عربي دولي

نداء من أجل عدالة مجالية حقيقية بفم الحصن: الضيعات النموذجية وخيارات التنمية المستقبلية.

نداء من أجل عدالة مجالية حقيقية بفم الحصن: الضيعات النموذجية وخيارات التنمية المستقبلية.
==============================================

اعداد: الحســـان القـــاضـــي
نائب الرئيس الوطني رئيس المكتب الإقليمي المرصد المغربي
للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات_ طاطا _
===================================================

تجسد التوجيهات الملكية السامية سعيا متواصلا إلى ترسيخ العدالة المجالية وتحقيق تنمية مندمجة، و هو ما تجلي بوضوح في
الخطاب الملكي أمام البرلمان حيث جاء فيه:
> "ندعو إلى إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، بما يراعي خصوصياتها وطبيعة حاجياتها، وخاصة مناطق الجبال
والواحات، إذ لا يمكن تحقيق تنمية ترابية منسجمة دون تكامل وتضامن فعلي بين الجهات والمناطق."، و في هذا السياق الوطني
الجامع ، تبرز حاجة عدد من المناطق، و في مقدمتها المناطق الواحاتية التي تعاني من الهشاشة و من فوارق مجالية الى مبادرات
تنموية عملية، تراعي خصوصيات المجال السوسيو-اقتصادية ، و تضمن بالتالي ادماج الشباب في دينامية التنمية عبر مشاريع منتجة و
بدائل اقتصادية مستدامة، وعلى ضوء هذا التوجيه السامي نتساءل:
ما موقع فم الحصن ضمن هذه الرؤية الملكية؟ وأين يقف ممثلو الساكنة والمسؤولون المحليون من مسؤولية تنزيل هذه التوجيهات
على أرض الواقع؟
هذا السؤال يفرض نفسه بإلحاح، خصوصًا وأن فم الحصن، باعتبارها منطقة حدودية ذات أهمية استراتيجية، لا تزال تعيش على وقع
نزيف الهجرة، هشاشة البنية الاقتصادية، وغياب فرص الشغل أمام الشباب، رغم توفرها على مؤهلات ترابية وعقارية فريدة.
ورغم مكانتها التاريخية كرابط مجالي بين الصحراء والواحات، فإن فم الحصن ما تزال خارج مسار البرامج التنموية الكبرى التي
تشهدها جهات أخرى. فالهجرة المتزايدة، وتراجع الأنشطة الفلاحية التقليدية، وتقلص فرص الشغل، جميعها مؤشرات تطرح بإلحاح
سؤال العدالة المجالية وحق المنطقة في مشاريع تنموية تراعي خصوصياتها المجالية و السكانية بأنشطتها الإقتصادية.
و من هذا المنطلق يبرز مطلب إنشاء الضيعات النموذجية كخيار استراتيجي لإحياء الدينامية الفلاحية بالمنطقة. إذ بفضل ما تتوفر
عليه من أراضٍ سلالية شاسعة، يمكن لفم الحصن أن تحتضن مشاريع فلاحية مبتكرة تعتمد الزراعات المقاومة للمناخ الصحراوي،
وتجمع بين الإنتاج الفلاحي والتثمين الصناعي (كالتمور، الأعلاف، النباتات العطرية…). بل إن إنشاء ضيعات نموذجية، مسيّرة
بشراكات بين الجماعات الترابية والشباب، سيشكل نقلة نوعية نحو استقلال اقتصادي وخلق فرص شغل قارة.
فعلى امتداد أكثر من 114 ألف هكتار من الوعاء العقاري السلالي (الخاضع للجماعة السلالية لأمي أوكادير)، ظلت المنطقة رهينة
مشاريع لم تحقق الأثر التنموي المطلوب. فقد تم تنفيذ برامج لتنظيم وتدبير المجالات الرعوية، التي قيّدت ولوج الساكنة والكسابة لأراضٍ
رعوية تتجاوز 18 ألف هكتار بمنطقة أزغار نتفوكت، دون توفير بدائل إنتاجية أو خلق موارد معيشية بديلة.
ترافع مستمر منذ عام 2010:

وجدير بالذكر أن هذا المشروع لم يولد اليوم، بل هو ثمرة ترافع طويل؛ فقد كنا أول من طرحه رسميًا سنة 2010 على طاولة عامل
إقليم طاطا آنذاك، ثم واصلنا الدفاع عنه في مقالات مسترسلة منذ 2017، باعتباره المخرج الواقعي لتنمية فم الحصن. ورغم ذلك، ظل
المطلب مؤجلاً دون أي تفاعل مؤسساتي يُذكر. واليوم، في ظل وضوح التوجيه الملكي أمام البرلمان، نعيد طرحه من جديد بإلحاح
ومسؤولية، لأن لحظة الإنصاف قد حانت.
و جدير ذكره أننا في المنتدى المغربي لحقوق الإنسان و خلال مشاركتنا في الاجتماع الذي دعت إليه عمالة اقليم طاطا بتاريخ: 18
ديسمبر 2018 لمناقشة مشروع إنجاز الإراحة الرعوية المسماة أداي تشطت، – عارضه مجموعة من الكسابة المحلييين– و في هذا
الشأن أدلى مكتبنا الإقليمي بطرحه الذي بلوره على شكل رؤية استتشرافية لتنمية مستدامة بالمنطقة، و التي صاغها على شاكلة مبادرة و
طالب الجهات المسؤولة بتبنيها و تنزيلها، ووجه في ذلك مراسلة لباشا مدينة فم الحصن بتاريخ: 18 ديسمبر 2018 تتلخص محاورها
فيما يلي:
1- – المطالبة بإنشاء ضيعات نموذجية بالتعاون مع الجهات ذات الصلة بالتنمية الفلاحية و كذا الصناديق و المؤسسات سواء
منها الوطنية كوكالة تنمية الواحات POS، أو الدولية المتعاقد معها في الموضوع كبرنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD و
غيرها، و توزيعها على ذوي الحقوق و المعطلين أبناء المنطقة حاملي الشواهد.
2- المطالبة بإنشاء و تنفيذ برنامج لتثمين منتوج العلك وتسويقه و ذلك بخلق تعاونيات أو جمعيات فاعلة في هذا الصدد، قصد تحقيق و
بلوغ أهداف تنموية مستدامة بمشاريع مدرة للدخل، و هنا نتساءل عن الأسباب التي بموجبها لا يتم تنزيل هكذا مبادرات، خاصة و أن
الأمر يتعلق بمنطقة نائية على الحدود الجنوبية الشرقية تعاني من هشاشة نسيجها الإقتصادي و من بطالة أبنائها و من نزيف سكاني بفعل
الهجرة المتواصلة؟ هذا في الوقت الذي بلغ فيه الانفاق على المشاريع سقفا عاليا دوم تحقيق للنتائج المرجوة؟ و هنا نعيد السؤال عن مبدأ
ربط المسؤولية بالمحاسبة؟
و عليه يتضح جليا أن أي التنمية الحقيقية لا تُختزل في البنيات التحتية، بل تبدأ من تمكين الإنسان من شروط الإنتاج والعيش الكريم.
ومن هنا، يبرز مشروع الضيعات النموذجية باعتباره خيارًا استراتيجيًا كفيلاً بتحويل فم الحصن من مجال مهمّش إلى قطب اقتصادي
حدودي، و يقوم هذا التصور على تخصيص 10 آلاف هكتار لإحداث 2000 ضيعة نموذجية، تُؤمّن استقلالية 1300 أسرة محلية مع
700 ضيعة إضافية للاستثمار التعاوني والشبابي، بما يخلق فرص الشغل، ويُعيد تشغيل الدورة الاقتصادية، ويُرسّخ الاستقرار البشري
في المنطقة. -(حسب المعطيات الإحصائية الرسمية عدد الأسر بفم الحصن هو 1300 أسرة)-
إن المحصلة التي تتيحها مؤشرات الواقع الميداني تنذر بتراجع خطير، حيث أن تقلّص المجال الواحي، اندثار عدد من المسالك
الفلاحية، وتعرض الواحة لحرائق متتالية أضعفت غطائها النباتي، فضلًا عن انسداد الأفق أمام الشباب… وهي كلها إشارات واضحة
على أن الانتظار لم يعد ممكنًا، وأن التدخل التنموي العاجل بات ضرورة ملحة.
آفاق التنمية المستقبلية :
بالإضافة إلى الضيعات النموذجية، ينبغي اعادة النظر في خلق مشاريع سياحية إيكولوجية موجهة للشباب العاطل عن العمل، بحيث
تُوظف الموارد الطبيعية للمنطقة وتكون مصدرا لدخل مستدام، وتساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي،
وأنسجاما مع ماسبق و لإعادة اسقرار الساكنة ووضع حد لنزيف الهجرة لا بد من معالجة قضية الوعاء العقاري السكني من خلال تنفيذ
تجزئات سكنية تراعي خصوصية الساكنة الصحراوية والفلاحية، وتركيبها القبلي، ونمط حياتهم، بما يضمن تلبية حاجياتهم السكنية بشكل
مناسب ومتوازن مع النشاط الزراعي والرعوي للمنطقة.
وختاما، فإن فم الحصن لا تبحث عن مطالب ظرفية، بل عن إدماج حقيقي في مسار التنمية الوطنية، بما ينسجم مع التوجيهات الملكية
الرامية إلى إنصاف المجالات الهشة.
إن تحويل هذه الرؤية إلى فعل، يظل رهن إرادة المؤسسات المعنية في تفعيل مشاريع ملموسة تعيد الثقة، وتربط المواطن بترابه.
تماشيا و تنفيذا للتوجيه الملكي السامي في هذا الشأن: «نعتبر أن مستوى التنمية المحلية هو المرآة الصادقة التي تعكس مدى تقدم
المغرب الصاعد والمتضامن، الذي نعمل جميعًا على ترسيخ مكانته. فالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار
فارغ، أو أولوية مرحلية قد تتراجع أهميتها حسب الظروف، وإنما نعتبرها توجهاً استراتيجياً يجب على جميع الفاعلين الالتزام به،
ورهاناً مصيرياً ينبغي أن يحكم مختلف سياساتنا التنموية".

فهل يُعقل أن يبقى هذا المجال الحدودي خارج رهانات التنمية، وهو القادر على أن يكون شاهدًا على نجاح النموذج المغربي في
الإنصاف المجالي؟
تحـــريــــرا بفــــم الحصــن في تاريخـــه: 12اكتــوبـــر 2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب