عربي دولي

حكومة موازية في دارفور: خطر التقسيم يتعاظم

حكومة موازية في دارفور: خطر التقسيم يتعاظم

يعمّق إعلان «الدعم السريع» حكومة موازية في دارفور، الانقسام السياسي ويثير مخاوف جدّية من مسار يؤدي إلى تقسيم السودان.

مي علي

الخرطوم | بعد نحو خمسة أشهر على إعلان “التحالف السوداني التأسيسي” (تأسيس) ميثاقه السياسي من العاصمة الكينية نيروبي، أعلن المتحدث باسم التحالف، علاء الدين نقد، من مدينة نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، تشكيل مجلس رئاسي لحكومة السلام الانتقالية، يضمّ 15 عضواً، برئاسة قائد “قوات الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي). وفيما سيتولّى رئيس “الحركة الشعبية – شمال”، عبد العزيز الحلو، منصب نائب الرئيس، وقع الاختيار على عضو مجلس السيادة السابق، محمد حسن التعايشي، لتولّي رئاسة الحكومة الموازية في غرب البلاد. على أن صلاحيات الأخيرة ستمتدّ في مناطق سيطرة “الدعم السريع” ضمن أربع ولايات من دارفور، باستثناء شمال دارفور، بالإضافة إلى أجزاء من ولايات شمال وغرب وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، فضلاً عن الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات الحلو في جنوب غرب ولاية جنوب كردفان.
وأثارت هذه الخطوة ردّ فعل عنيفاً من جانب الحكومة السودانية، التي طالبت “المجتمع الدولي” ودول الجوار والهيئات والمنظمات الحكومية والدولية بإدانة إعلان “تأسيس”. ودعت وزارة الخارجية، بدورها، إلى عدم التعامل مع “التنظيم غير الشرعي” المعلن من قبل “ميليشيا الدعم”، معتبرةً التعامل معه “تعدياً على الحكومة السودانية وسيادتها على كامل أراضيها”. وجاء في بيان لوزارة الخارجية: «نشجب وندين بأشد العبارات ما ذهبت إليه قوات الدعم السريع الإرهابية بإعلان حكومة وهمية، تزعم فيها توزيع مناصب حكومية لإدارة السودان، في تغافل تام واستهتار بمعاناة الشعب السوداني، الذي أذاقته الميليشيا الإرهابية كل أشكال العنف والتنكيل والتعذيب”.
ومن جهته، وصف الجيش السوداني إعلان الحكومة الموازية بأنه “محاولة بائسة لشرعنة مشروع إجرامي”. وقال المتحدث باسم الجيش، نبيل عبد الله، في بيان، إن “حكومة الميليشيا المزعومة هي محاولة خداع، حتى لشركائهم في الخيانة”، متابعاً أن “المشروع الحقيقي لآل دقلو هو الاستيلاء على السلطة لتحقيق طموحهم الذاتي غير المشروع، ومشروعهم العنصري”.
أيضاً، قوبِل إعلان الحكومة الموازية برفض واسع من قوى وشخصيات سياسية محلية في الداخل والخارج، عبّرت عن خشيتها من أن تقود هذه الخطوة إلى تقسيم البلاد. ومن بين تلك القوى، اعتبر حزب “الأمة القومي”، في بيان، أن إعلان حكومة “تأسيس” يعدّ “تطوراً بالغ الخطورة، وينذر بمآلات كارثية على وحدة البلاد”. وأضاف الحزب أن “(تأسيس) حكومتين متوازيتين دون سند دستوري أو توافق وطني يعد انزلاقاً خطيراً يُكرّس حالة الانقسام التي أفرزتها الحرب”.

قوبِل إعلان الحكومة الموازية برفض واسع من قوى وشخصيات سياسية

وما كان لافتاً، في المقابل، هو تصاعد أصوات رافضة للحكومة الجديدة من داخل “الدعم السريع” نفسها، ولا سيّما من المقاتلين الذين خاضوا الحرب في ولايتَي الخرطوم والجزيرة. إذ عبّر هؤلاء عن استنكارهم لتجاهل القيادة العسكرية وإهمالها للعناصر التي ظلّت تحمل البندقية طيلة فترة الحرب، وتوزيع المناصب على شخصيات من خارج “الدعم السريع”، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً على احتمال حدوث انشقاقات واسعة داخل صفوف “الدعم”، مع اتّساع حالة التذمّر.
وفي السياق نفسه، اعتبرت “تنسيقية لجان المقاومة” في الفاشر – وهي كيان غير حكومي – أن “حكومة تأسيس لا تستند الى شرعية، لا ثورية ولا مجتمعية ولا دستورية”، واصفة إيّاها بأنها “وليدة الغنائم والمصالح والصفقات، ولا تمثل إلاّ من صنعها ولا تعبر عن دارفور”. وأضافت، في منشور على صفحتها الرسمية، أن الحكومة المشار إليها “ليست إلّا ستاراً رديئاً لمشروع تفتيت السودان وهو ما سيجد منهم المقاومة”.
ويرى مراقبون أن القائمين على حكومة “تأسيس”، لا يعوّلون كثيراً على نجاحها بقدر ما يسعون لتثبيت وجودها شكلياً، بهدف فرض معادلة سياسية جديدة عبر التعامل الندّي مع الحكومة المعترف بها في بورتسودان، ودفعها إلى الجلوس إلى طاولة التفاوض. وفي هذا السياق، يرى الخبير الاستراتيجي، اللواء المتقاعد أسامة محمد أحمد، أن “الحكومة الموازية تفتقر إلى الدعم والسند الشعبي والسياسي والقانوني”، واصفاً إياها، في حديثه إلى “الأخبار”، بأنها “محاولة لشرعنة المشروع العسكري بطريقة سياسية”. ويوضح أن الهدف الرئيس من الإعلان عن حكومة في مناطق سيطرة “الدعم” هو “تكوين جسم سياسي متماهٍ مع الميليشيا لضمان دخول الأخيرة المفاوضات من موقع سياسي”.
أما المستشار السابق لقائد “الدعم السريع”، يوسف عزت، فيرى أن “وقف الحرب عبر التفاوض سيتعقّد بقيام حكومتين لا تمثل أياً منها مصالح ورغبات المواطنين”، لافتاً، في تدوينة على منصة “أكس”، إلى أن “الأوضاع بقيام سلطتين في السودان وصلت إلى نقطة تقسيم البلاد وتمزيق جغرافيتها لصالح مشاريع تتناقض ومصالح السودانيين”.
وفي الوقت الذي أعلن فيه الجناح السياسي لـ”الدعم السريع” حكومته، تستمر المعارك التي يخوضها الجيش في شمال كردفان، حيث ترتكب قوات “الدعم” انتهاكات في القرى والمدن الخاضعة لسيطرتها، أدّت إلى نزوح العشرات من المواطنين من قراهم إلى مدينة الأبيض، حاضرة الولاية، التي يسيطر عليها الجيش. ويأتي ذلك بينما يدفع الأخير بمزيد من التعزيزات إلى إقليم دارفور، توطئة للمعركة الفاصلة في الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور.

الاخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب