تحقيقات وتقارير

نتنياهو يطارد حلم «إسرائيل الكبرى»

نتنياهو يطارد حلم «إسرائيل الكبرى»

تحاول الحكومة الإسرائيلية الحالية ترجمة حلم «إسرائيل الكبرى» على أرض الواقع، لكن تحقيقه يواجه عقبات، ليس أقلها صمود الشعوب الواقعة في قلب المخطط وصمود حركات المقاومة.

غنوه فهد

تتكشف يوماً بعد آخر ملامح المشروع التوسّعي الذي يتبنّاه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو تحت مسمّى «إسرائيل الكبرى»، والذي لم يعد مجرّد طموح أيديولوجي بل مسعى يحاول تطبيقه عبر الاستيطان والحروب.

فخلال مقابلة مع قناة «i24» العبرية، وصف نتنياهو مهمته بأنّها «تاريخية وروحية»، مجدّداً تمسّكه بما يُعرف بـ«إسرائيل الكبرى». وسبق له أن عرض في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيلول 2023، خريطة توسّعية تضم كامل فلسطين التاريخية وأجزاء من الدول المجاورة. كما عبّر عن نيّته قيادة دولة الاحتلال إلى ما سمّاه «قرنها المئوي».

هذا الخطاب يتقاطع مع السياسات الميدانية لحكومة العدو، التي تكثّف من الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، وتعمل على فصلها جغرافياً عن القدس، في مسعى لإسقاط إقامة الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى «خطة احتلال غزة».

من النيل إلى الفرات… الخريطة التوراتية

تُشير فكرة «إسرائيل الكبرى» إلى توسيع حدود الكيان نحو أقصى مدى ممكن، وتستند إلى نصوص توراتية تزعم أنّ «الأرض الموعودة» تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في سوريا والعراق، وتشمل أراضٍ ادّعت التوراة أنّ قبائل بني إسرائيل القديمة سكنتها.

هذا التصوّر لطالما روّج له قادة المشروع الصهيوني منذ نشأته، من مؤسس «الصهيونية السياسية»، ثيودور هرتزل، حتى «التيار التصحيحي» بقيادة زئيف جابوتنسكي، الذي شدّد على أن تشمل الدولة اليهودية المرتقبة مناطق شرق نهر الأردن، مروراً بزعماء اليمين المتطرّف في الكيان.

  • تُشير فكرة «إسرائيل الكبرى» إلى توسيع حدود الكيان نحو أقصى مدى ممكن (من الويب)
    تُشير فكرة «إسرائيل الكبرى» إلى توسيع حدود الكيان نحو أقصى مدى ممكن (من الويب)

ووفق هذه الرؤية، تشمل «إسرائيل الكبرى» أراضي سبع دول عربية: لبنان، سوريا، الأردن، العراق، مصر، السعودية والكويت، إلى جانب فلسطين. وقد تمّ ترسيخ هذا التصوّر في خطاب اليمين الإسرائيلي بوصفه جزءاً من المهمة «الروحية» للدولة.

تجدر الإشارة إلى أنّ نتنياهو يكرّر في خطاباته ذكر زئيف جابوتنسكي، ويقدمه على أنّه ملهمه ومرشده الروحي، وأنّه يحتفظ بسيفه ويقرأ أعماله بشكلٍ دائم.

الاستيطان كأداة مركزية

تُعدّ سياسة الاستيطان وضمّ الأراضي الفلسطينية من أبرز الأدوات التي تلجأ إليها حكومة نتنياهو لتحقيق المشروع. فمن خلال توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر العشوائية، تسعى الحكومة إلى ابتلاع ما تبقى من أراضي الضفة المحتلة، وجعل خيار الدولة الفلسطينية مستحيلاً.

فمشروع E1 الاستيطاني، الذي أعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إطلاقه مؤخّراً، يقضي ببناء 3401 وحدة استيطانية على مساحة 12 كلم² بين القدس والضفة، ويهدف إلى عزل القدس الشرقية نهائياً، وعلى حدّ تعبيره «دفن» فكرة إقامة دولة فلسطينية.

 

أمّا وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، فتعهّد بتوسيع الاستيطان، متجاهلاً أي تهديدات دولية. وفي أيار 2025، ردّ على تقارير عن احتمال سعي المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحقه وبحق سموتريتش بسبب دورهما في الاستيطان، قائلاً: «لديّ رسالة واحدة واضحة لمدّعي المحكمة في لاهاي: لن يثنيني أي أمر اعتقال عن مواصلة العمل من أجل شعب إسرائيل وأرض إسرائيل. المدّعي العام في لاهاي لا يُخيفني ولا يردعني… عندما تكون لاهاي ضدّي، أعلم أنني على الطريق الصحيح».

توسّع بالنار

لا تقتصر وسائل تنفيذ «إسرائيل الكبرى» على الداخل فحسب، بل تشمل الحروب الإقليمية. فمنذ عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأوّل 2023، اندلعت حرب مدمّرة على قطاع غزة، حاول نتنياهو استغلالها لفرض واقع جديد بقوّة السلاح والتجويع.

ويستعد جيش العدو لتنفيذ خطة «احتلال غزة»، التي تشمل تهجيراً واسعاً من مدينة غزة، وإعادة إنشاء محور «نتساريم» للفصل الجغرافي، تمهيداً لتوغّل بري في المدينة، يتزامن مع قصف جوي مكثّف.

ويهدف هذا المخطط إلى إضعاف غزة، وخلق واقع أمني وجغرافي يخدم رؤية اليمين الصهيوني، الذي يسعى إلى السيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية.

في سوريا، سنحت الفرصة الأكبر لترجمة المشروع، عقب انهيار نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024. فراغ استراتيجي استغلّه العدو سريعاً. وخلال أيام، شنّت قوات الاحتلال مئات الغارات الجوية على الأراضي السورية، مستهدفةً ما تبقى من البنية العسكرية للجيش السوري.

ثم توغّلت قوات العدو داخل الأراضي السورية، عبر خط وقف إطلاق النار في الجولان، وسيطرت على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، تحت ذريعة «منع سقوطها بأيدي الفصائل». هذه الخطوة منحت العدو تفوّقاً كبيراً، نظراً لما توفّره القمّة من نقطة مراقبة وتحكّم تطل على سوريا ولبنان وفلسطين، وتضع حتى دمشق ضمن نطاق المدفعية الإسرائيلية.

  • توغّل قوات العدو داخل الأراضي السورية عبر خط وقف إطلاق النار في الجولان (أ ف ب)
    توغّل قوات العدو داخل الأراضي السورية عبر خط وقف إطلاق النار في الجولان (أ ف ب)

على الساحة اللبنانية، برزت مساعٍ لسحب سلاح المقاومة، مترافقة مع خطة حكومية مدعومة أميركياً، ضمن مهلة زمنية محدّدة. الخطوة التي وصفها حزب الله بأنّها «تنفيذ لأجندة إسرائيلية»، تأتي بعد حرب دامية انتهت في 27 تشرين الثاني 2024 باتفاق وقف إطلاق نار لم تلتزم به قوات الاحتلال، إذ واصلت خروقاتها اليومية.

المنظومة المقترحة، إذا ما جرى تثبيتها، تتيح للعدو عمقاً أمنياً مستقراً في الجبهة الشمالية، كما تمنح حكومة العدو الاستيطانية حرية أوسع في «هندسة» الوقائع السياسية والجغرافية بما ينسجم مع سردية «إسرائيل الكبرى». فالجبهة اللبنانية تُعدّ جزءاً مركزياً في الاستراتيجية الإسرائيلية، في وقت يسعى فيه العدو إلى ضمان بيئة محيطة خالية من التهديدات.

وما بين تكثيف الاستيطان وإشعال الحروب، تحاول الحكومة الإسرائيلية الحالية ترجمة حلم «إسرائيل الكبرى» على أرض الواقع. لكن تحقيقه يواجه عقبات، ليس أقلها صمود الشعوب الواقعة في قلب المخطط وصمود حركات المقاومة في وجه الكيان الصهيوني، رغم الدعم الغربي والتواطؤ الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب