
مهام كبيرة، لاعبون صغار
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
ثمة مؤشرات هامة في السياسة العراقية تنبأ عن احتمالات جديدة، ولكن ليكن معلوماً سلفاً، أن هذا لا يعني أن الغد الزاهر المزدهر على الأبواب، وأن نهاية العسرة العراقية وشيكة، فبكل صراحة مؤسفة نعتقد أن الموضوع أعقد من ذلك، وأن من هدم الهيكل العراقي فعل ذلك بطريقة فنية حاذقة، تنطوي على الكثير من المكر والدهاء والخبث، فوزعوا أركان الهيكل على المحيطات الخمس وبحار العالم ليتعسر إيجاد وسيلة لتجميع أركان الهيكل وإعادة بناء البيت، ومن جهة أخرى وضعوا في واجهة المشهد من هو مستعد أن يتنازع معك ألف عام، على قضية تافهة لا تستحق عشرة فلوس من فلوس التضخم ..! فكيف تتفاهم مع من لا يفهم من الدنيا سوى ما تحت قدميه وليس أبعد من أرنبة أنفه..! أو شقة مطلة على بحر أو خليج يمارس فيها شذوذه النفسي والمعرفي والثقافي على هواه ..
إنها لمهزلة التاريخ القديم والحديث معاً، يحتار في وصفها وفك طلاسمها أبرع الفلاسفة والمؤرخون، كيف أقنع الشياطين الكبار والصغار أهل البيت أن يحرقوا بيتهم، ويبيعوا أنقاضه وما تبقى منه بتراب الفلوس، بل ورهنوا حتى مستقبله، ويفعلون ذلك بسعادة وبهجة غامرة، إنها حقاً لمسألة يعجز العقل البشري عن حلها، هل هناك فلسفة تنص على أن نصبح خدماً أشرف من أن نكون أسياداً في دارنا، وأن نستجدي ونشحذ أفضل من أن نلعب كما كنا دائماً نلعب دور الواهب الكريم والمانح السخي..! بطريقة واحدة فقط لا غير يمكنك التعاطي في هذا الشأن، أن تعتبر من هم بمواجهتك عصابيون (مصابون بلوثة عقلية)، أو معوقين، وفي كل الأحوال أنت في محنة، من بيده مقود السيارة البالغة التعقيد، ذات العشرات وربما المئات من الأزرار والمفاتيح، لاعبون صغار … صغار جداً .. بالكاد تصل أقدامهم لكوابح السيارة ومفاتيحها …. والكارثة أن يسألك أحدهم .. أي سيارة تقصد ..؟
ما هي المؤشرات والإضاءات التي تلوح أمامنا وتستحق منا أن نفكر بعمق شديد بعيداً عن التعصب والتحزب، بهدف وحيد يتلخص، ب : إنقاذ أنقاض الهيكل وبقاياه .. ومنح الأمل للأجيال المقبلة ..!
لما يبلغ الحال إلى ما وصل إليه، من التعب والانحطاط، وإلى أ استجداء، الدعم وبيع أراض السيادة الوطنيةممتلكات، والمنف1 الوطني الوحيد، فهذا هو الحضيض، ترى هل بعده حضيض … مالعمل ؟ ..
بتقديري أن هامش المناورة يتضاءل ويضيق، والحلول تطرح نفسها، والخيارات ليست كثيرة. امام الشعب العراقي وقواه السياسية إن في الحكم أو في المعارضة الداخلية والخارجية والنظام، حكومة لا خيار لديها هي كالقائد العسكري الذي كان قد زج بالاحتياطي(استقلاله الوطني، وسيادته)، وأمسى بلا احتياطي، الحلول أمامه ليست كثيرة بل هي على الأرجح حلول إرغامية (Inevitable) لا محيص عنها، وحتى في هذه الحالة فإن الحكومة تتحركت صوبها بشكل تكتيكي / سيئ سيضاعف الأزمة ولا يساعد على حلها. فالحلول على ضيقها تتلخص بمحاولات حثيثة ينبغي أن تبذلها الحكومة بإيقاف التدهور أولاً بتقليص هامش التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية، وذلك ببذل المحاولات بتجنب الخيارات المكلفة التي سوف تزيد في عمق الأزمات، وتوصلها من حافة الانهيار التي هي عليه الآن إلى الانهيار الشامل فعلاً.
الحل الأوحد يتمثل بحكومة إنقاذ من تكنوقراطين، وإبعاد أجهزة الدولة عن أيدي مشعلي الحرائق، بل العمل المخلص بإطفاء تلك الحرائق، أو النقاط والبؤر الملتهبة، العراق لم يعد لقمة سائغة شهية، لأنه لم يعد فيه شيئ يؤكل، والعائدات قد استهلكت حتى للسنوات المقبلة، وماذا بعد …؟ ليس سوى تدمير نهائي للعراق حتى لا يعود يمثل كياناً ذا شأن، أو جار يريد من العراق أن يكون دولة وسادة (Buffer State) دولة صغيرة تحجز بين دولتين) أو ودولة تتمتع باستقلال نسبي، وأميركا تريدها دولة تحت الحماية (Protectorate State)، أو دولة دول تابعة (State Vassal)، وفي جميع الأحوال هذه، فالعراق فاقد لسيادته التامة على أرضه ومقدراته، بل وحتى على أبسط شروط السيادة.
إيقاف القوانين والقرارات سيئة الصيت التي قسمت الشعب العراقي طوائفاً وقبائل وأحزاب وميليشيات، إنهاء التهميش والإيثار والأستئثار، والإقصاء والاجتثاث، قرارات قسمت المواطنين وفرقت بينهم، وأججت الصراعات، والعداوات، وأسباب النزاع، والمطلوب الآن وبأسرع ما يمكن حكومة تكنوقراط تكون أشبه هيئة أطباء لا يتدخل أحد في قراراتها الفنية والمهنية، حكومة تفعل كل ما يمكن فعله من أجل وحدة الصف العراقي، فالبلاد بحاجة حتى لجهد الطفل الرضيع، لندخل في حالة إنذار عمل وجهد لا يتوقف لأنتشال الوطن والشعب من المحنة.
هذا ما يريده الناس …. ليس لدينا وقت طويل للتأمل والتفكير ..! أنقذوا العراق