عربي دولي

تكريم زياد: الحكومة فوق القانون!

تكريم زياد: الحكومة فوق القانون!

في مشهد يختصر الاستنسابيّة السياسية والاستخفاف بالقوانين، قرّر مجلس الوزراء اللبناني إلغاء تسمية «جادّة الرئيس حافظ الأسد» في الضاحية الجنوبية، واستبدالها باسم «جادّة الفنان زياد الرحباني».

معن خليل

في مشهد يختصر الاستنسابيّة السياسية والاستخفاف بالقوانين، قرّر مجلس الوزراء اللبناني إلغاء تسمية «جادّة الرئيس حافظ الأسد» في الضاحية الجنوبية، واستبدالها باسم «جادّة الفنان زياد الرحباني». قرار مباغت، بلا تشاور وبلا احترام للمسار القانوني وبعيد عن أي منطق يحترم الناس أو إرادتهم.

هذا القرار باطل شكلاً ومضموناً، لأنّ القانون واضح: المادة 49 من قانون البلديات تحصر صلاحية تسمية الشوارع والساحات بالمجالس البلدية المنتخبة، على أن تصادق عليها وزارة الداخلية. الجادّة المعنيّة تقع في نطاق ثلاث بلديات (بيروت، الغبيري، برج البراجنة)، ولم يُعرض القرار على أي منها. وما حصل هو تعدٍّ فجّ على سلطة البلديات ونسف لمبدأ اللامركزية.

ولمّا انكشف الأمر، لم تجد الحكومة الجرأة لتصحيح خطئها، بل لجأت إلى الالتفاف عليه: وجّهت المحافظين لإصدار كتب تفرض على البلديات عقد اجتماعات عاجلة خلال أسبوع واحد لإقرار إلغاء الاسم القديم وتبنّي الجديد، محاولة بذلك فرض إرادتها على المجالس المنتخبة بالقوة وبالضغط.

المجالس البلدية، رغم إدراكها لمخاطر الصدام مع السلطة المركزية، ترفض أن تتحوّل إلى أداة لتشريع قرار غير قانوني. فهي تمثّل إرادة الناس، وتؤكّد أنّ لا تسمية ولا إلغاء يتمّ إلا بما يخدم مصلحة البلدة ويعكس رغبة أهلها، لا وفق نزوات سياسية أو صفقات ظرفية.
لكنّ التهديد واضح: من يرفض قد يُحاصر إدارياً ومالياً وتُعرقل مشاريعه وتُشل قدرته على خدمة المواطنين. إنها سياسة العصا والعصا بوجه البلديات المنتخبة.

إلى جانب ضغط الحكومة، يوجّه الشارع ضغطاً مضادّاً على البلديات، إذ وصلت مطالبات من جمعيات وفعاليات شعبية بأن يكون البديل – إن أُلغيت تسمية حافظ الأسد – هو «جادّة السيد حسن نصر الله». هذه المطالبات تضع بلديات الضاحية الجنوبية أمام معادلة: إمّا الرضوخ للقرار المركزي، أو مواجهة جمهورها الذي يرى في هذه التسمية حقاً ووفاءً.

المسألة ليست اسم شارع فقط، بل سابقة سياسية خطيرة. إذا مرّ هذا القرار، فسيصبح من السهل على أي حكومة لاحقة إلغاء قرارات البلديات المنتخبة وتغيير الأسماء والتسميات متى شاءت، في أي منطقة من لبنان، من دون الرجوع إلى أهلها أو ممثّليهم. الأسوأ أنّ الاستهداف هنا بدأ من الضاحية الجنوبية، من بيئة المقاومة، بينما تبقى شوارع بيروت مليئة بأسماء جنرالات ومستعمرين وجواسيس أجانب لم يجرؤ أحد على المساس بها، وقد تطاول قرارات الحكومة أي قرار تتّخذه المجالس البلدية مخالفاً لأهواء السلطة الحاكمة.

مصادر بلدية وأهلية تتوجّه لمن اتّخذ القرار بأنّ زياد الرحباني لا يحتاج إلى شارع منكم. زياد أكبر من أن يُكرّمه من حارب أفكاره وسخر من قضاياه. زياد ابن هذه الأرض والمقاومة، لا ابن الصفقات السياسية. وإذا كان هذا «التكريم» يتمّ عبر خرق القانون وإهانة إرادة الناس، فهو ليس تكريماً، بل إهانة للقانون ولأهالي المنطقة وبلدياتها.

إنها معركة على مبدأ، قبل أن تكون على اسم. واليوم، إمّا أن نقف بوجه هذه السابقة ونمنعها، أو نفتح الباب لحكومة تتحكّم بمصير بلداتنا ومدننا من فوق القانون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب