كتب

الأمن والأمان وفرض سيادة القانون: المدخل للنهوض الاقتصادي والاجتماعي في ظل التحديات والفوضى الحضرية

الأمن والأمان وفرض سيادة القانون: المدخل للنهوض الاقتصادي والاجتماعي في ظل التحديات والفوضى الحضرية
إعداد وتقرير : علي ابوحبله
مقدمة
في ظل ما تشهده المدن الفلسطينية من أزمات متفاقمة على المستويين الأمني والاقتصادي، تتزايد حاجة المواطن إلى الشعور بالأمان والانضباط ووجود دولة القانون. فحالة الفوضى المستشرية، والاعتداءات على الممتلكات العامة، والانتشار العشوائي للبسطات والتعديات على الأرصفة، إلى جانب فوضى السير، باتت تمثل وجهًا صارخًا لانعدام سيادة القانون وغياب الرقابة والمساءلة. هذه المظاهر لا تنفصل عن تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، بل تتغذى عليه وتزيد من تأزيمه، لتتحول إلى دائرة مغلقة من الفوضى والانهيار.

أولًا: سيادة القانون شرط لتحقيق الأمن الاجتماعي
تنص المادة (9) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 على أن “الفلسطينيين أمام القانون والقضاء سواء، لا تمييز بينهم…”، ما يعني أن العدالة يجب أن تُطبّق على الجميع دون استثناء أو تمييز. إن تطبيق القانون بعدالة وبدون محاباة هو صمام الأمان الذي يحفظ تماسك المجتمعات، ويُرسّخ ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.
غياب الحزم في التعامل مع التعديات على الأرصفة والشوارع العامة، وترك البسطات تحتل الفضاء الحضري بشكل غير منظم، يشير إلى خلل في أدوات الحكم المحلي، وإلى فقدان القدرة على التنظيم المدني، مما ينعكس سلبًا على جودة حياة المواطنين، خاصة ذوي الإعاقة وكبار السن والطلبة، ويُعمّق الشعور بالفوضى. ووفقًا لتقرير هيئات الحكم المحلي لعام 2024، فإن ما يقرب من 47% من المساحات العامة في مراكز المدن تتعرض لتعديات يومية.
كما تنص المادة (26) من قانون الهيئات المحلية الفلسطيني رقم 1 لسنة 1997 على أن “تقوم المجالس البلدية بتنظيم الأسواق العامة والباعة المتجولين، بما يحقق المصلحة العامة ويمنع التعدي على المرافق العامة”، وهو ما يحمّل السلطات المحلية مسؤولية مباشرة في معالجة هذه الظواهر.
ثانيًا: الفوضى الحضرية مرآة لانعدام الأمن الاقتصادي
تنتشر البسطات العشوائية في مراكز المدن وعلى جوانب الطرقات، لا كمظهر عابر، بل كنتاج حتمي لانعدام الأمن الاقتصادي وتفشي البطالة، وغياب البدائل المعيشية المنظّمة. تشير إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (2024) إلى أن نسبة البطالة في الضفة الغربية بلغت 25.7%، في حين تعيش 29.2% من الأسر تحت خط الفقر بحسب البنك الدولي، وهو ما يعكس هشاشة الواقع الاقتصادي ويفسّر انتشار الاقتصاد غير الرسمي والعشوائي.
لكن التعامل مع هذه الظاهرة لا ينبغي أن يكون أمنيًا صرفًا، بل عبر خطة تنموية شاملة تراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي، وتوفّر بدائل منصفة عبر أسواق شعبية منظمة، وإطار قانوني واضح يكفل حق الكسب الكريم دون التعدي على النظام العام. وهو ما يتوافق مع المادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) التي تنص على “حق كل فرد في العمل، بما يشمل الحق في كسب الرزق بعمل يختاره أو يقبله بحرية”.
أما فوضى السير، والتي تزايدت بشكل كبير، فتشير بيانات وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية لعام 2024 إلى تسجيل ما يزيد على 14,800 شكوى مرورية في المدن الكبرى، معظمها مرتبطة بسوء التنظيم المروري والتعديات على الشوارع. هذا الواقع يُفقد المدن قدرتها على العمل بكفاءة ويقلل من الإنتاجية العامة.


ثالثًا: النهوض يبدأ من فرض النظام
لن يُكتب لأي خطة اقتصادية أو إصلاح إداري النجاح إذا لم تُبسط سيادة القانون أولًا، وإذا لم يشعر المواطن أن كرامته محفوظة في الشارع كما في المؤسسات. إذ لا معنى للحديث عن الاستثمار والتنمية في ظل بيئة مضطربة تفتقر لأبسط مقومات الأمان والتنظيم. ويشير صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير إلى أن معدل النمو الاقتصادي في فلسطين لعام 2024 بلغ -1.3%، وهو ما يعبّر بوضوح عن انسداد الأفق في غياب إصلاحات حقيقية.
النظام العام ليس ترفًا، بل هو الأساس لكل استقرار. ولا يمكن للفوضى أن تكون بديلًا عن الحقوق، ولا يمكن للفقر أن يبرر العشوائية إلى ما لا نهاية. المطلوب اليوم هو دمج البعد الإنساني في فرض القانون، مع توفير بدائل عادلة للمخالفين، ومحاسبة المتجاوزين دون تمييز، حتى تعود للمكان هيبته وللدولة احترامها.
خاتمة
إن إعادة الاعتبار لسيادة القانون، وفرض النظام العام، ومعالجة مظاهر الفوضى في الحيز العام، هو المدخل الحقيقي للنهوض بالواقع الفلسطيني المتردي. فالمواطن لا يطلب المستحيل، بل يبحث عن كرامة معيشية، وعدالة اجتماعية، وأمن يضمن له البقاء والصمود في وجه سياسات الخنق والحصار.
تحقيق الأمن لا يكون بالشعارات، بل بالمؤسسات الفاعلة، والرقابة النزيهة، والقانون العادل الذي يطبق على الجميع بلا استثناء، تماشيًا مع مبادئ العدالة الدولية، وبما يكفل لمجتمعنا حقه في التنظيم الحضري والعيش الكريم ضمن دولة القانون.
.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب