«نوستالجيا عاطفة الأمس» في المغرب: عرض فني يعيد الحياة إلى ذاكرة المدن

«نوستالجيا عاطفة الأمس» في المغرب: عرض فني يعيد الحياة إلى ذاكرة المدن
ماجدة أيت لكتاوي
الرباط ـ «القدس العربي» : طيلة أسبوع، تحوّلت قصبة أغادير أوفلا التاريخية (في الساحل الأوسط للمغرب) إلى فضاء نابض بالحياة، حيث احتضنت النسخة الثانية من التظاهرة الثقافية والفنية الكبرى «نوستالجيا.. عاطفة الأمس»، مُشكّلة لحظة استثنائية لاستعادة ذاكرة المدينة وترسيخها في وجدان الأجيال الصاعدة.
وشهدت التظاهرة حضور شخصيات سياسية وثقافية وازنة، من بينهم رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ووزير الشباب والثقافة والتواصل محمد مهدي بنسعيد، إلى جانب والي (محافظ) جهة سوس ماسة سعيد أمزازي، في مشهد عكس أهمية هذا الحدث في الأجندة الثقافية المغربية.
وتنوعت فقرات العرض بين مشاهد مسرحية وفنية حيّة تحاكي فترات زمنية مختلفة من تاريخ المنطقة، مستعرضة الحضارات المتعاقبة التي طبعت أغادير وجِهة (محافظة) سوس. وشارك في العرض أكثر من 300 فنان وتقني، معظمهم من أبناء المدينة، بالإضافة إلى طلبة وخريجي المعهد العالي للتنشيط الثقافي والمسرحي، الذين أبدعوا في تقديم لوحات غنية اعتمدت على أحدث تقنيات الإضاءة والموسيقى التصويرية، ما خلق تجربة حسّية غامرة للجمهور.
واعتبر وزير الثقافة، في تصريح إعلامي، أن هذه التظاهرة تشكّل مناسبة لتقريب فصول من التاريخ الوطني المغربي إلى المواطنين، خصوصا فئات الأطفال واليافعين والشباب، مؤكدا أن عرض «نوستالجيا» يهدف إلى تعزيز إشعاع المواقع الأثرية والتعريف بالموروث الحضاري المغربي. كما أشار إلى أن الوزارة تعمل على تعميم هذا البرنامج في مختلف جهات (محافظات) المملكة، بتنسيق مع الفاعلين المحليين.
من جهتهم، عبّر الحاضرون عن انبهارهم بجودة العرض وعمق الرسائل التي حملها، حيث قالت إحدى الزائرات: «أعادونا قرونا إلى الوراء، وتعرفنا على وقائع لم نكن نعرفها عن أغادير». بينما أكد آخر: «استمتعنا كثيرا، وشعرنا بالفخر بتاريخنا وهويتنا».
وتحت شعار «عاطفة الأمس»، لم تقتصر التظاهرة على العرض الفني فقط، بل شملت أيضا معارض تراثية وورشات حرفية وعروضا موسيقية مفتوحة، موجهة لكل الفئات العمرية، إلى جانب جولات سياحية في الموقع الأثري، مما رسّخ البُعد التربوي والثقافي للتظاهرة، وساهم في تعزيز جاذبية المدينة كوجهة للسياحة الثقافية.
تظاهرة «نوستالجيا.. عاطفة الأمس» لم تكن فقط لحظة للاحتفاء بالماضي، بل جسّدت رؤية متكاملة لإحياء التراث وربط الماضي بالحاضر، في تجربة تثقيفية وترفيهية بامتياز، جعلت من أغادير أوفلا منصة لإشعاع التاريخ والثقافة المغربية في أبهى صورها.ولم تكن هذه التظاهرة الفنية سوى محطة من ضمن محطات أخرى مماثلة، شهدتها مدن مراكش وفاس والرباط، وكتب الناقد والإعلامي السوداني عصام أبو القاسم الذي حضر عرض شالة في الرباط: «تقوم فكرة هذا العمل المتجول، الذي عرض في عدد من المواقع الأثرية بالمملكة، على تجسيد جزء من التراث الحكائي المرتبط بمناطق ذات عمق تاريخي. يعتمد العرض في تنفيذه على صيغة «مسرح الموقع»، حيث يسلط الضوء على الخصائص المعمارية للمكان وتاريخه وأجوائه. ففي كل منطقة أثرية يُقدم فيها، يغير العرض مضمونه ومنهجية تجسيده ليتناغم مع خصوصية هذا الموقع الأثري الجديد، ويغير كذلك فريقه التمثيلي والتقني ليكون من أبناء المنطقة ذاتها. بهذا، يُتيح العرض فرصة عمل للمزيد من الممثلين، ويتيح لنفسه أن يتجدد باستمرار ويزيد من عدد الشركاء الذين ساهموا في إنجازه».
وأفاد بأن هذا العمل عرض في مدن ومناطق عديدة، وحظي بإقبال جماهيري كبير في كل مرة، من المغاربة وزوار تلك المناطق الأثرية من الأجانب.
وأوضح الناقد الأكاديمي المغربي خالد أمين أن «دراماتورجيا» أمين ناسور في عروض «نوستالجيا» تتبنى مُقاربة إبداعية تتخطى القيود الدراماتورجيا التقليدية، لتُحوِّل الموقع إلى مُكوِّن أساسي وفاعل في التجربة الفنية. فالموقع هنا ليس مُجرَّد فضاء للعرض، بل هو شريك وجودي في الفعل الإبداعي، يتحول إلى «نص» يُعاد تأويله وتفسيره وإعادة كتابته من جديد من خلال لغة الأداء العابرة للحدود بين التخصصات الفنية. وتُصبح حركة الجمهور جزءًا جوهريًا من العرض، مُحوِّلًا إياهم من مُتلقِّين سلبيين إلى مُشاركين نشطين في بناء المعنى. وتُستخدم عناصر حسية مُتنوعة، مثل المؤثرات الصوتية المُحيطة والأطياف المرئية العابرة، لإثراء التجربة واستحضار أشباح الماضي الساكنة في المكان.