ثقافة وفنونمقالات
علم النفس الجنائي ــ علم الإجرام بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

علم النفس الجنائي ــ علم الإجرام
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
من الدروس المهمة التي يتلقاها تلميذ كلية الشرطة العديد منها ينطوي على شحنة علمية عالية، عدا الدروس القانونية، دروساً تساهم في خلق شخصية الضابط المحقق، كعلم التحقيق الجنائي، والتحقيق الفني والعملي وطبع الأصابع، وإلى جانبها دروساً مهمة مثل : الطب العدلي وكان يدرسه الأستاذ العالم د. وصفي محمد علي، وعلم النفس الجنائي وكان يدرسه د. أكرم نشأت إبراهيم، وعلم الإجرام. وكان يدرسه د. أكرم المدلل.
وكنا خلال الدروس، نقرأ الكثير من النظريات الغريبة، ونسمع الكثير من الأمثلة الواقعية في العراق، أو في الخارج. والبعض منها غريب لدرجة الدهشة والاستغراب، ولكن بمرور الأيام ومع التعمق في الدراسة والمطالعة وسماع الأمثلة العملية، تزول الدهشة، لأنك تدرك أنك تتعامل مع المجرميت وهم ليسوا بأشخاص أسوياء، ومن الإنسان الغير السوي عليك أن تتوقع كل شيئ. مرتكب الفعل المخالف للقانون هو شخص يعيش أزمة داخلية، لم يتمكن (لأسباب عديدة) أن يلبي طموحه الداخلي بطرق سليمة، فيلتجأ إلى الاعتداء على الآخرين، أموالهم، أبدانهم، حياتهم.
بالطبع في ذاكرتي الكثير جداً من القصص، ولكني سأذكر بعض الطريف منها. فذات يوم اتصلت عائلة بغدادية على درجة من الثراء، بالشرطة بأنهم تعرضوا للسرقة. وكان الموسم صيفاً، حيث تعتاد الأسر البغدادية النوم على سطوح البيوت، فحضر الضابط المحقق ومعه مساعديه، وقاموا بالتفتيش، ومعرفة المسروقات، وكانت ثمينة تتضمن أموال نقد، ومخشلات ذهبية، وحاول الضابط المحقق معرفة كيف ومن أين دخل وخرج السارق، وأخذ يفتش جدران البيت من الحديقة، ففوجئ برجل يتوسد يده وينام نوماً عميقاً بين الأشجار شتلات الزهور، فلما أيقضه وفتشه أكتشف أنه السارق نفسه، ولكن لماذا نام هنا ..؟ ولما سأله .. أجاب السارق ” والله عمي نعست نعسة قوية، فأردت أن أنام قليلاً وأستيقظ قبل الفجر لأهرب، ولكن النومة أخذتني ……! “.
أو سارق آخر بعد أن أكما سرقته وقبل أن يخرج، فتح ثلاجة البيت، ووجد شيف ركي (بطيخ) أحمر، وجلس ليلتهم الركي، وأحدث ضوضاء أستيقظ أهل البيت أمسكوا به. وآخر بعد أن يتم سرقته بنجاح، بعد أن شاهد أناقة الحمام ونظافته والروائح العطرية التي تفوح منه يقرر أن يأخذ دوشاً أو بانيو، وراحت عليه من الحمام للسجن.
هذه الأمثلة، وغيرها كثير، تنبأ أن الإنسان تكتنفه عقد عميقة، الإنسان السوي هو من يستطيع أن يسطر على جموح نفسه، والضعيف (رغم أن هناك من يحاول التظاهر بأنه شجاع) ينساق وراء عقدته، فيعتدي على الآخرين، وقد بتحول إلى مجرم، والمجرم إنسان غير سوي حتماً، وبعض الناس يعتقدون أن الإنسان غير السوي (العصابي) ويطلق عليه الناس “مجنون” لابد أن يكون ذلك ظاهرا في سلوكه ولباسه وطعامه ..الخ، ولكن الإنسان العصابي غالباً ما يكون غير ذلك، فهو يعيش بيننا كأي إنسان عادي، ولا تظهر النزعة العصابية عنده إلا في حالات معينة.
في علم الإجرام، يدرس الطالب، صفات الإنسان المخالف للقانون، هناك حفر وأخاديد تحفر في نفسية الإنسان بعمق فتحدث تخريباً في نفسيته، وفي تصوره لحل مشكلاته الذاتية،، تضعفه من جهة، ولكنها تدفعه من جهة أخرى ليعالج نقطة ضعفه بأسلوب غير إنساني، بل وقد يتحول لإنسان اعتدائي على الآخرين، وإذا ما نجح في محاولته الأولى سيعتاد على ذلك ويكررها حتى يقع في إحداها بيد القانون.
ولكن من بين علماء علم الإجرام من يؤكد، أن البشر ممن يحملون صفات بدنية معينة، أكثر ميلاً للإجرام من سواهم، ويربطون بين مثلاً : طول الذراعين، المسافات بين القدم والركبة، وبين الركبة لوسط الجسم، انحراف في البنية البشرية، سعة حجم الجبهة، طبيعة الفكين، عمق العين ……….ألخ، وبهذا المعنى بعض المصابين بحالات جسمانية معينة، هب مؤشر على خلل في تكوينه العقلي فهو عصابي دون أن يدرك ذلك، ولكن الأطباء المختصون يتعرفون عليه بسرعة.
ومن أشهر العلماء في طبيعة وهيئة الجسم البشري، عالم إيطالي هو الأشهر في علم الإجرام ” سيزار لومبروزو ” (Cesar Lombroso) وتسمى أفكاره بالمدرسة الوضعية، لومبروزو، وقد وجد لومبروزو مجموعة من الصفات تشبه صفات الحيوانات البدائية والتي تعود للإنسان غير المتطور، وقال بأن توفر خمس صفات أو أكثر من هذه السمات الجسدية يجعل الفرد خاضعاً للنمط الإجرامي التام، وإذا توفر لديه ثلاث صفات يكون من النمط الإجرامي الناقص، وإذا قلت هذه الصفات عن ثلاث فليس من الضروري اعتباره مجرما. وهذه الصفات لا تكون سببا في الجريمة بقدر ما تعني ارتداد صاحبها إلي النمط المتوحش البدائي، هذه الصفات عددها (21) صفه هي.
1. طول أو قصر غير اعتيادي.
2. رأس صغير ووجه كبير.
3. جبهة صغيرة ومنحدرة.
4. خط شعر متراجع.
5. بثور في الجبهة والوجه.
6. وجه وعر أو عميق التجاويف.
7. آذان كبيرة ناتئة.
8. ضربات على الرأس، وبالأخص في المنطقة المهلكة الواقعة فوق الأذن اليسرى.
9. ضربات في مؤخرة الرأس وحول الأذن.
10. عظام جبهة عالية.
11. حواجب غزيرة تميل للالتقاء فوق الأنف.
12. محاجر واسعة وعيون غائرة.
13. انف شبيه بالمنقار، أو انف مسطح.
14. خط فك حاد.
15. شفاه ممتلئة، مع كون الشفة العليا أنحف.
16. أسنان قواطع كبيرة، وأسنان غير اعتيادية.
17. ذقن صغير أو نحيف.
18. أ منحدرة مع صدر واسع.
19. اذرع طويلة.
20. أصابع مستدقة أو فطسة.
21. وشم على الجسد.
لاحقاً وخلال دراستي وإقامتي في أوربا، قرأت وسمعت الأهمية الكبيرة جداً لعلم النفس والإجرام (Criminology)، وربما الحاسمة في القضايا الجنائية، وتفسر في الغالب لصالح المتهم، على أنها تعتبر من موانع المسؤولية الجنائية.