لا يٙق۟دِمۥ على تنازل إلاّ إذا عزّز خيانته، وترك له فرصة للعودة لها عاجلا غير آجل.
وتكمن عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. في رفضه لكلّ التنازلات التي قدّمها له اليهود. وهو أعلم بها وبنواياهم. فقرّر أن يفرض شروطا جديدة على اليهود لم يعهدوها من قبل، ولا طاقة لهم بردّها، ولم تكن في حسبانهم.
سيّدنا سعد يحكم في اليهود:
قال: “ولما أقبل (سعد بن معاذ) وأصحابه وهم جلوس، قال عليه السلام: قوموا إلى سيّدكم فأنزلوه. وقال له الرسول: احكم فيهم يا سعد !”. 168
أقول: لأوّل مرّة في حياتي أؤكّد هذه الملاحظة، وهي: سيّدنا سعد بن معاذ سيّد. ومنحه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقب السّيّد. وطالب أسيادنا الصحابة أن يقفوا لسيّدهم. لأنّه حكم ضدّ اليهود الخونة. وبقوّة لا ترحم، ودون تراجع. وكلّ من يواجه الصهاينة، والمحتلّ -الآن- فهو سيّد، وسيّدنا، وابن سيّدنا. وكلّ من حاربهم، وخانهم، واعتدى على أسيادنا، واستعان بالغربي المحتلّ. فهو خائن يعامل معاملة الخائن. والتي لا تقل عن معاملة سيّدنا سعد بن معاذ لليهود الذين خانوا العهد والمواثيق.
وأترك عمدا قاعدة يجوز إطلاق لفظ السّيّد على أسيادنا التي تعلّمناها في الصغر. لمن أراد الزّيادة.
قتل الرجال، وسبي النساء والذرية على كلّ يهودي خائن للعهد:
قال: “فإنّي أحكم أن تقتلوا الرجال وتسبوا النّساء والذريّة. فقال عليه السّلام: لقد حكمت فيهم حكم الله يا سعد”. 168
أقول: هذا هو الحكم المطلوب، والضّروري، والفاعل، والقاطع في حقّ كلّ يهودي -وغيره- يخون العهود المبرمة، ويتعاون مع العدو ويكون له نصيرا ضدّ المسلمين الذين تعاهد معهم أن لا يكون ظهيرا للأعداء.
الرّحمة في هذه الحالة خيانة تضاهي خيانة التّنكّر للعهود. والشّفقة في هذه الحالة جريمة تفوق جرم استعانة اليهود بالعدو قريش ضدّ المسلمين الذين عاهدوهم أن لا يطعنوهم. ومن هنا كانت عظمة سيّدنا سعد بن معاذ، وسيّدا. ومن هنا طلب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. من أسيادنا الصحابة أن “قوموا إلى سيّدكم فأنزلوه”.
فهو سيّد لأنّه حكم في اليهود الذين خانوا العهد بما يجب. ولم يتأثّر بالإصابة التي لحقته جرّاء غزوة الخندق، ولم تمنعه جرّاحة من أن يكون القويّ الشّديد الذي لا يتراجع في الحكم على يهودي خائن. والمعروف أنّ الجريح، والمصاب، والمريض يكون -عادة-متسامحا ولينا وطريا. وهذا مالم يكن مع سيّدنا سعد بن معاذ. ولذلك كان السّيّد على أسيادنا الصحابة. ورحم الله سيّدنا سعد بن معاذ، ورضي الله عنه وأرضاه.
سيّدنا سعد بن معاذ وسيّدنا الصّدّيق:
قال الكاتب: “كان (سعد بن معاذ) في الأنصار كأبي بكر في المهاجرين وقد كان له العزم الثّابت في جميع المشاهد التي تقدّمت الخندق”. 168
أقول: أصاب الكاتب، وأحسن، وكان عظيما حين شبّه موقف سيّدنا سعد بن معاذ القاطع الصّارم في حقّ اليهود الخونة بقوّة، وصلابة، وثبات بمواقف سيّدنا الصّدّيق منذ اليوم الأوّل لرسالة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. حين كان أوّل من أسلم من الرّجال والصبيان والسّادة، والإسراء والمعراج، والهجرة، وتجهيز الجيوش، وتنصيب سيّدنا أسامة على الجيش رغم معارضة أسيادنا الصحابة، ومحاربة المرتدين المانعين للزكاة رغم معارضة أسيادنا الصحابة، وتثبيت سيّدنا خالد بن الوليد على قيادة الجيش رغم معارضة سيّدنا عمر بن الخطاب. ورحم الله أسيادنا الكبار العظام.
الرّاحة في عدم مجاورة غدر اليهود وخيانتهم:
قال الكاتب: “وبتمام هذه الغزوة أراح الله المسلمين من شرّ مجاورة اليهود الذين تعوّدوا الغدر والخيانة”. 169
أقول: كلّ الذّلّ، والمهانة، والتشرذم، والضّعف الذي يعانيه العرب -اليوم- من قبولهم وسعيهم لمجاورة المحتلّ الصهيوني “الذين تعوّدوا الغدر والخيانة”. ولا حلّ للأمّة إلاّ بمواجهة هذا المحتلّ المغتصب بما تقدر، وتستطيع، وتؤمن به. وإن لم يكن ذلك متاحا اليوم، فيؤجّل لغد، وما بعد غد. والمهم أن لا يكون اليهودي الخائن جار لنا.
الجمعة 16 محرم 1447هـ، الموافق لـ 11 جويلية 2025
الشرفة – الشلف – الجزائر
—