
سياسة الهروب إلى الأمام
بقلم الدكتور يوسف مكي
يمر الوقت كئيبا وحزينا على أهلنا في قطاع غزة، وهم يقتربون من نهاية العام الثاني، على حرب الإبادة وسياسة التجويع والتعطيش التي يمارسها الكيان الإسرائيلي بحقهم. وفي أقل من عامين، بلغت الخسائر، في صفوف الغزاويين، أكثر من ستين ألف شهيد. يضاف لهم، ثلاثة أضعاف هذا العدد من الجرحى، جلهم من المدنيين، شيوخا ونساء وأطفالا، عدا ما هو غير معروف عن أعداد المفقودين.
مشهد الهياكل العظمية، التي أصبحت معلومة للعالم بأسره، باتت موضع غضب واستنكار شعبي عالمي، ونقلت صورة إسرائيل، من الدولة الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط، إلى دولة تمارس الإرهاب، ولا تتردد عن قتل الأطفال.
الصورة التي برزت فيها إسرائيل، غداة ما بات يعرف بطوفان الأقصى، تبدلت رأسا على عقب. فحكومات الغرب، التي سارعت للقدوم إلى تل أبيب، معلنة تضامنها مع نتنياهو وحكومته، لم تستطع مواصلة تقديم شيك على بياض، للحكومة الإسرائيلية. وصار السؤال الأكثر إلحاحا، هو متى موعد وقف إطلاق النار، بل أن البعض من دول الاتحاد الأوروبي، طالب بمحاسبة المسؤولين عن حرب الإبادة.
صار العالم، منقسما بين حكومة إسرائيل ونتنياهو، والإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب من جهة، والعالم بأسره من جهة أخرى. والحكومات العربية، التي أقامت علاقات مع إسرائيل، بحسبان أن ذلك، قد يسهم في تحقيق السلام العادل للفلسطينيين، ويساعد في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، غدت تنظر بشك إلى مسلماتها.
في تحد صارخ، للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وعلى رأسها القرارين 242، و338، التي اعتبرت الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في حرب حزيران/ يونيو 1967، أراض محتلة، لا يجوز العبث بأوضاعها الجغرافية أو الديمغرافية، تعلن الحكومة الإسرائيلية، عن نيتها ضم قطاع غزة، لكيانها.
لقد كشفت القناة 12 الإسرائيلية، جزءا من تفاصيل خطة عسكرية، لاحتلال القطاع، نوقشت يوم الخميس الماضي، في مجلس الوزراء الأمني المصغر، رغم اعتراض رئيس الأركان، إيال زامير، وعدد كبير من القادة الإسرائيليين السابقين من مخاطر احتلال القطاع، على أمن إسرائيل.
اللافت للنظر، هو سماح الرقابة العسكرية الإسرائيلية، بنشر المزيد من التفاصيل، عن الخطط العسكرية، التي ناقشها المجلس الوزاري المصغر، في غضون الأيام السابقة. وضمن ما تم نشره، الحديث عن مناورة برية تمتد من 4 إلى 5 أشهر، وفق تقديرات واضع خطة احتلال القطاع، والتي سيتولى تنفيذها من 4 إلى 6 فرق عسكرية.
وتتضمن الخطة، تحقيق هدفين رئيسيين، الأول يتعلق باحتلال مدينة غزة، والمخيمات الواقعة وسط القطاع، في حين يتمثل الهدف الثاني، في تهجير السكان، أو ما تم توصيفه، بدفع سكان القطاع جنوبا، بالتزامن مع سياسة التجويع والتعطيش والحرمان من العلاج، بهدف تشجيع الغزاويين على الخروج من القطاع.
يأتي كل ذلك، متزامنا مع قرار اتخذه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المدان من قبل محكمة العدل الدولية، والمطلوب للمحاكمة، من قبل محكمة الجنايات الدولية، للهروب إلى الأمام، بالمضي في احتلال غزة، بحسب ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، عن مصدر مطلع لم يحدد اسمه.
وقد أكدت محطة سكاي نيوز هذه المعلومات، وأشارت إلى موافقة مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، على مقترحات نتنياهو باحتلال غزة.
أن التصويت على القرار بضم قطاع غزة، تزامن مع احتجاجات متفرقة، أمام مكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو في مدينة القدس. وقد احتشد الإسرائيليون، حول علم كبير عليه صور الأسرى المحتجزين في غزة، وهم يهتفون لإنهاء الحرب. وإعادة جميع الأسرى، الذين لا يزالون في قبضة حركة حماس. إن تنفيذ اعادة احتلال غزة، من وجهة نظرهم، سيعرض حياة الاسرى للخطر، وسيضاعف من عزلة إسرائيل، أمام الرأي العام العالمي.
في هذا السياق، أصدر منتدى الأسرى الإسرائيليين، بيانا ذكر فيه، أن تصعيد القتال ضد قطاع غزة، هو بمثابة حكم إعدام، واختفاء فوري لأحبائنا. وأضاف البيان، انظروا إلى أعيننا، عندما تختارون التضحية بهم. هذا هو الوقت المناسب لوضع اتفاق شامل على الطاولة يعيد الخمسين أسيرا اللذين هم في قبضة حماس إلى ذويهم. وقالت أنات انغريست والدة جندي اسرائيلي أسير لدى حماس، في بيان موجه لحكومة نتنياهو/ لسنة وعشرة أشهر ونحن نحاول أن نصدق أن كل شيء يفعل هو من أجل إعادتهم، لقد فشلتم.
إن الأمر برمته، لن يمر بسهولة، فالفلسطينيون، الذين دافعوا عن أرضهم، طيلة السنوات الماضية، والذين صمدوا أمام امتحان عسير، في السنتين الماضيتين، لن يستسلموا لغطرسة الاحتلال الإسرائيلي وجبروته، وسوف يواصلون تصديهم ببسالة، لمحاولات مصادرة وتذويب هويتهم. وسوف يدرك جيش الاحتلال، وإن كان ذلك متأخرا، أن أوهامه ومشاريعه إلى زوال.
إن الدول العربية والإسلامية، قد نددت بشدة بالقرار الإسرائيلي، معلنة بقوة رفضها له. وليس من شك في أن السلوك الإسرائيلي، يضع على مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، مسؤولية تاريخية، للتصدي العملي للخطوات الإسرائيلية، حفاظا على السلم، وتجنيبا للمنطقة من مخاطر الانزلاق للفوضى. ينبغي أن تعمل الحكومات العربية والإسلامية مجتمعة، في اتجاهات مختلفة، لتعطيل مشاريع الضم الإسرائيلية، وتجريم بناء المستوطنات بالأراضي المحتلة، والتصدي العملي لمحاولات نتنياهو الهروب إلى الأمام.