حب جارف وحزن بالغ وعزاء للأم الحزينة فيروز

حب جارف وحزن بالغ وعزاء للأم الحزينة فيروز
زهرة مرعي
بيروت – رحيله اغتراب عن صوت يشبهنا.. زياد نسيت الجواب: «بالنسبة لبكرا شو؟»
رحل زياد.. خسارة لا كلام يتّسع لها، أو يعزي حيالها. عمر ليس بطويل لمبدع احتلّ مساحة في الوعي منذ كان يفاعته. بألحانه وكلماته وموسيقاه، هزّ أركان الفن اللبناني منذ مسرحيته «نزل السرور». شبّه وطنه بـ»نزل السرور» في سبعينيات القرن الماضي، وأظنه رحل والقناعة نفسها تلازمه، وخيبته الكبرى، ربما تكون سبباً لرفضه العلاج بحسب وزير الثقافة البناني.
في وطنيات زياد من «جاي مع الشعب المسكين.. جاي تأعرف أرضي لمين». إلى «قوم فوت نام وصير حلام.. أنو بلدنا صارت بلد»، هو صاحب بصر وبصيرة. يدرك ما في البئر و«غطاه» من نصف قرن مضى.
موقفه حيال حياة البسطاء تمثّل بأغنيته الصادمة بقوة مضمونها «أنا مش كافر.. بس الجوع كافر». كتب ولحّن «رفيقي صبحي الجيز»، غنّاها خالد الهبر، وغنتها فيروز بإحساس كبير، ودارت حول تلك الفعلة الفنية الجميلة ألسن مستنكرة غناء فيروز لعامل النظافة.
لفته واقع العشّاق «اللي قد حالهم» زياد، فكتب انطلاقا من وعيه الطبقي «بحبك بلا ولا شي.. تعي نقعد بالفي.. مش لا حدا هالفي». غنّاها سامي حواط بنجاح. مشواره مع جوزف صقر صاحب الصوت الدرامي لم يمتد طويل. خطف الموت رفيق زياد سريعاً، وحزن حزناً بلغياً، على رفيق فن لم يتكرر بالفعل.
زياد صاحب الموسيقى والكلمات الجدلية في سبكها ومحتواها بقي هو هو. مع سلمى مصفي وألبوم «ولّعت كتير» أتت الأغنيات جميعها بتفصيل دقيق على مقاس صوتها وشخصيتها وآداها. وحين كان للطيفة التونسية حظ التعاون مع زياد أتت النتيجة في غاية الرقي العاطفي، رغم وصف أغنية «بنص الجو» بأنها «اوفر». من الألحان الشرقية بامتياز وذات الإحساس المشبّع بالوله أغنية «أمنلي بيت مطرح منك ساكن.. مش هم يكون طابق منو آمن.. مشتاقة شوفك لكن.. لكن..» أغنية صُنّفت بأروع ما أدته لطيفة.
زياد الجاد المجدد والعبقري، أوصاف اكتسبها بالتدريج. وراحت ترسخ منذ أغنية «سألوني الناس». شكّل قبلة ونبراساً للكثير من الفنانين الشباب الجادين في لبنان والعالم العربي.
عن زياد وفيروز، ما من كلام يعزي الأم التي فتّش عنها المعجبون في الكنائس في كل نهار جمعة عظيمة ليسمعوا ترتيلتها الأنقى «أنا الأم الحزينة وما من يعزيها». من غنت لابنها «يا جبل الشيخ»، من المؤكد أنها ستغني له في العشيات كي يتونّس في غربته الجديدة «سلملي عليه.. بوسلي عينيه.. وقللو إني بوس عينيه».
السيدة فيروز نعت ابنها البكر بعد فقدها لابنتها ليال. ونعته انطلياس ولبنان بأجمعه. وفي بكفيا ستقام الصلاة لراحة نفسه في الرابعة من عصر اليوم الإثنين 28 تموز يوليو.
هنا كلمات لزياد وعنه إثر رحيله المفاجئ: الشاعر مروان مخول: توقّف قلبك فتحرّك نحوي خبر وفاتك، وصلني بعد ساعة وكنت مصادفةً أفكّرُ في أنَّ الجرأة التي تتحلّى بها لا يمكنها أن تتوفّر سوى لنجلِ قامتين مقدّستينِ، يبوحُ ولا يخافُ ما دام سلفًا يعرفُ أن النّاس سوف تقبله! من خندقيّ والديكَ سبعينَ عامًا استطعت أن ترميَنا برصاص الإبداعِ الذي أحيانا فلن تموت.ِ
الفنان جورج خبّاز: زياد الرحباني، ربينا معك، تعلمنا منك ومن مسرحك وأشعارك وموسيقتك، ورؤيتك اللي عم نشوفها قدّامنا. انت المعلم والملهم. وراح بتبقى أعمالك خالدة بالوجدان!! زياد بلا ولا شي منحبك.
الروائية علوية صبح: أعلى وأغنى ما يمكن أن يطاله الفن وإنسانية الإنسان هو زياد. هو نحن بمعنى أن حلمنا اكتمل به. زياد العبقري، المتعدد، المجدد، الأصيل جدّد شباب الرحابنة، والأغنية اللبنانية والعربية. زياد الممتدة جذورك إلى جدّك سيد درويش، سنفتقدك.
الشاعر نزار فرنسيس: نعزي ذاتنا بموت زياد. فكل منا فيه بعض منه. ترك فينا بصمة فهو عرّاب جيل بأكمله، وشريك يومياتنا، ومفرداتنا وتفكيرنا، ورؤيتنا. رجل صنع أحلامنا قبل أن نحلمها. زياد أكبر وأوسع من الرحيل. سيبقى بيننا، بدليل أعماله وكلماته ومفرداته وعمرها عشرات السنوات ما تزال ترافق يومياتنا، فالمبدع والعظيم والكبير لم ولن ينتهي. الموت مرحلة انتقال والإبداع بقاء.
الفنانة اميمة الخليل: في غياب زياد أقول إن الفنان لا يحرق ذاته، بل يشعلها كي تخرج فكرة جديدة منه، تحاكي الناس. فكرة تجعلهم يرون الأمور بشكل أفضل. وتدفعهم للثورة على واقع ليس في صالحهم. إنه زياد وأمثاله ليسوا بكثر، فنان حقيقي وصادق. صدقه وشفافيته انعكستا على صحته الجسدية. شكّل خلال مسيرته نموذجاً للفنان الذي يُشعل ذاته ليقدم جديداً للناس، متناسياً ضرورة الانتباه لذاته. وقد يتقصد هذا الموقف أحياناً، تأثراً بالواقع البشع والخاطئ.
استاذة الإعلام والتواصل في جامعة «اوتاو يو» الدكتورة دينا صالحة: بلغني رحيل زياد فشعرت وكأن شيئاً في غربتي قد خمد. زياد لم يكن مجرد فنان، بل كان أقرب إلى صديق خفي، يَظهر عند اشتداد الحنين، أو لحظات الغضب من أنفسنا ومن لبنان. في غربتي اعتدت سماع «أنا مش كافر» خافتة في السيارة ومدوية في داخلي. اعدت تشغيل مسرحياته مراراً لأشعر أن ثمة من يفهمني، وتجرأ على قول ما خجلت من قوله.
«القدس العربي»: