الأردن وملف الكبتاغون… إعادة توزيع القوى ومسارات التهريب

الأردن وملف الكبتاغون… إعادة توزيع القوى ومسارات التهريب
يواجهه الأردن اليوم ليس مجرد امتداد لتجارة المخدرات السورية، بل شبكة إقليمية للبقاء تربط الميليشيات ورجال الأعمال والعصابات الإجرامية بأسواق الخليج. وفي هذا المشهد الجيوسياسي الجديد، لم يعد الكبتاغون مشكلة سورية فحسب، بل بات الإمبراطورية غير المشروعة الأكثر صلابة…
لم يؤدِّ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024 إلى تفكيك صناعة الكبتاغون في سورية، بل حرّرها، وأعاد توزيع مراكز القوة فيها؛ فالنشاط الذي كان محميًا من الدولة تحوّل إلى منظومة لا مركزية مكتفية ذاتيًا، نجت من انهيار النظام القديم واستفادت من فوضاه. عبر الساحل والداخل والجنوب، أعادت شبكات الإنتاج تنظيم نفسها بسرعة حول ميليشيات خارجة عن القانون ومهرّبين مخضرمين من أهالي البادية احتفظوا بخبراتهم ومعدّاتهم ومخزونهم. والنتيجة هي اقتصاد ظلّ يعمل خارج نطاق أي سلطة، ويستمدّ قوته من تفكك البلاد وضيقها الاقتصادي.
تشير بيانات رسمية صادرة عن الحكومة السورية الحالية إلى استمرار النشاط الصناعي في تهريب المخدرات، إذ تمّت مصادرة أكثر من 200 مليون حبّة خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025 وحده، أي ما يعادل ثمانية أضعاف المعدلات المسجّلة قبل الحرب. وعلى الرغم من الحملات الأمنية البارزة واعتقال كبار المهرّبين، ما تزال البنية التحتية للتجارة قائمة. فقد حلّت المختبرات الصغيرة المتنقّلة والصيادلة والكيميائيون بأدوات حديثة ومعدات مطوّرة، والوسطاء العابرون للحدود محلّ السيطرة المركزية التي كانت بيد النظام سابقًا، مما سمح لإمبراطورية الكبتاغون بالاستمرار كأكثر صادرات سورية ربحًا، وكحلقة وصل أساسية بين اقتصاد الحرب والأسواق السوداء الإقليمية.
جنوبًا، تحوّلت أزمة الكبتاغون بالنسبة إلى الأردن إلى معركة أمن قومي أكثر منها قضية شرطية تقليدية يقوم بمهامها حرس الحدود (الهجّانة) بجولات روتينية. فمنذ مطلع عام 2025، تخوض القوات المسلحة الأردنية اشتباكات شبه يومية على الحدود مع سورية، حيث تمّ اعتراض أكثر من 14 مليون حبّة ومئات الطائرات المسيّرة المحمّلة بالمخدرات. الحدود، التي كانت يومًا منطقة تهريب هامشية، أصبحت اليوم مسرحًا لحرب غير متكافئة يستخدم فيها المهرّبون الطائرات المسيّرة والبالونات الحرارية والشحنات المموّهة لتجاوز المراقبة واستغلال التضاريس. وتنظر عمّان إلى هذه الظاهرة بوصفها تهديدًا وجوديًا يقوّض الاستقرار الاجتماعي ويضغط على العلاقات مع دمشق. ويعكس إسقاط الجيش الأردني لأكثر من 300 طائرة تهريب هذا العام حجم التحدي المتنامي، إذ تجاوز اقتصاد الكبتاغون حدود الدول وحكوماتها معًا.
فما يواجهه الأردن اليوم ليس مجرد امتداد لتجارة المخدرات السورية، بل شبكة إقليمية للبقاء تربط الميليشيات ورجال الأعمال والعصابات الإجرامية بأسواق الخليج. وفي هذا المشهد الجيوسياسي الجديد، لم يعد الكبتاغون مشكلة سورية فحسب، بل بات الإمبراطورية غير المشروعة الأكثر صلابة في الشرق الأوسط.
في 7 كانون الثاني/ يناير 2025، أعلنت الأردن وسورية تشكيل لجنة أمنية مشتركة لمعالجة تهريب السلاح والمخدرات واحتواء تسلل الجهاديين، ما أوجد قناة مؤسسية مكمّلة للإجراءات الميدانية الأردنية. يتعامل الإطار الجديد مع التهريب بوصفه منظومة عابرة للحدود تشمل المختبرات والمخازن والتمويل والنقل، ما يستلزم تبادلًا استخباراتيًا وضبطًا متزامنًا للحدود. وتشير بيانات تشرين الأول/ أكتوبر الجاري إلى أن التعاون المشترك أسفر عن إحباط عدة محاولات واحتجاز قرابة مليون حبّة في عمليات واحدة. الاختبار الحقيقي مستقبلاً هو ما إذا كانت هذه الإعلانات ستتحول إلى نتائج ملموسة عبر دوريات مشتركة، وتسليم مطلوبين، وقضايا تنسيق أمني وضبط عسكري لهذا الملف، لا مجرد بيانات صحافية.
تكتيكات وأساليب متطورة
لم يعد المهرّبون بين سورية والأردن يعتمدون على قوافل سيارات “هايلوكس” والمرشدين الصحراويين عبر الطرق البرية الخفية سيرًا على الأقدام فقط. فمنذ ربيع 2025، ظهرت تقارير عن استخدام الطائرات المسيّرة (UAS) لإسقاط الشحنات بدقة، إلى جانب ابتكار رخيص منخفض البصمة عبارة عن بالونات موجّهة عن بُعد تحمل الكبتاغون والحشيش والكريستال ميث عبر الحدود. هذه البالونات جذّابة للمهربين لأنها صامتة، ورخيصة، وسهلة الاستخدام إلكترونيًا، مما يجعل اكتشافها أو تعطيلها أكثر صعوبة من الأدوات المضادة للطائرات المسيّرة التقليدية، ولا يمكن رصدها بسهولة. في المقابل، تظل الطائرات المسيّرة مفيدة في النقل الدقيق لمسافات قصيرة.
وبعد انتقال السلطة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، جرى الكشف عن مستودعات هائلة لمعدات التهريب والتصنيع وفق تجهيزات وخطط وخرائط حديثة، مع توثيق منشآت ضخمة حول دمشق، وشركات واجهة كمصانع صابون وكيماويات تخفي مكابس حبوب، ومخابئ داخل فواكه مزيفة، ومستودعات لمواد أولية، ومخابر طبية تعمل بصمت في تصنيع الحبوب المخدّرة؛ مؤكّدة الطابع الصناعي والمتقدّم للإنتاج. هذه الاكتشافات تفسّر استمرار ارتفاع المصادرات خلال 2025 وفق تكنولوجيا تهريب متطورة؛ فالمخزونات، والقدرات الموزّعة للمختبرات، والخبراء اللوجستيون لم يختفوا مع تغيّر القيادة، بل تكيفوا وانتقلوا واستمروا في تسيير البضائع عبر المسارات المربحة ذاتها.
إمبراطورية الكبتاغون
تمثّل فكرة الإمبراطورية المتشظّية مدخلًا تحليليًا لفهم التحولات البنيوية في اقتصاد الكبتاغون بعد كانون الأول/ ديسمبر 2024، إذ لم يؤدّ سقوط النظام القديم إلى انهيار منظومة الإنتاج والتهريب التي كان يشرف عليها ماهر الأسد ووسيم الأسد بالتنسيق مع مهرّبين وتجار داخل الأردن والعراق، بل إلى إعادة توزيع الأدوار بين فاعلين جدد وقدامى.
ففي الجنوب السوري، ولا سيما في محافظتي السويداء ودرعا، أعادت شبكات محلية تنظيم نفسها حول مراكز نفوذ عشائرية وميليشياوية وأمنية سابقة، لتنشأ منظومة هجينة تجمع بين خبرات تقنيين سابقين ووسطاء عشائريين وسماسرة لديهم امتدادات اجتماعية عميقة في المنطقة. وباتت السيطرة على المواد الأولية – من الحبوب والمواد الكيميائية إلى آلات الضغط – قضية تنافس بين مجموعات متباينة، بينما تتولى أخرى إدارة المخازن والمستودعات حول دمشق وتوزيع الشحنات باتجاه الجنوب. وتشير روايات ميدانية من أبناء المنطقة إلى أن التهريب لم يعد مجرد نشاط سرّي، بل اقتصادًا موازيًا يوفر فرص عمل وحماية محلية، تتقاطع فيه المصلحة الاقتصادية مع الحاجة للبقاء في مناطق مهمّشة أمنيًا واقتصاديًا.
لذلك، لا يكمن السؤال اليوم في ما إذا كانت تجارة الكبتاغون ما تزال قائمة، بل في الكيفية التي أعادت عبرها هذه الشبكات تشكيل نفسها لتستمر كاقتصاد حدودي محكوم بالمرونة والتكيّف.
بحلول أوائل العقد الثالث، كان اقتصاد الكبتاغون قد بلغ بوضوح مستوى صناعيًا بمليارات الدولارات. وتُظهر بيانات المصادرات وأسعار الأسواق النهائية وحجم الشحنات الضخمة سلسلة توريد منظّمة على نطاق واسع.
وفي مطلع العقد الثالث من الألفية، بلغ اقتصاد الكبتاغون حجمًا يُقدَّر بعدة مليارات من الدولارات، بإيرادات كافية لتمويل جماعات مسلّحة وشبكات نفوذ. وتشير زيادة المصادرات على الحدود السورية بعد أواخر 2024 إلى أن جزءًا منها يعكس تصريف المخزونات القديمة أكثر من كونه إنتاجًا جديدًا.
وتوضح التقييمات التحليلية أن وصف “الدولة المخدّراتية” أو “دولة الكبتاغون” لم يعد ينطبق بدقّة بعد الأسد، لكن التجارة مستمرة بفضل الشبكات العابرة للحدود. وبالتالي، يجب الحذر من سرديات الانخفاض السريع، والتركيز بدلًا من ذلك على تبدّل الأساليب، وتحول المسارات، وتفريغ المخزونات.
تظهر إشارات العمليات خلال 2025 استمرار الضغط الأمني عبر اشتباكات مميتة في آذار/ مارس 2025، وإحباط عمليات متكرّرة بشكل أسبوعي، وإسقاطات معلنة لطائرات مسيّرة وبالونات خلال الصيف. يجب التعامل مع ارتفاع المصادرات كنافذة جزئية مفيدة لقياس شدة المواجهة والتكيّف، لكنها لا تمثل تدفق التجارة بأكملها. ومع ذلك، فهي توثّق صراعًا حيًا يتطور فيه الطرفان بسرعة.
وتشير معظم التواريخ المفتوحة إلى توسّع حاد منذ 2018 وذروة إقليمية عام 2021، ثم تدفقات عالية وإن كانت متفاوتة خلال 2022 – 2023. ويُقدَّر حجم السوق في 2021 بنحو 10 مليارات دولار، وهو رقم يُستخدم كمرجع تقريبي لا كتقييم دقيق.
ارتفعت عمليات الاعتراض في الشرق الأوسط بشكل حاد بين 2019 و2023، إذ سجلت عدة دول زيادات مضاعفة أو ثلاثية. ويشير الاتجاه إلى أن الإنتاج نما أسرع من قدرة أجهزة المكافحة على التكيّف. فعلى سبيل المثال، تضاعفت مصادرات العراق من الكبتاغون أكثر من ثلاثين مرة خلال تلك الفترة. وتعد الفترة 2019 – 2023 مرحلة الإقلاع في منحنى المكافحة الإقليمي، ما يدل على نضوج السوق قبل التحول السياسي في سورية.
حرب الحدود وتحديات الضبط
على الجانب الآخر من الحدود، خاضت عمّان حربًا متطورة الأشكال ضد شبكات التهريب، انتقلت فيها من المواجهة العسكرية المباشرة إلى إدارة معركة متعددة المستويات. فبعد سنوات من الغارات الجوية والمطاردات الساخنة، بدأت مرحلة جديدة مطلع 2025 بتأسيس لجنة أمنية مشتركة مع دمشق وتحديث أدوات المراقبة والاعتراض الجوي.
ويكشف التسلسل الزمني لأحداث العام – من اشتباك 6 آذار/ مارس الذي قُتل فيه أربعة مهرّبين، مرورًا بأسبوع شهد اعتراض طائرات مسيّرة وبالونات محمّلة بالمخدرات، وصولًا إلى عمليات تشرين الأول/ أكتوبر المشتركة – عن تحوّل في العقيدة الأمنية الأردنية من ردّ الفعل إلى الردع بالمبادرة.
غير أن هذا التطور يثير تساؤلات حول مدى نجاح التعاون في تقليص حجم التدفق وتقليل الخسائر البشرية، أم أنه غيّر فقط معادلة المجازفة لدى المهرّبين الذين باتوا يستثمرون في أدوات أكثر خفة وأقل كلفة.
في خلفية هذه الحرب المستمرة، يتقاطع البعد الأمني مع الاقتصادي والدبلوماسي، حيث تحاول عمّان موازنة الحاجة إلى حماية حدودها مع الحفاظ على قناة تواصل سياسية مع دمشق، في وقت تزداد فيه كلفة المواجهة التقنية والمالية مع عدوّ متحوّل يستخدم التكنولوجيا والفراغات الحدودية لتحدي الدولة.
تكشف بيانات الأردن حجم الضغط على بوابته الجنوبية. فمن 2015 حتى أوائل 2022، أُعلن عن مصادرة أكثر من 21 مليون حبّة، معظمها قادمة من سورية، ما أسّس لخط أساس متواصل قبل المرحلة الانتقالية. وفي 2024 (قبل 8 كانون الأول/ ديسمبر)، سجّل الأردن رقمًا قياسيًا بلغ 27.5 مليون حبّة، في ذروة الاعتراض قبل التغيير السياسي.
وتوضح قضية واحدة في 5 حزيران/ يونيو 2024 – ملايين الحبوب المخبّأة داخل آليات بناء عند معبر العمري متجهة إلى السعودية – حجم الشحنات وجرأة أساليب الإخفاء.
تكشف عمليات الأردن على جبهة درعا خلال 2024 عن انتقال محسوب في استراتيجيات الردع الأمنية والعسكرية تجاه شبكات التهريب؛ حيث استهدفت الغارات الجوية في كانون الثاني/ يناير مزارع ومستودعات تُستخدم للتجهيز والتموين لرفع الكلفة الثابتة على الشبكات، وتلتها اشتباكات برية عكست استعدادًا لتحمّل مخاطر تكتيكية لحرمان المهرّبين من حرية الحركة.
وبحلول آذار/ مارس 2025، غدت الاستجابة لتحرّكات جوية مشبوهة جزءًا من منظومة دفاع موحّدة برّية–جوية، ما يدل على تكيّف عملياتي متسارع.
استراتيجيًا، سعت عمّان إلى إضعاف الشبكات عبر تدمير المخزون وتشتيت المنسّقين ودفعهم إلى شحنات أصغر وأغلى وأكثر خطورة؛ وتوجيه إشارة إكراهية لجهات دمشقية بأنّ الأردن سيُسقط القوة عبر الخط إذا استؤنف التموضع؛ وطمأنة الداخل بأن الملف يُدار كقضية سيادة وطنية لا كمشكلة جنائية فقط.
لكن لهذه المقاربة كلفة موازية: احتكاكات قانونية ودبلوماسية محتملة بفعل استخدام القوة عبر الحدود، مخاطر تآكل الشرعية إذا وقعت أضرار مدنية، والأهم دفع التدفق إلى التحوّل بدل الانهيار؛ نحو مسارات أبعد أو وسائط منخفضة البصمة الرقابية (طائرات مسيّرة وبالونات).
ومع ذلك، يبقى عام 2024 عامًا فاصلاً صعدت فيه عمّان على سلّم التصعيد لتكبيد شبكات الكبتاغون كلفة حقيقية وخلق احتكاك تشغيلي مستدام على الحدود.
السوق الأردني
لا يزال الأردن ممرًا رئيسيًا لحبوب الكبتاغون السورية المتجهة إلى الخليج، لكن بيانات 2024–2025 تكشف مشهدًا أوسع: حملة حدودية عسكرية الطابع تقترن ببصمة داخلية محدودة لكنها متنامية. ففي 2024، ضبطت السلطات 27.5 مليون حبّة وسجّلت نحو 25 ألف قضية مخدرات و38 ألف اعتقال. وهذه الأرقام تُقرأ كمؤشر ضغط على المسار أكثر من كونها مقياسًا للاستهلاك.
في الداخل، يعمل السوق على مستويين متداخلين، يتمثل الأول باقتصاد العبور والتوضيب، حيث تُجهّز الخلايا اللوجستية الشحنات في الشمال والشرق وتنقلها نحو نقاط التسليم على الحدود، ثم إلى طرق السعودية. والثاني هو سوق محلي صغير لكنه مستمر، يرتفع نشاطه كلما ضغطت المصادرات الأسعار أو فرّقت المخزونات. الأردن ليس مركز استهلاك كحال الخليج، لكنه ليس بمعزل أيضًا.
على الحدود، تتعامل الدولة مع الكبتاغون كقضية أمن قومي لا شرطية فحسب. تنفّذ وحدات الحدود مطاردات مباشرة واشتباكات متكرّرة، منها اشتباك 6 آذار/مارس 2025 الذي قُتل فيه أربعة مهرّبين. في المقابل، تطوّرت أساليب التهريب. فمنذ ربيع وصيف 2025، انتقل المهرّبون من القوافل الأرضية إلى الوسائل الجوية منخفضة البصمة، مثل طائرات مسيّرة لإسقاط دقيق وبالونات موجّهة تعبر السواتر الأمنية وأجهزة المراقبة والكاميرات الحرارية؛ وهي أدوات رخيصة وصامتة ويصعب كشفها، ما أجبر الأردن على تحديث خططه الدفاعية والاستثمار في تقنيات رصد متقدمة.
أما البنية البشرية فهي حاسمة بقدر التكنولوجيا. فالعلاقات العشائرية العابرة للحدود توفّر الثقة والمعرفة بالمسارات والدعم الطارئ؛ متى يتحركون في وادٍ معيّن، وأي ظروف جوية تخفيهم عن المراقبة، ومن يمكنه إخفاء حمولة عاجلة. يجني الشبان من تلك المجتمعات مبالغ مغرية لكل رحلة، مما يبقي التجنيد مستمرًا رغم المخاطر. فالسوق قائم لأنه متجذر اجتماعيًا ومعيشيًا، لا لأنه مجرد صناعة كيميائية.
تطوّرت سياسات الأردن بالتوازي مع المواجهة الميدانية: المصادرات القياسية وإسقاط الطائرات المسيّرة والبالونات تمثّل ركنًا، والدبلوماسية ركنًا آخر. في أوائل 2025، أنشأ الأردن وسورية لجنة أمنية مشتركة لتنسيق جهود مكافحة المخدرات والسلاح؛ ومعيار النجاح الحقيقي هو النتائج العملية التي تتمثل في انخفاض الاشتباكات، مصادرات أكبر في المصدر، تسليم مطلوبين، وتفكيك سلاسل التمويل والمواد الأولية.
أما إذا اقتصر التعاون على تغيير المسارات دون تقليص التدفقات، فستظلّ عمّان عالقة في مأزق مكلف، يزيد الاحتكاك عند الحدود بينما تحافظ ديناميكيات السوق على دوران الحزام الناقل.
ترانزيت الى الخليج
استخدمت شبكات التهريب الأردن كخط عبور إلى الخليج العربي، وإلى السوق التي انتعشت خلال الأعوام الأربعة الماضية بعد موجة إغلاقات كورونا. تُظهر مؤشرات بوابات الخليج، قبل كانون الأول/ ديسمبر 2024، أن القدرة الإنتاجية والشبكات اللوجستية ظلّت صناعية النطاق، برغم إعادة توزيع الضغط على طول السلسلة. ففي الإمارات (2022) أسفرت عملية في جبل علي عن ضبط 86 مليون حبة (أكثر من 13 طنًا)، ضمن أكبر المصادرات قبل التحوّل، بينما سجّلت السعودية، السوق النهائي الأبرز، تراجعًا نسبيًا في المصادرات المُعلنة عامي 2022 – 2023 مقارنة بذروة 2021، وهو ما يُقرأ غالبًا كنتيجة لتعاظم الاعتراضات أعلى السلسلة، لا لانكماش في الطلب، مع استمرار القضايا متعددة الملايين في 2023.
وبنهاية 2024، كانت تجارة الكبتاغون تعمل على نطاق بمليارات الدولارات، مع أرقام قياسية في عدة دول، بينما حافظت الكميات على ارتفاعها خلال 2023–2024، رغم تراجع الذروة الإقليمية المسجّلة في 2021.
الخلاصة، أن “سوق ما قبل التحوّل” اتسم بمرونة عالية: كلما زادت كلفة العبور عند نقاط معينة، أعادت الشبكات توزيع المخاطر، والمسارات، والتقنيات، ما أبقى التدفقات الإجمالية مرتفعة، وعزّز فرضية استمرار القدرة الإنتاجية واللوجستية على مستوى صناعي حتى قبيل التغيّر السياسي في سورية.
عرب 48