ثقافة وفنون

BitChat يتحدّى سيغنال وأخواتها!

BitChat يتحدّى سيغنال وأخواتها!

وسط الوعي المتزايد لدى المستخدمين عن أهميّة خصوصيّة بياناتهم على تطبيقات التواصل الاجتماعي، انطلق تطبيق جديد يعمل خارج شبكة الإنترنت.

علي سرور

وسط الوعي المتزايد لدى المستخدمين عن أهميّة خصوصيّة بياناتهم على تطبيقات التواصل الاجتماعي، انطلق تطبيق جديد يعمل خارج شبكة الإنترنت.

طلق جاك دورسي، المؤسس المشارك لـ«تويتر» سابقاً («إكس» حالياً)، والرئيس التنفيذي الحالي لشركة «بلوك»، تطبيقاً جديداً للمراسلة بداية هذا الشهر، يحمل اسم «بيتشات» (BitChat)، واعداً بمستوى غير مسبوق من الخصوصية والانفصال الكامل عن البنية التحتية التقليدية للإنترنت. ي

روّج للتطبيق، المتاح حالياً عبر منصة TestFlight لأجهزة «آبل»، بوصفه وسيلة مراسلة قائمة على شبكات بلوتوث لا تعتمد على الإنترنت، أو حتى على أرقام الهواتف.

ووفقاً لما ورد على موقع التطبيق الرسمي، يُعد «بيتشات» مشروعاً مفتوح المصدر وعام النطاق، يحوّل أجهزة iOS وmacOS إلى عقد في شبكة بلوتوث شبكية تتشكّل ذاتياً.

كل جهاز يعمل بصفته مرسِلاً ومستقبِلاً في آنٍ، يكتشف الأجهزة المجاورة، يُعيد توجيه الرسائل بينها، ويخزّنها موقتاً للمستخدمين غير المتصلين.

الرسائل، سواء كانت خاصة أو جماعية، مشفّرة بالكامل وفقاً لبروتوكولات حديثة تشمل تبادل مفاتيح X25519 وخوارزمية AES-256-GCM، ولا يُحتفظ بها على أي خادم.

إلا أنّ طريقة عمل هذه التقنية تطرح تساؤلات لا تحمل أجوبة حالياً، فالارتباط عبر شبكة البلوتوث محصور ضمن محيط دائري لا يتجاوز المئة متر، فكيف يُعالج التطبيق مشكلات التواصل بين القرى النائية البعيدة عن الكتل السكانية المتقاربة؟

ويبرز تحدٍّ أكثر صعوبة في كيفيّة ربط الجزر باليابسة الرئيسية. وعلى هذا الصعيد، يشمل هذا المبدأ جزراً كبيرة مثل أستراليا، والأهمّ قارة أميركا من أقصى شمالها في كندا إلى جنوبها في الأرجنتين، وهي معزولة بالكامل عن باقي العالم.

من جهة أخرى، لا يتطلّب التطبيق أي حساب أو رقم هاتف أو بريد إلكتروني، كما إنّ الرسائل تُحفظ على جهاز المستخدم فقط، وتُحذف تلقائياً عند إغلاق التطبيق ما لم يُفعّل المستخدم خاصية التخزين المؤقّت المحلي.

كذلك، من المرتقب أن يدعم «بيتشات» الاتصال عبر Wi-Fi Direct لتوسيع نطاق التغطية إلى أبعد من حدود البلوتوث.

هذه المقاربة اللاسلكية ولكن اللامركزية بالكامل تُعدّ جذرية، خصوصاً في زمن تعتمد فيه تطبيقات مثل «واتساب» و«تلغرام» على خوادم سحابية ومراكز بيانات في بلدان مختلفة. أمّا بالنسبة إلى «بيتشات»، فهو لا يستخدم شيئاً من ذلك، ما يمنع فعلياً أي عملية مراقبة جماعية أو تسريب بيانات من جهة ثالثة.

بين الوعد الأمني والواقع الرقمي

رغم هذه الطموحات، لم يسلم «بيتشات» من الانتقادات. بعد إطلاقه، أُضيف تحذير على صفحة GitHub الرسمية للمشروع، جاء فيه: «لم يخضع هذا البرنامج لمراجعة أمنية خارجية، وقد يحتوي على ثغرات. لا تستخدمه في تطبيقات حسّاسة أو لأغراض إنتاجية».

هذا التنبيه أتى عقب اكتشاف الباحث الأمني أليكس رادوسيا ثغرة خطيرة تتيح انتحال الهوية ضمن ما يُعرف بـ«نظام المفضّلين»، إذ يمكن للجهات الخبيثة خداع المستخدمين عبر مفاتيح اتصال مزيّفة.

إضافة إلى ذلك، أشار رادوسيا إلى أنّ «بيتشات» لا يُجري أي تحقّق فعلي من صحة المفاتيح أو مصادقة على هوية الطرف الآخر، ما يسمح باعتراض الاتصال أو التلاعب به.

كما أُثيرت مخاوف أخرى تتعلّق بوجود خلل من نوع buffer overflow واحتمالات خرق «السرية المتقدّمة». ورغم تأكيد دورسي أنّ المشروع «قيد التطوير»، إلا أنّ هذه الهفوات تضع علامات استفهام حول مدى أمان التطبيق في حال استخدامه بمناطق عالية الخطورة.

استجابة لاستباحة الخصوصية

على خلفية هذه النقاشات، يجد كثير من المستخدمين أنفسهم عالقين بين الحاجة إلى وسائل تواصل فعّالة وبين انعدام الثقة بالتطبيقات السائدة.

فـ«تليغرام» الذي يدّعي توفير الخصوصية، يحتفظ بمراكز بياناته في الإمارات. أما تطبيق «سيغنال»، فارتبط اسمه بتسريب خطّة إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لضرب اليمن، على إثر كشف أحد المخترقين لتفاصيل محادثات خاصة، فيما «واتساب» خضع بدوره لاختراقات متكرّرة، أبرزها محلياً في لبنان، حين تعرّض مستخدمون لمراقبة إسرائيلية مباشرة عبر هواتفهم، كما رأينا في حرب أيلول (سبتمبر) 2024.

يُضاف إلى ذلك، تُعد بيانات المستخدمين على التطبيقات المختلفة شبه مستباحة أمام برامج التجسس الإسرائيلية مثل «بيغاسوس» (طوّرته شركة NSO ويتيح اختراق الهواتف من بُعد من دون علم المستخدم) و«غرايسكايل»، إحدى أدوات الاستخبارات التي تركّز على اعتراض البيانات الشخصية المشفّرة.

أمام هذا الواقع، يبدو تطبيق «بيتشات» استجابةً لتحدٍّ ملحّ: كيف نحافظ على الخصوصية من دون الاعتماد على الشبكات الرقمية الخاضعة للرقابة أو الاختراق؟

شبكة آمنة… ولكن غير منيعة

من الناحية التقنية، يقوم «بيتشات» على مبدأ البلوتوث الشبكي المنخفض الطاقة (Bluetooth LE Mesh)، وهو ما يتيح له تكوين شبكة لا مركزية من المستخدمين، يتّصل كل منهم بالآخر ضمن نطاق لا يتجاوز الـ100 متر.

لتبسيط كيفيّة عمل التطبيق عبر هذه التقنية، يمكن تخيّل حيّ سكني مكتظ، يرتبط الجهاز الأول بأقرب جهاز يستخدم التطبيق، ليقوم بدوره بالتواصل مع جهاز ثالث ضمن دائرته، وهكذا تترابط شبكة واسعة عبر دوائر اتّصال صغيرة، من دون الحاجة إلى كابل أو برج إرسال.

لكن هذه الشبكة «الآمنة نظرياً» لا تخلو من المخاطر. كل جهاز متّصل يُعدّ نقطة عبور، ما يعني أنّه في حال اختراق أحد الأجهزة، قد يُستغل كنقطة لقراءة أو اعتراض الرسائل.

ورغم اعتماد التشفير المتقدّم، فإنّ غياب التحقّق الصارم من هوية المستخدمين (حتى الآن) يترك الباب مفتوحاً للهجمات المتطوّرة، وهو ما حذّر منه الخبراء منذ اليوم الأول لإطلاق التطبيق.

يذكر أنّ «بيتشات» يمثّل أكثر من مجرّد تطبيق مراسلة، فهو مشروع فكري يُعيد النظر في أسس التواصل الرقمي، خارج قيود الإنترنت والسجلات الرسمية والخوادم.

لكن بين الطموح الأمني والواقع التقني، ما يزال التطبيق يحتاج إلى مراجعات جدّية قبل أن يُعتمد كوسيلة موثوقة في السياقات الحسّاسة.

ولعلّ السؤال الأبرز الذي يواجه مستقبل التطبيق، ولو استطاع تقديم حماية متقدّمة لبيانات المستخدمين: هل هؤلاء مستعدّون للتخلّي عن التطبيقات الحالية «الممتعة» من أجل تطبيق أكثر أماناً لكن أقلّ «رخاءً»؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب