لقاء بين الشيخ وبلير في عمّان اليوم حول دور السلطة الفلسطينية.. واستمرار الجدل في إسرائيل حول نتيجة الحرب ومآلاتها

لقاء بين الشيخ وبلير في عمّان اليوم حول دور السلطة الفلسطينية.. واستمرار الجدل في إسرائيل حول نتيجة الحرب ومآلاتها
الناصره /وديع عواودة
يصل الرئيس الأمريكي ترامب مطار اللد الدولي، صباح غدٍ الإثنين، وسط ترحيب رسمي وشعبي به في إسرائيل، ليقدّم خطابًا في الكنيست، وعند الظهر يصل إلى شرم الشيخ ليرأس مؤتمر قمة دولي إقليمي، دون مشاركة إسرائيلية وفلسطينية، وبعدها يعود إلى واشنطن.
بيد أن الترحاب والشكر الإسرائيلي بترامب وبالإدارة الأمريكية والولايات المتحدة يتصاعدان منذ الكشف عن الاتفاق، وتمّ التعبير عنه ليلة أمس بهتافات عشرات الآلاف من المتظاهرين في تل أبيب وبلافتات وشعارات وصور رفعوها بالعبرية والإنكليزية.
غرشون: الاتفاق مفيد جدًا لإسرائيل، وفيه امتيازات كثيرة لها، لكن بعض أسماء الأسرى المنوي الإفراج عنهم لدغة كاوية في القلب
خلال أدائه كلمته، عبّر المبعوث الأمريكي ويتكوف (وكذلك كوشنر) عن التحالف العميق بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل، لكن الجموع الإسرائيلية احتجت على مجرد نطقه باسم نتنياهو، الذي تتهمه أوساط إسرائيلية واسعة بالتنازل عن المحتجزين والرغبة في مواصلة “حرب سياسية” مكلفة في غزة.
من هذه الناحية، كانت التطييبات والإطراءات لترامب واحتجاجات الإسرائيليين في تل أبيب، التي قطعت خطاب ويتكوف وأربكته للحظات، نوعًا من الانتقام من نتنياهو، ومساهمة في منعه من تسويق بضاعته ضمن المعركة على الرواية وعلى وعيهم التي يصعّدها في الأيام الأخيرة تحت عنوان “النصر المطلق”، طمعًا بتثبيت صورة مهندسة في ذاكرتهم وفي ذاكرة التاريخ، وأملًا بالبقاء في الحكم لاستكمال قطع أي صلة بينه وبين عار السابع من أكتوبر.
وهذا صحيح، فرغم الجدل المستمر حول السؤال: “لماذا، ومن أوقف الحرب الآن من خلال اتفاق بعد عامين ويومين دمّرت فيهما إسرائيل غزة، لكنها لم تُخضع حركة المقاومة فيها؟”، فإن ترامب، حامل العصا الغليظة المشهرة، هو السبب الجوهري خلف هذا الحدث الدرامي.
يبدو أن الاعتداء الفاشل على الدوحة، إضافة إلى عدم نجاح إسرائيل في تحقيق هدفي الحرب المعلنين فترة طويلة، وطمعه بصفقة إقليمية أكبر، كل ذلك دفعه لفرض خطته على طرفي الصراع، التي رحّبت بها أغلبية الإسرائيليين (والفلسطينيين والعرب) ممن لم تنجح الحرب الأطول والأخطر في تاريخهم في إطفاء خلافاتهم وانقساماتهم الداخلية حول هوية وروح دولتهم، كما تجلّى في المظاهرة الجماهيرية الواسعة في تل أبيب ليلة البارحة.
مقابل هجوم وزراء إسرائيليين على متظاهري تل أبيب، الرافضين لسماع كلمة نتنياهو، ومعهم النائب المعارض بيني غانتس، يرى رئيس المعارضة يائير لبيد أنهم محقّون بذلك، بقوله، في تصريحات إعلامية، إنه كان بالإمكان إتمام هذه الصفقة قبل عام.
وتابع لبيد: “ما أوصلنا إلى هنا هو أن ترامب فاض به وملّ من المماطلات.. ولو قمنا بهذه الصفقة مسبقًا لنجا عدد كبير من المختطفين والجنود”.
مفاعيل الصورة
وبذلك يواصل لبيد معارضته لسياسات حكومات الاحتلال في إدارتها للحرب، مثلما يشارك في محاولة منع نتنياهو من النجاح في المواجهة على وعي الإسرائيليين، فهو يواصل تسويق رواية النصر، وبالنسبة له هذه معركة لا تقل خطورة عن المعركة مع “حماس”، فمن المهم جدًا عنده، وربما الأهم، هي صورته، صورة حكومته وصورة إسرائيل.
يدرك نتنياهو بتجربته الطويلة أنه رغم “الفيتو” الذي حال دون الإفراج عن قادة الأسرى ورؤساء الفصائل، فإن خروج مئات الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم 250 محكومًا بالمؤبد، غدًا الإثنين، سيترك مفاعيل صعبة في الشارع الإسرائيلي.
يعبّر عن ذلك الجنرال في الاحتياط يتسحاق غرشون، ضمن مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” اليوم الأحد، 12 تشرين الأول، 2025 بقوله إن الاتفاق مفيد جدًا لإسرائيل وفيه امتيازات كثيرة لها، لكن بعض أسماء الأسرى المنوي الإفراج عنهم “لدغة كاوية في القلب”.
مثل هذه الصورة للأسرى تثقل على نتنياهو وتحوله في هذا السياق وهذه الجزئية إلى مادة للسخرية، ففي كتابه الأول “مكان تحت الشمس”، منذ 30 سنة، شدّد على حيوية رفض صفقات التبادل بكل ثمن، لكنه على الأرض سيضطر للإفراج عن 1700 منهم، وقبل ذلك أفرج أيضًا عن 1127 منهم في “صفقة وفاء الأحرار” على رأسهم يحيى السنوار، عام 2011.
هدية وجائزة للسنوار
وهذا ما يستوقف مراقبين إسرائيليين أيضًا، منهم المحلل السياسي في “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر، الذي يؤكد اليوم أن من أعاد المختطفين هو الشعب رغم أن الحكومة تنازلت عنهم، لافتًا إلى عودتهم بتأخير سنة كاملة.
شيفر: الحل غير موجود في خطوط طيران إلى دبي، بل في معبر بين كفار سابا وجارتها الفلسطينية قلقيلية
ويسخر شيفر من نتنياهو ويدعوه للكف عن تعليم الإسرائيليين دروسًا في مكافحة الإرهاب، مسوغًا ذلك بالقول: “في الواقع، فرّغ نتنياهو السجون من الأسرى الفلسطينيين، بل هو مطلق سراحهم بالجملة، وعلى اسمه ستُسجَّل عملية الإفراج هذه، مثلما هي مكتوبة على اسمه صفقة شاليط التي أفرج فيها عن يحيى السنوار، والآن بهذه الصفقة يمنحه نصرًا وجائزة: تحرير دفعة جديدة، وإعادة القضية الفلسطينية إلى مركز العالم كما خطط السنوار”.
لكن شيفر يتجاوز نتنياهو وحكومته، مثلما يتجاوز المرحلة الراهنة ويتساءل عن المستقبل، وعن وعي الإسرائيليين: هل يتغير وينضج للبحث عن حل سلمي؟ بقوله إن “من لا يتعلم دروس التاريخ والانتفاضات الفلسطينية منذ 1936 لن ينجح في طرح أي تصوّر لتسوية الصراع النازف”. مشددًا على أن الحل يكمن في كيانين سياسيين، إسرائيلي وفلسطيني، فالحل غير موجود في خطوط طيران إلى دبي، بل في معبر بين كفار سابا الإسرائيلية وبين جارتها الفلسطينية قلقيلية.
من جهته، يرى المحلل السياسي في صحيفة “هآرتس” جدعون ليفي، المعارض للصهيونية، أن ما يحدث يستبطن “خبرًا سارًا”، مسوغًا تفاؤله بالقول إن الحرب أدت إلى تدويل الصراع كما ينعكس في مضمون الاتفاق.
وهناك مراقبون إسرائيليون آخرون يتساءلون عن وجهة الإدارة الأمريكية ورغبتها في صفقة كبرى وصياغة شرق أوسط جديد تشمل محاولة تسوية للقضية الفلسطينية، منوّهين إلى استخدام الساسة الأمريكيين مصطلح “السلام” بشكل مكثف، في الآونة الأخيرة، علاوة على تنظيم مؤتمر دولي في شرم الشيخ للتداول في الاتفاق وفي السلام في المنطقة.
التفاصيل المخفية والمنجزات التي لم تتحقق
في هذا المضمار، ومقابل الرواية الإسرائيلية الرسمية أو المؤيدة لها في الرأي العام، يرى مستشار الأمن القومي الأسبق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، أنه كان بالإمكان تحقيق هذا الاتفاق قبل شهور، لكن نتنياهو رفض الانتقال إلى المرحلة الثانية، ونجح في إقناع ترامب بمواصلة الحرب.
ويضيف آيلاند، في حديث للإذاعة صباح اليوم: “الأهم في الاتفاق هو عودة المختطفين مقابل الإفراج عن عدد كبير جدًا من المخربين. هناك امتياز لإسرائيل يتمثل ببقائها داخل القطاع، ولكن ربما يتحول لنقطة ضعف. لكن بقية النقاط، وأحاديث نتنياهو عن طموحات الحرب: نزع سلاح “حماس” والقطاع، السيطرة الأمنية، وبناء حكم مدني ليس لـ “حماس” ولا للسلطة الفلسطينية، كل ذلك لم ولن يتحقق، لأن “حماس” لا تنوي أن تتنازل عن قوتها، وستحاول بناء قدراتها العسكرية من جديد، ولا أرى من ينزع سلاحها دون وجود إسرائيل، مثلما أنا متشكك من مدى حماسة الأطراف، عدا إسرائيل، في إتمام المرحلة الثانية. وحتى قطر، حليفة “حماس”، ترى أن الإبقاء على سلاح “حماس” مصلحة لها، وتركيا تأمل بأن تواصل إسرائيل النزيف، والساحة هي غزة”.
4 من 5 أهداف لم تتحقق
ويتقاطع معه محلل الشؤون الاستخباراتية في “يديعوت أحرونوت” ومراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في البلاد رونين بيرغمان، الذي يقول إن حكومة نتنياهو تخفي بعض النقاط، وعلى الإسرائيليين أن يروها، رغم الاحتفالات بالعودة الوشيكة للمختطفين.
ويؤكد بيرغمان أن إسرائيل حققت هدفًا واحدًا من بين خمسة أهداف في هذه الحرب، وهو استعادة المختطفين، لكنها تعمل على إخفاء فشلها في تحقيق بقية الأهداف المعلنة وغير المعلنة: تدمير “حماس”، نزع سلاح غزة، إقامة حكم فلسطيني ليس من جهة “حماس” ولا عباس، وسيطرة إسرائيلية أمنية على القطاع.
وهذا ما يراه المحاضر في جامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط ميخائيل ميليشتاين، ضمن مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، اليوم، تحت عنوان “حماس باقية”.
يقول ميليشتاين إن عناد إسرائيليين كثر على تصوير الاتفاق كأنه “نصر مطلق” وسط تجاهل قراءة وتحليل واقع العدو هو أمر خطير، ومن شأنه أن يخلق مجددًا مفهومية مغلوطة.
ويضيف: “من حق الإسرائيليين إدارة حوار صريح ناضج ومركّب بعيدًا عن هندسة الوعي وزرع الروايات. ينبغي التوضيح أن ما حققناه هو أخف الشرين، وهو أفضل من احتلال للقطاع ومكوث طويل وغير مجدول زمنياً”.
ميليشتاين: ينبغي التوضيح أن ما حققناه هو أخف الشرين، وهو أفضل من احتلال للقطاع ومكوث طويل وغير مجدول زمنياً
سؤال فلسطينيي داخل
في المقابل، يرى منسّق “صفقة شاليط”، الجنرال في الاحتياط غرشون باسكين، أن اليوم الأحد نهار جميل وغدًا أجمل مع عودة المختطفين، زاعمًا، في حديث للإذاعة العبرية العامة، أن “حماس” لن تبقى، ومن سيبقى هم رجال شرطة “حماس” ممن سيتم دمجهم في جهاز أمني يشمله كيان سياسي جديد دون “حماس” في القطاع، كما فعل الأمريكيون مع جيش صدام في العراق بعد احتلاله.
لافتًا إلى أن “حماس” سبق أن أعلنت رغبتها بعدم المشاركة في السلطة، وبما يتعلق بالسلاح فالغزيون سيمنعونها من استنساخ تسلّحها، ولن أستغرب أن يختار بعض قادتها الهجرة إلى الخارج.
ويتابع: “بحال بقيت حماس نكون قد فشلنا، لكن هذا لن يحدث، لأن الغزيين يتهمون حماس بالخراب وسيمنعونها من التسلّح مجددًا”.
هنا، وضمن الكثير من الأسئلة المفتوحة حيال مستقبل القطاع والصراع والقضية، هناك سؤال يتعلق بدور الفلسطينيين- السلطة و”حماس” وكل الفصائل- ومدى إسراعهم في وقف الانقسام وتوحيد الخطاب وبناء إستراتيجية لحصاد هذا الدعم العالمي وتقصير عمر الاحتلال، خاصة أن هناك دورًا للسلطة في مستقبل غزة، وفقًا للاتفاق الذي يشمل ضمانات ووعودًا لها من قبل الوسطاء: لها دور في تعيين وزراء حكومة تقنيين، وفتح معبر رفح قريبًا، كما تقول الإذاعة العبرية، وتكشف عن لقاء مرتقب حول ذلك بين حسين الشيخ وتوني بلير في عمّان.