ثقافة وفنون

عرض «شرق 12» … محاولة متهافتة لصنع فيلم سينمائي

عرض «شرق 12» … محاولة متهافتة لصنع فيلم سينمائي

محمد عبد الرحيم

كاتب مصري

القاهرة ـ «القدس العربي»: (الفن السابع) هو المُسمى الشائع للسينما، بما أنها تضم جميع الفنون السابقة على ظهورها، من عمارة، موسيقى، رسم، نحت، شعر، ورقص. فالسينما أعادت مع تطورها دمج هذه الفنون في ما يُسمى بـ(الفن السينمائي). وهذا وإن كان تعريفا مُخلا من أحد معاجم الفن، لكنه يتبادر إلى الذهن، بعد مشاهدة عرض بعنوان (شرق 12)، الذي يستند إلى الفوتوغرافيا أكثر منه إلى السينما، خاصة أن صاحبة العمل مصوّرة فوتوغرافيّة في الأساس. وإن كانت السينما في أساسها صورة فوتوغرافيّة متحركة، إلا أنها ليست كذلك من حيث عناصرها الأخرى، التي يتشكّل منها الفيلم السينمائي.
العمل الموسوم بكونه فيلماً تأليف وإخراج ورؤية فنية وملابس ومشاركة في المونتاج لهالة القوصي، التي تصف عملها في العديد من حواراتها الصحافية، بأنه «ينتمي إلى الكوميديا السوداء ذات الطابع الفانتازي، ويطرح تساؤلات عميقة حول العلاقة بين الأجيال، ودور الكبار في تأمين مستقبل أفضل للشباب، بالإضافة إلى رغبة هذا الجيل في التميز والابتكار». الفيلم أداء، منحة البطراوي، أحمد كمال، عمر رزيق، فايزة شامة، أسامة أبو العطا، وباسم وديع. تصوير عبد السلام موسى. موسيقى أحمد الصاوي. تصميم رقصات شيرين حجازي. ديكور عمرو عبده. مخرج منفذ فاضل الجارحي، إنتاج هولندي مصري قطري.


في صحة التهويمات
هناك بعض التوصيفات الجاهزة والمُعلّبة التي أصبحت منذ زمن تبدو كسمات المتثاقف، التي من دونها لن ينضم إلى قطيع صفوة المتثاقفين أمثاله، كاستخدام لغة متعالية مُفكَكَة، والكثير من أفكار ركيكة بعيدة عن اكتمالها، فلا بد أن تصبح التهويمات والعبارات فارغة المعنى والدلالة هي التي يصدّرها الموسوم المتثاقف للآخرين، وبالطبع له جمهوره ممن هم على شاكلته، يهللون له ولأنفسهم من قبله. فوضوح الفكرة وبساطتها مع عمق ما تحمله من معنى هي سمة وعي صاحبها، ولنا في أعمال نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف وداود عبد السيد، وغيرهم أسوة حسنة، وهي أعمال تأتي بالطبع على النقيض من ألعاب المتثاقف قاصر الوعي.
«الأرض أرض
والسما سما
والهوا هوا
ــ حاجة كده تفكرك بالقرية القرية، الأرض الأرض وانتحار رجل الفضاء وقصص أخرى للقذافي ــ والجدع يحلم ببحر واسع/والحلم يدفنه الخوف/والخوف بهلوان جعان/ونعاود من البداية/ويحلم الجدع/والحلم بحر مينشفش».
عبارات تتكرر من خلال شخصية (جلالة) منحة البطراوي، حيث الحكايات وبلاغة الأداء، وكأن ما يُقال يحمل دلالات لا تحصى. فهي امرأة تختص بفعل الحكي لسكان المكان الذي يُطلق عليه (شرق 12) ـ مكان خيالي متوقف زمنه ـ حتى إن أحد المُفسرين والشُرّاح على متون العمل الفذ، يرون أن (جلالة) بما أنها تحكي حكايات تخدّر بها الجميع، ما هي إلا (الصحافة) صاحبة الجلالة! لا تندهش، فالآتي أغرب وأضل، ليصبح تفسير اسم العمل (شرق 12) هو منطقة الشرق الأوسط، وعام 2012 عام ما بعد ثورات الربيع العربي ومآلها!
فنان وسلطوي وعاهرة


الشاب (عبده) عمر رزيق حفيد الست (جلالة) يحب الموسيقى، ويحلم بمغادرة المكان لتحقيق حلمه، ومن خلال بعض الأدوات الخردة في منزله وعدة أجهزة تسجيل قديمة، يقوم بعزف وتأليف الموسيقى. على الناحية الأخرى تبدو حبيبته فايزة شامة (نُنَة) أو (مصاصة) للدلالة على مهنتها كعاهرة المكان ـ لاحظ فكرة الدلالة التي لا تفارق صاحبة العمل، حتى لو كانت دلالة رخيصة تنتمي لمسميات الشوارع، حتى تنتفي فكرة التعالي على مخاليق الله ـ التي يستخدمها من يمثل ضابط الشرطة ورفاقه من حَفظَة الأمن في المكان، والتي تنتوي الهرب مع صديقها الفنان في النهاية. ونأتي إلى السلطوي (شوقي البهلوان) أحمد كمال، الذي حاول بدوره أن يصبح سلطوياً حكيماً، من خلال أداء وصوت أحمد كمال المعهود، بداية من أدواره الأولى، خاصة (سليمان الصايغ) في فيلم «الكيت كات»، ومن وقتها والحكمة لم تفارقه. وهو هنا يبدو كالمتحكم في كل شيء في المكان، ويقوم بعمل استعراضات لإلهاء الجماهير، وإمعاناً في السخرية السوداء والفانتازيا، كما تصف صاحبة العمل عملها الأسود والأبيض ـ الموضوع المُصوّر جاء بالأسود والأبيض، عدا القليل منه بالألوان ـ يمتلك السلطوي أقوى سلاح في مواجهة الناس، وحتى تبتعد عن المباشرة وتكتفي بالإيحاء، الذي هو من سمات الفن، فلا تصرّح بامتلاكه لـ(التلفزيون) كجهاز دعائي للسلطة، ولكنها تطلق على عروضه المُمَسرحة ـ أشبه بالمسرح الشعبي ـ (الفيزيون). آه والله.
فشوقي يحتكر السلطة بمساعدة الضابط الأقرب للبلطجي ورفاقه، وكذلك جلالة نفسها، التي تحكي حكايات تساعد على تخدير الناس، من خلال حكاياتها الوهمية، حتى إن الفنان الثائر (عبده) ـ في التعريف بالفيلم يُطلق عليه الموسيقار الشاب، نتيجة الترجمة عن الأصل الإنكليزي، للحصول على الدعم أو التسويق في المهرجانات ـ يثور في وجه جدته الحكيمة، ليرد عليها بحكمة متوارثة..
«جلالة الحكيمة: الخيال دوا شافي
عبده الثوري: الخيال بيخدورنا بيه من اللفّة لحد القبر».
عاوز له سُكّر
وإمعاناً في الفانتازيا والسخرية الكاروهات، تأتي العُملة المعتمدة في المكان، فإما المقايضة ببعض العاديات من الست الحكيمة الحكاءة، إلا أن (السُكر) ـ سكّر قوالب ـ هو العُملة التي يوزعها السلطوي على المخاليق. وعن السُكّر نتحدث.. فالبعض فسّر الأمر بأن الرجل يتعامل مع الناس كالخيول، التي تحب السكر، وتمتثل لأوامر صاحبها من خلال هذه المكافأة. أما التفسير الذي يفوق الفانتازيا فيرى أن صاحبة العمل تمتلك رؤية استشرافية، خاصة مع أزمة السكر والمواد الغذائية نتيجة الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تعيشها مصر حالياً.
ولا بد أن نتحلى بالحكمة ـ مش بالسُكّر ـ ولا نجد ختاماً أكثر حكمة من كلمات الحاجة جلالة، التي في بعض التفسيرات جاء اسمها دالاً (جلا جلا) بمعنى شغل التلات ورقات، وهو شغل ينصرف على العمل ككل..
«الأرض أرض
والسما سما
والهوا هوا
وأنا وانتَ».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب