حتى دليلها يدينها… إسرائيل تتهم الأمم المتحدة بتجويع الغزيين: أنتم سبب الكارثة

حتى دليلها يدينها… إسرائيل تتهم الأمم المتحدة بتجويع الغزيين: أنتم سبب الكارثة
حكومة إسرائيل متهمة بجريمة تجويع غزة. في سلسلة خطوات غير مسؤولة، وخلافاً لرأي جميع الخبراء، فككت إسرائيل جهاز الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التي نجحت في منع الجوع القاتل في القطاع طوال فترة الحرب، وأدت إلى الجوع الذي تسبب حتى الآن بوفاة 127 شخصاً، بينهم 83 طفلاً. في الأسبوع الماضي، أضافت إسرائيل خطيئة إلى جريمة التجويع، وهي البدء بحملة اتهامات للأمم المتحدة في محاولة لإزاحة مسؤولية هذه الكارثة عن نفسها.
منذ فترة طويلة والمتحدثون في إسرائيل يستخدمون الأمم المتحدة كدمية لإلقاء التهمة عليها فيما يتعلق بما يحدث في غزة. قبل نحو أسبوع، ازداد الهجوم في إحاطات الجيش الإسرائيلي وصندوق المساعدة لغزة، الذي يمكن اعتباره منظمة تابعة لإسرائيل. الخميس، نشر الجيش صوراً من مسيرة لشاحنات المساعدات التي تنتظر في معبر كرم أبو سالم في الطرف الفلسطيني كدليل على فشل الأمم المتحدة في توصيل البضائع إلى السكان. وقد كرر الكثير من المراسلين هذه الرسالة.
الإثنين الماضي، والسبت أيضاً، التقط المتحدث بلسان صندوق المساعدة لغزة صورة في نفس الموقع وهو يشير إلى شاحنة تابعة للأمم المتحدة، وقال: من خلفي شاحنات تابعة للأمم المتحدة محملة بالمواد الغذائية والمساعدات التي توشك على التلف. المشكلة ليست الوصول، بل القدرة على التنفيذ”. في نهاية الأسبوع، نشرت المؤسسة تقريباً عشرة بيانات مختلفة تهاجم الأمم المتحدة، فيما ظهر وكأنه نوبة غضب خطابية.
الجمعة، انضم قسم الالتماسات في النيابة العامة إلى هذا الهجوم. في إطار رد الدولة على الالتماس الذي قدمته أربع منظمات لحقوق الإنسان في إسرائيل وطالبت فيه فتح المعابر في أسرع وقت لمنع الجوع في غزة، كرر محامو الدولة اتهاماتهم ضد الأمم المتحدة. هذا الرد قدم بعد عشرة تأجيلات لالتماسات قدمت للدولة ووافقت عليها. ورغم ذلك، الحديث يدور عن وثيقة مهملة، أرقامها غير متسقة. وفي تحليل أكثر تساهلاً للأرقام، يتبين أنه -حسب أقوال الدولة نفسها- ليست هناك احتمالية بعدم وجود جوع في غزة. من حساب بسيط للأرقام التي قدمتها الدولة، يتبين أن سكان غزة اضطروا في الأشهر الأخيرة إلى الاكتفاء بشاحنة واحدة لـ 34 ألف شخص كل اليوم بالمتوسط.
هذه اتهامات لا أساس لها من الصحة. فأولاً، لا يوجد للأمم المتحدة أي قوة في غزة، والجيش الإسرائيلي هو الذي لديه عدة فرق في القطاع، وليس الأمم المتحدة، وهو الذي يفرض إرادته على السكان وعلى المنظمات الإنسانية وعلى الأمم المتحدة التي تعتمد بالكامل على حسن نية الضباط. أي حركة إنسانية، مثل تحريك الشاحنات من كرم أبو سالم إلى المواصي، وإدخال الطواقم الطبية إلى القطاع، وتزويد الوقود للمستشفيات وغيرها، يتم تنسيقها مع الجيش. وتشمل المصادقة أيضاً على المسار والجدول الزمني الدقيق الذي تُسمح به الحركة، وعلى سائقي الشاحنات الامتثال لتعليمات تطبيق في هواتفهم. وعليهم التوقف في النقاط التي يتعين على القوافل التوقف فيها إلى حين الحصول على ضوء أخضر من الجيش. في الأسبوع الماضي، قدمت الأمم المتحدة 16 طلب حركة للجيش. تم استكمال طلب واحد منها كما خططت له الأمم المتحدة. ثلاثة طلبات أخرى تم استكمالها ولكن مع تأخير، والطلبات الأخرى ألغيت أو استكملت بشكل جزئي.
القافلة التي أشار إليها، على سبيل المثال، المتحدث بلسان صندوق المساعدة لغزة في الفيلم من يوم الإثنين، كانت تتكون من شاحنات تحمل معدات طبية طارئة لمنظمة الصحة العالمية. حصلت القافلة على الإذن مساء اليوم السابق. في الصباح، وصلت الشاحنات وتم تحميل المعدات عليها. وحسب جهات في الأمم المتحدة، كانت القافلة مستعدة للتحرك في الساعة 9:39 صباحاً، لكن الجيش الإسرائيلي ظل يقف عائقاً أمامها حتى الساعة 18:00. في نهاية المطاف، بعد بدء تحرك القافلة، غير الجيش مسار السفر. وقبل وصول القافلة إلى المخزن الذي كان يجب إنزال المساعدات فيه، أصدر الجيش أمراً بإخلاء المنطقة. لذلك، كان يجب على الشاحنات التوجه إلى مخزن آخر. هذه القافلة التي عرضتها إسرائيل وصندوق المساعدة لغزة كمثال على عدم نجاعة الأمم المتحدة هي الدليل على أن المشكلة الرئيسية هو الجيش الإسرائيلي.
طوال فترة الحرب، نجحت الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى في إطعام سكان غزة ومنع حدوث جوع قاتل حتى في الظروف القاسية جداً. أسلوبها الذي تعلمته من عشرات مناطق النزاع الأخرى، ارتكز إلى مئات مراكز توزيع الغذاء وتسجيل منظم ومستويين من التوزيع، ورزم غذاء يابسة للعائلات، ومطابخ ومخابز جماعية. وفي 2 آذار، بدأت إسرائيل في عملية تصفية منظومات التزويد هذه بمنع إدخال المساعدات والغذاء إلى قطاع غزة لمدة 78 يوماً. عندما فرغت مخازن المواد الغذائية، فتحت إسرائيل المعابر، لكن بشكل جزئي. وبدلاً من هذه الآلية، وضعت آلية قاتلة وغير عاملة لصندوق المساعدة لغزة – أربعة مراكز توزيع في مناطق النيران، توزع كميات قليلة من الغذاء لا يصل إليها سوى قوي البنية.
هكذا وجد شرك موت، وأدى إلى قتل مئات الأشخاص الجائعين بإطلاق النار. كل ذلك فعلته إسرائيل لمنع وصول الغذاء إلى حماس. ولكن ثمة تحقيقات نشرت أمس، كشفت ما يعتقده كثيرون من الذين ينشغلون بمسألة غزة، أنه لا دليل حقيقياً على أن حماس وبحق سيطرت على كميات كبيرة من الغذاء، التي نقلتها الأمم المتحدة. وحسب تحقيق “رويترز” فإن وزارة الخارجية الأمريكية فحصت 136 حالة ضياع للمواد الغذائية التي أرسلت إلى القطاع بتمويل أمريكي، ولم تجد أي دليل بأن حماس استفادت من هذه المواد المسروقة. وحسب تحقيق “نيويورك تايمز”، قالت جهات في الجيش الإسرائيلي بأن منظمات المساعدة التابعة للأمم المتحدة عملت بشكل ناجع، وأنه ليس لدى الجيش الإسرائيلي أي دليل على أن حماس سرقت مساعدات الأمم المتحدة الإنسانية.
من شاهد الصور التي أرسلها الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع من معبر كرم أبو سالم، يستنتج ما يحدث. وللسيطرة على سوق الطعام في القطاع، لا يمكن الاكتفاء بمخازن صغيرة في الأنفاق، فثمة حاجة إلى عنابر يمكن تخزين كميات كبيرة من الغذاء فيها. حتى الآن، لم يُعرض على الإسرائيليين ولو مخزن كهذا احتله الجيش الإسرائيلي.
حماس بالطبع تستفيد من الغذاء الذي يصل إلى القطاع، وهذا الأمر صحيح في كل الحالات. المسلحون في حماس سيكونون آخر الجائعين، بعد فترة طويلة من موت الأطفال والنساء والشيوخ والمخطوفين بسبب الجوع. عملياً، يمكن الافتراض أن حماس تستفيد من غذاء الصندوق أكثر من غذاء الأمم المتحدة، لأن القوي هو الذي يأكل، وفق المنظومة التي أوجدتها إسرائيل والصندوق. وهي منظومة تعطي الأفضلية للشباب، الأقوياء والذين يحملون السلاح.
مثلما حذر عدد كبير من الخبراء في الأشهر الأخيرة، لقد تجاوز الجوع العتبة الخطيرة في الأسبوع الماضي، وبدأ الناس يموتون لسوء التغذية. من بين الـ 127 ميتاً بسبب الجوع منذ بداية الحرب، مات 50 منهم في الأسبوع الأخير. وقد ظهرت صور لأطفال جائعين في غزة، حرفياً جلد وعظم، في كل الصحف المهمة في العالم. هذا النشر يبدو أنه حرك شيئاً في الجيش الإسرائيلي. والخميس، حاول الجيش التخفيف على حركة الشاحنات، وكانت النتيجة فورية: 45 شاحنة تحمل الطحين وصلت إلى خان يونس أدت إلى انخفاض سعر الطحين في المدينة خلال بضع ساعات، من بضع مئات من الشواكل للكيلو إلى حوالي 60 شيكلاً. أمس، سارع الجيش إلى التوضيح بأنه سيعمل بالتعاون مع المنظمات الدولية للسماح بإعادة فتح المطابخ والمخابز الجماعية.
لكن السيناريو المخيف هو أن كل ذلك قد يكون متأخراً جداً بالنسبة للأطفال والشيوخ، كما أوضح طبيب في غزة الأسبوع الماضي. فمنذ اللحظة التي يمر فيها الجسم بمرحلة معينة من الجوع، لا يمكن حل المشكلة بالطعام فقط، بل هناك حاجة إلى علاج طبي مرافق وغذاء خاص وأدوية وطواقم طبية مضاعفة لإنقاذ الحياة. في غضون ذلك، أبلغ الجمعة عن موت تسعة أشخاص جوعاً.
نير حسون
هآرتس 27/7/2025