مقالات

هرطقات حكومة إسرائيل، بين الجد والهزل بقلم مروان سلطان.فلسطين 🇵🇸

بقلم مروان سلطان.فلسطين 🇵🇸

هرطقات حكومة إسرائيل، بين الجد والهزل

 

 

بقلم مروان سلطان.      فلسطين 🇵🇸

17.8.2025

——————————————-

في زحمة الأحداث، بتنا نسمع الكثير من التصريحات بين التهديدات والوعود، والسلوكيات، والتطلعات، والأحلام. وفوق كل هذا وذاك، نسمع تصريحات كأنها تتساقط من السماء: ذاك مبعوث الرب، وذاك الرسول، وآخر يتحدث باسم الوحي، وهذا يزعم أنه وعد الله… إلى آخر تلك الهرطقات التي لا تستحق مجرد الحديث عنها.

لكن المتحدثين باسم الرب ما أكثرهم في الأديان. وهل مشكلتنا في هذه الأرض إلا مع أولئك الذين يظنون أنهم جاؤوا بأمر من الله، أو يوحى إليهم من الله؟ إنها عقدة العقد، وكأن الله جلّ في علاه منح أحدًا علمه، أو أنزل وحيه عليه. بينما الجميع يعلم أن وحي السماء انقطع عن الأرض بانتهاء الرسالة المحمدية.

بمعنى أنه لا رسل اليوم ولا ملائكة تحمل رسالة الرب إلى الأرض، وما نسمعه من هؤلاء ليس سوى نتاج أفكارهم المريضة. هم ليسوا مجانين فقط، بل يقودون العالم إلى الجنون.

ولا ينبغي أن نستخف بتصريحات هؤلاء الذين يجدون في منطقتنا مسرحًا لهرطقاتهم. يشعلون نار الحروب، يستولون على مقدرات الشعوب، يثيرون الفتن، ويمدون نفوذهم على المقهورين، غير آبهين بأحد، مستندين إلى القوة التي تمنحهم إياها حليفتهم الكبرى، فيصنعون الخراب حيثما حطّت أصابعهم. والتاريخ يذكر امثال هؤلاء الذين تصيبهم اللوثة في عقولهم فيصبحوا بين ليلة وضحاها حاملين شعلة الرب، والنازية واحدة منها.

يريدون حكامًا على مقاسهم: فلان يحكم وهذه إرادتهم، وفلان يرفضونه. الفلسطينيون – وفق مقاساتهم – عليهم أن يُحكموا في غزة بحكام لا صلة لهم بالضفة، وهكذا تُدار الحلقات. بالنسبة لهم، من ليس في فلكهم هو محور الشر، ومن ينضوي تحت جناحهم هو محور الخير. اذكر امرا ان الروايات تقول ان الدجال سياتي في اخر الزمان وتلك هي صفاته.

فأي مجنون يقبل أن يُفرض عليه حكام ومسؤولون من خارج إرادته؟ لقد قال الرئيس أبو عمار عنهم: “دول الجزم اللي أنا أعدي فيهم المرحلة”، لكن للأسف هؤلاء هم من قتلوه. فلا ثقة إلا بالثائرين وأصحاب النفوس العالية.

وآخر هرطقاتهم هو الاتفاق بين رئيس حكومة إسرائيل ووزير ماليته سموتريتش، على تطبيق الحكم الذاتي في كبرى مدن الضفة الغربية، وأولها الخليل.

صحيح أن الإمكانات العسكرية واللوجستية لإسرائيل لا تؤهلها لبسط نفوذها على دول ذات كثافة سكانية عالية، لكنها قادرة على إزعاج هذه الدول، والتسبب لها بقلاقل داخلية غير محمودة.

أما سبب تلك التصريحات المتطايرة تجاه دول الإقليم، فهو أولًا الوضع الداخلي المتأزم في إسرائيل، وثانيًا الحرب التي تشنها على الفلسطينيين، وثالثًا مشروع تصفية القضية الفلسطينية، الذي يتطلب مشاركة بعض الدول في استيعاب ملايين المهجّرين. ورابعا الاطماع الاسرائيلية في مقدرات شعوب المنطقة من الممرات، والطرق، والمياه، والغاز، والبترول…. الخ.

ومع ذلك، لم تستطع إسرائيل تحقيق أهدافها. فالاستيطان، رغم انتشاره الواسع، ما زالت مستوطناته فارغة، ولا يرغب الإسرائيليون بالعيش فيها، رغم كل الإغراءات. وما نراه من مواجهات بين المستوطنين والفلسطينيين ليس سوى أعداد قليلة من العصابات التي جرى إعدادها وتدريبها لإجبار الفلسطينيين على ترك ممتلكاتهم. وللدلالة فان عدد المستوطنين الذين تتحدث اسرائيل عنهم اغلبيتهم يسكنون القدس في محاذاة الخط الاخضر ، وفي حارات اليهود اصلا ويقدر عددهم اربعماية الف مستوطن، هم لا يدخلون مناطق الضفة الغربية.

أما التهجير، فمشروعه محكوم بالفشل، لأن الأرض خارج فلسطين تضيق رغم اتساعها، ولا مكان يتسع لهم إلا فلسطين وان ضاق المكان، وهذا هو لسان حال كل الفلسطينيين، سواء في الوطن أو في الشتات.

إن قضية فلسطين هي قضية شعب وأرض، يسعى من أجل حقه في تقرير مصيره. والعبث فيها جهد خاسر، فلا مكان لهذا العبث مهما طال الزمن، ومهما فعلوا فلن يثنوا الأمة عن حقها: فلسطين الدولة، فلسطين الهوية، فلسطين الأرض. قد يظن قادة إسرائيل أن بإمكانهم أن يصوغوا التاريخ على مقاس أوهامهم، وأن يبدلوا هوية الأرض بقرارات عابرة. لكن الأرض تعرف أصحابها، والذاكرة لا تُمحى، والجذور أعمق من أن تُقتلع. فلسطين ليست مشروعًا سياسيًا عابرًا، بل روح باقية في صدور أهلها، وكل هرطقة من هنا أو هناك، لا تزيد هذه الروح إلا صلابة

إن هرطقات حكومة إسرائيل، مهما بدت كبيرة أو مغلفة بادعاءات “الحق الإلهي”، لن تغيّر من الحقيقة شيئًا. فالتاريخ أثبت أن الشعوب لا تُهزم بالوهم، ولا تُساق إلى النسيان بأكاذيب الحكام. إسرائيل التي تراهن على القوة العسكرية، والتحالفات الخارجية، وسياسات التهجير، إنما تعلن عجزها عن مواجهة الحقيقة البسيطة: أن فلسطين ليست فراغًا سياسيًا يمكن ملؤه بالقرارات، وليست أرضًا سائبة تُسلَّم لمستعمر. فلسطين هي جوهر صراع لن يُحسم بغير إرادة أهلها، وأي مشروع يتجاهل هذه الحقيقة محكوم عليه بالانهيار، ولو بعد حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب