الشرق الأوسط الجديد الذي يخطط ترمب ونتنياهو لإقامته

الشرق الأوسط الجديد الذي يخطط ترمب ونتنياهو لإقامته
د. كاظم ناصر
لم يشهد العالم العربي حالة من التفكك والانهزام والتردي كالتي يمر بها الآن. فبعد حصول الدول العربية على الاستقلال ورحيل
المستعمرين في منتصف القرن الماضي كانت الشعوب العربية شعوبا طموحة متفائلة تحلم ببناء دول مؤسسات حديثة تمنحها الحرية
وحقوقها السياسية والاجتماعية، وتساوي بينها، وتحفظ لها أمنها واستقراها وكرامتها، وتحقق لها الاندماج في شكل من أشكال الوحدة،
وتحرر فلسطين المحتلة، وتؤدي دورا مناسبا في عالم المؤسسات والتحالفات الدولية يخدم مصالحها وتطلعاتها المستقبلية.
لكن تلك الأحلام والطموحات تراجعت إلى حد كبير، وقد لا تتحقق بسبب الأنظمة الديكتاتورية العربية العميلة الفاسدة التي أوصلت العالم
العربي إلى أخطر وضع يمر به في تاريخه؛ فبعد تدمير غزة وإضعاف محور المقاومة، وتغيير النظام في سوريا واستبداله بنظام لا يخفي
استعداده للتطبيع مع دولة الاحتلال، وتوجيه ضربة قوية للمنشآت النووية والعسكرية الإيرانية بدأت إسرائيل والولايات المتحدة التمهيد
لتغيير الشرق الأوسط الذي بشر بإقامته نتنياهو والذي سيشمل الدول العربية وستكون له تداعيات على الدول الشرق أوسطية الأخرى
إيران وتركيا وأفغانستان.
الفكرة ليست جديدة وكانت حلما إسرائيليا أمريكيا منذ سنوات؛ ففي خطابه في الأمم المتحدة يوم 22 سبتمبر/ أيلول 2024، أمسك رئيس
الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخريطتين تقسمان الشرق الأوسط لقسمين؛ قسم زعم بأنه يمثل دولا تشكل " محور الشر " وهي
إيران وسوريا ولبنان واليمن، ودول " نعمة " تمثل " محور الخير " هي دول التطبيع والدول العربية الأخرى التي تنتظر الفرصة
الملائمة للتطبيع كبعض دول الخليج وغيرها.
وبعد وتغيير النظام في سوريا، وتوجيه إسرائيل وأمريكا ضربة قوية للمنشآت النووية والعسكرية الإيرانية قال نتنياهو " إننا نغير وجه
الشرق الأوسط." فما هو مفهوم ترامب ونتنياهو للشرق الأوسط الجديد الذي يخططان لإقامته؟ وكيف سيكون حال العرب فيه؟ الشرق
الأوسط الجديد الذي تعمل إسرائيل على إقامته يندرج ضمن مخطط استراتيجي صهيوني كبير للهيمنة على المنطقة والتحكم بمقدراتها
ومستقبلها وليس مجرد سياسة لحكومة اليمين المتطرف التي تقود دولة الاحتلال الآن؛ ولهذا فإن هذا المخطط يرتكز على تصفية القضية
الفلسطينية من خلال إنهاء أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة لدولة الاحتلال، وضم الضفة الغربية، وتشجيع وتسهيل تهجير
الفلسطينيين، وحسم الملف الفلسطيني كقضية شعب احتل وطنه وتحويله إلى قضية إنسانية، وربما السماح للفلسطينيين بإقامة حكم ذاتي
في كانتونات متفرقة من الضفة الغربية، وتحقيق التطبيع مع العالم العربي وقبول إسرائيل كدولة من دوله وتمكينها من التغلغل الاقتصادي
والثقافي والسياسي فيه، والمحافظة على تفوقها العسكري وبقائها الأقوى بين دول المنطقة.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن الشرق الأوسط الجديد يعني تعزيز هيمنتها السياسية والعسكرية والاقتصادية على دول
المنطقة؛ فمن الناحية العسكرية من المتوقع ان تتحكم بأمن المنطقة برمتها من خلال قواعدها العسكرية المنتشرة في معظم الأقطار
العربية الخانعة لإرادتها، حيث انها ستستخدم تلك القواعد للمحافظة على مصالحها، وحماية إسرائيل من أي هجمات مستقبلية، وللتحكم
بالمعابر البحرية لحماية التجارة الدولية واستمرار تدفق النفط والغاز؛ أما على الصعيد السياسي فإنها ستدعم الأنظمة العربية التسلطية
المتحالفة معها، وتبتزها اقتصاديا مقابل وعود كاذبة بحمايتها، وتتحكم بشكل أو بآخر بقراراتها وعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول
العالم خاصة تلك المنافسة لنفوذها كالصين وروسيا.
الشرق الأوسط الجديد الذي يخطط ترمب ونتنياهو ومن لف لفيفها من الحكام العرب لإقامته سيكون عبارة عن استعمار أمريكي –
صهيوني كارثي جديد للوطن العربي سيمكن أمريكا وإسرائيل من نهب ثرواته، ويأجج الخلافات والانقسامات بين أقطاره، ويفتح المجال