مقالات

في فلسطين : ليس قدر الناس في الموت ولكنه قدرهم في صمت القبور للاحياء والخارجين عن الشرعية الدولية امام مجازر الاحتلال

بقلم مروان سلطان – فلسطين

في فلسطين : ليس قدر الناس في الموت ولكنه قدرهم في صمت القبور للاحياء والخارجين عن الشرعية الدولية امام مجازر الاحتلال

 

 

بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸

11.8.2025

————————-

الحرب على غزة ليست مجرد صراع عسكري، بل إبادة منظمة تستهدف حياة الفلسطينيين وكرامتهم. الاحتلال لا يقتل المدنيين فحسب، بل يستهدف الصحفيين والمسعفين والأطباء لإسكات الحقيقة ومنع نقل معاناة الشعب الفلسطيني إلى العالم. رغم الصمت الدولي والتواطؤ، تبقى الحقيقة حية، وصرخة الشهداء وأصوات الشهود ترفض أن تُدفن حيا. استهداف الحقيقة واغتيالها اليوم ياتي من اجل طمس الحقيقة التي لا يريدون اظهارها من بشاعة المشهد في عملية احتلال غزة ، في الايام القادمة.

الحرب على غزة ليست حربا كأي حرب، فلا يمكن مقارنتها بالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا. فحرب الإبادة والتطهير العرقي والتجويع التي يشنها الاحتلال على الشعب الفلسطيني لا تشبه شيئا مما يجري هناك. فقد تعرضت روسيا لعقوبات صارمة من الغرب والولايات المتحدة، دون أن ترتكب من الجرائم وأنواعها وبشاعتها ما ارتكبه الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. لا أستطيع أن أصف ما يدور من مجازر وقتل بأنه قدر الفلسطينيين، بقدر ما هو تصريح منح للإسرائيليين لشن عدوانهم على غزة والضفة مع ارتكاب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني. انها ازدواجية في المعايير ، فعندما تكون اسرائيل يصمت الجميع، وعندما تكون غيرها تقوم الدنيا ولا تقعد.

واقع الحرب في أي مكان هو القتال بين الجيوش أو اشتباكات تحمل الطابع العسكري بين الطرفين، لكن أن تطلق الطائرات والمدافع والدبابات والجنود نيرانها على المدنيين فهذا هو الواقع الذي يعيشه الناس في هذه الحرب التي يشنها طرف عسكري مجهز بكل الاسلحة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على طرف أعزل الا من ايمانه بان له مكانا في الحسابات العقائدية وحب الاوطان، مسببة دمارا هائلا وقتلا واسعا بين المدنيين، وخصوصا بين الأطفال والنساء. ومع حرب التجويع والتعطيش ومنع الدواء، فإن كل ذلك يدور في صمت الصامتين وتحريض المحرضين على قتل الشعب الفلسطيني.

هذه الحرب تقتل الناس لأنهم شهود على جرائم الاحتلال، شهود على نقل الحقيقة إلى العالم، شهود يرصدون عبر حسهم الوطني وكاميراتهم القتلى، ودمار الجامعات والمستشفيات والبنية التحتية. سلوك عدواني يستهدف تحطيم النزعة الإنسانية بين البشر، ولأجل هذا قتلت شيرين أبو عاقلة، واليوم يقتل أنس الشريف، لا لشيء إلا لأنهم أرادوا طمس الحقيقة عن مستوى الانحدار الأخلاقي الذي وصلوا إليه، وعن وجدانهم المتردي الذي يمنع الحقيقة من الخروج إلى العلن، والتبريرات موجودة، او تميع اذا ما تسببت باحراجهم. الجدير به ان يذكر ان هذا الاحتلال عندما يستهم شخصا بعينه فانه لا مانع عندهم سقوط كل الذين يحيطون به او يعملون معه، ولا ترف لهم جفن في ذلك . مظهر من التبجح ومنطق القتلة لا يتوافق مع قادة الدول المتقدمة .

يريدون قتل الشهود، فقتلوا المسعفين ورجال الدفاع المدني والأطباء والممرضين واعتقلوهم، وهدموا المستشفيات وعاثوا فيها فسادا. لم يفعلوا ذلك لأنهم مقاومون أو مقاتلون، بل فقط لأنهم شهود على الجريمة، رأوا بأعينهم كل أشكالها وأنواعها، وشاهدوا رواد المشافي من الشهداء والجرحى والمصابين جراء جرائم الاحتلال. ولأنهم أسعفوا الجرحى أو أنقذوا المصابين من تحت الدمار، وعندما وصفوا الحالة استهدفوهم وسجنوهم وعذبوهم، لأنهم شهود على الجريمة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.

هناك فرق كبير بين رواد الإنسانية ومجرمي الحرب، وما كان للمجرمين أن يرتكبوا جرائمهم إلا لأن الصمت الجبان ساد المشهد، فلم يصدر إلا بيانات تستنكر وتستهجن. إن الاحتلال لم يبدأ بالتراجع عن بعض ممارساته العدوانية إلا بسبب إنسانية الشعوب في أوروبا وأمريكا التي خرجت إلى الشوارع ترفع شعار الإنسانية، بعد أن تقززت نفسياتها مما يحدث للشعب الفلسطيني.

في فلسطين، ليست المأساة محصورة في عدد الضحايا أو حجم الدمار، بل في تحول الحياة نفسها إلى حالة موت صامت. فالفلسطيني يعيش اليوم وكأنه بين جدران قبر، محروم من حريته وحقه في الكرامة، بينما يقف المجتمع الدولي – أو من يخرجون عن مبادئ الشرعية الدولية – صامتين أمام مجازر الاحتلال، إن لم يكونوا مشجعين لها. لم يكتف القاتل بقتل المدنيين، بل مد يده ليغتال الحقيقة ذاتها ، فاستهدف الصحفيين لأنهم شهود العيان على الجريمة، وقتل وسجن المسعفين والأطباء والممرضين لأنهم اطلعوا على ما يرويه الجرحى وما تحمله جثامين الشهداء من أدلة دامغة. هكذا تحولت المستشفيات ووسائل الإعلام إلى ساحات حرب أخرى، حيث يقتل الشاهد حتى لا تروى شهادته، ويسجن من يحفظ في ذاكرته ملامح الضحية، في محاولة يائسة لمحو الذاكرة الفلسطينية من سجلات العالم.

الحقيقة، أنهم مهما حاولوا خنقها، تعرف طريقها إلى النور، فدم الشهداء وأصوات الشهود المقموعين تظل تصرخ في وجه العالم: هنا جريمة، وهنا شعب يرفض أن يدفن حيا، وننسى ان نموت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب