ما بعد التدمير: إسرائيل تصوغ من غزة مسار هيمنتها على الجغرافيا العربية والاسلامية بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸
بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸
ما بعد التدمير: إسرائيل تصوغ من غزة مسار هيمنتها على الجغرافيا العربية والاسلامية
بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸
22.7.2025
——————————————-
بات واضحا الوجه الذي يبدو عليه اليوم الثاني في غزة، حسب ما رسمته اروقة صناع القرار في إسرائيل.
شراسة الحرب واهوالها وهمجية المعارك رسمت ملامح ما تبدو عليه تلك الخطة الإسرائيلية، فيما اطلق عليه اليوم الثاني للحرب. دون ادنى شك وان لم يصرح الاسرائيليون ما هو شكل اليوم الثاني، الا انه اصبح واضحا ان اسرائيل لديها صورة واضحة عن اليوم الثاني شكلا ومضمونا، ليس لغزة فحسب وانما للمنطقة على اتساعها.
لقد نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية على المدنيين وفي اماكن اللجوء، اسفرت عن نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، بدت منها تلك الخسائر البشرية والمادية على مختلف الاصعدة. لقد فقدت غزة اكثر من 75 بالمئة من مبانيها وعقاراتها، السكنية والخدماتية، و10 بالمئة من سكانها الذين ارتقوا شهداء، و30 بالمئة من السكان من الجرحى، وتحول 100 بالمئة منهم الى جوعى يتضورون من الم الجوع.
احد التقارير افاد ان الجيش الإسرائيلي سجل نفسه اكبر مقاول في العالم لهدم الابنية الفلسطينية.
الحرب على غزة صنعت في اطار السياسات الإسرائيلية التي تدير الصراع في المنطقة، كما تصنع مخططات ومؤامرات اخرى منذ امد طويل.
إسرائيل من الدول التي لا تضع حلولا للقضايا السياسية الاستراتيجية، هي فقط تدير تلك الصراعات، وحيثما تجد مصالحها تبدأ في تغذيتها.
وغزة من الامثلة القريبة على ذلك، حيث مهدت للانقلاب الحمساوي في 2007، وغذته، ودعمته عسكريا وماليا.
اثناء الانقلاب ضربت إسرائيل الثكنات العسكرية للسلطة الفلسطينية والمقرات، وبعد الانقلاب سهلت – وبطلب منها – ادخال الاموال القطرية الى غزة عبر مطار بن غوريون شهريا، بمبلغ ثلاثين مليون دولار، الى ان حصل السابع من اكتوبر.
المشاريع التي ترسم في اروقة الكيان الصهيوني بالشراكة الدولية الغربية، بات واضحا انها تُعد وتُحفظ في الادراج ودهاليز السياسة الإسرائيلية الى حين التنفيذ، وربما تنتج الذرائع لتنفيذها.
الضفة الغربية ايضا تدار وفق الصيغة المرسومة بالتوازي مع الحرب على غزة، بمعنى ان إسرائيل تنفذ مخططها الان في الضفة، وما ان تنتهي من غزة، فان المشهد سيكون وفق البرنامج والخطة المعدة لذلك.
في شكل المشهد الفلسطيني بعد غزة، تعمل إسرائيل على تفكيك السلطة الفلسطينية، والابقاء على الجهاز السياسي لحركة حماس، وتعزز من دور العشائر التي من الممكن ان تعمل معها.
نحن اليوم في اوج ادارة تلك العمليات، وتجد ان اصابع الاحتلال موجودة في كل القضايا التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.
مجموع الجبهات التي عملت عليها إسرائيل، اضف الى ذلك تأليب الدروز في السويداء، وشحن الاجواء مع الدولة السورية والعشائر السورية، وتاهب عشائر اردنية ايضا، تشير الى وجود مخططات وادارة برنامج يهدف الى خلق مسار إسرائيلي جديد يدعى “ممر داود”، انطلاقا من السويداء وصولا الى منطقة التنف، حيث القاعدة الامريكية في شمال سوريا. مما يشير الى ان الاحتلال لا يكترث بقضية الدروز بقدر اهتمامه بمصالح اسرائيل العليا التي ترغب في تحقيقها.
وهو باختصار ممر طويل يربط إسرائيل مع الخليج ووسط آسيا، ويفتح لها بوابة باتجاه اوروبا.
هذا الخط يمنحها تجنب المرور بقناة السويس، ويوفر عليها الوقت، ورسوم العبور للسفن عبر القناة.
كثير من هذه الخطط ما زال طي الادراج، وبعضها قيد التنفيذ، وما غزة والضفة الغربية الا احد اوجه او مراحل المشروع الإسرائيلي الجديد في المنطقة.
لن يسلم احد من القضم او الضم، من الثور الهائج، الذي لا يجد من يلجم جموحه وثورانه.
بعد غزة، سيقف نتنياهو حاملا عصاه امام العالم العربي والإسلامي، ليصمت مرة اخرى على برنامجه وخططه التي تشق طريقها على امتداد الجغرافيا في الوطن العربي والدول الإسلامية.
فقد ذكرت التقارير ان نتنياهو حمل معه الى واشنطن خرائط تشير الى تمدد دولة إسرائيل في الاردن، وهي تضيق الخناق على مصر بسبب رفضها التهجير، وبتنا نسمع تصريحات مسؤولين إسرائيليين يوجهون الانتقادات الى مصر.
في اليوم الثاني للحرب، لا تكتفي إسرائيل بجرد نتائج القصف والقتل، بل تقف على اطلال غزة لترتفع منها الى خارطة العالم العربي، تلوّح بالعصا الغليظة، لا بغصن السلام، وتفرض نفسها لاعبا مركزيا لا يُناقش، بل يُطاع.
لقد انتهى زمن التسويق لمشاريع التطبيع كمدخل لشرق اوسط جديد.
اليوم، تخرج إسرائيل من بين ركام غزة، لا لتقدم نموذجا سلاميا، بل لتفرض مسارات اقتصادية وامنية وسياسية جديدة على المنطقة، تحكمها منطق القوة لا التوافق، والإملاء لا الشراكة.
هي لا تنظر الى الحرب كحدث عابر، بل كفرصة استراتيجية لإعادة تموضعها في الإقليم، من بوابة:
• الردع الشامل
• والهيمنة الإقليمية
• ورسم مسارات جديدة للتطبيع القسري
وهكذا، يصبح الوجه الثاني للحرب:
ليس فقط تدمير غزة، بل استخدام هذا الدمار لإعادة تعريف دور إسرائيل في المنطقة، على قاعدة:
من لا يخضع اليوم لعصاي، قد لا يجد غدا مكانا على خارطة المصالح.