الصحافه

نسرين مالك: صحافيو غزة موهوبون ومهنيون تخلى عنهم زملاؤهم في الغرب ويواصلون مهمتهم بشجاعة

نسرين مالك: صحافيو غزة موهوبون ومهنيون تخلى عنهم زملاؤهم في الغرب ويواصلون مهمتهم بشجاعة

نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للمعلقة نسرين مالك قالت فيه إن عمليات القتل الأخيرة أذهلت العالم وأثارت إدانة واسعة، لكن لا يقال الكثير عن كفاءة الصحافة الفلسطينية.

وقالت إنها التقت أول مرة برئيس فريق الجزيرة في غزة، تامر المسحال، في تموز/ يوليو من العام الماضي. كان فريقه قد دفن بالفعل صحافيين، هما حمزة الدحدوح وسامر أبو دقة. وأخبرها أن البقية كانوا جائعين وكانوا يواجهون أيضا صعوبة في الحصول على معدات الوقاية، مع تهديدات من الجيش الإسرائيلي، وقتل أفراد من عائلاتهم.

ولم ير إسماعيل الغول زوجته وطفله منذ شهور، وكان يفتقدهما بشدة. كان حسام شبات ومحمد قريقع وأنس الشريف يطلبون مهلة لتأمين الطعام في الصباح قبل أن يتمكنوا من بدء التغطية. اليوم، غيبهم الموت جميعا.

وقالت إنها تحدثت مع عدد من أعضاء فريق غزة أثناء كتابة تقرير عن حياة الصحافي المخضرم وائل الدحدوح، الذي فقد زوجته وثلاثة من أبنائه وحفيده. ووصفوا جميعا عملهم بأنه واجب يجب القيام به رغم المخاطر. ومنذ ذلك الحين، قتل ثلاثة من أعضاء ذلك الفريق في سلسلة اغتيالات.

وفي كل مرة كانت ترسل فيها تعازي، كان الرد دائما أن التغطية لن تتوقف. وقال لها محرر غزة الأسبوع الماضي، بعد أن فقد فريقه بأكمله في مدينة غزة في الغارة التي أودت بحياة الشريف ومحمد نوفل وإبراهيم ظاهر وقريقع: “سنواصل. لن نخون رسالتهم أو أمنياتهم الأخيرة”.

وأكدت أنه في حين أذهلت هذه الجرائم العالم، وانهمرت ردود الفعل عليها في مزاعم غير مثبتة، وفي بعض الحالات سخيفة وغير معقولة، بأن بعض هؤلاء الصحافيين كانوا مسلحين، لم يتم ذكر الكثير عن مستوى الصحافة في غزة.

صحافيو غزة يملكون طلاقة وفصاحة واتزان في ظل ظروف صعبة وينجحون في تصوير الأحداث المروعة والمعاناة يوميا، بلغة عربية صحافية

وقالت إن صحافييها يملكون طلاقة وفصاحة واتزان في ظل ظروف صعبة وينجحون في تصوير الأحداث المروعة والمعاناة يوميا، بلغة عربية صحافية أتقنوها فنا، مع الحفاظ على حضور احترافي ورصين أمام الكاميرا. وينجحون في الحفاظ على هدوئهم.

وأشارت إلى أنها وجدت صعوبة في ترجمة كلماتهم إلى الإنكليزية، فتعبيرهم غني وواسع.

حتى رسالة الشريف الأخيرة، وهي نص خالد في الذاكرة، تفقد بعضا من قوتها في الترجمة. ويخاطب فيها أولئك الذين “خنقوا أنفاسنا”، لكن الكلمة التي يستخدمها أقرب إلى “محاصر” – لا تثير الاختناق الجسدي فحسب، بل تسكت صوت شعب واقع تحت الرقابة المستمرة.

وأوضحت أن ما يلفت انتباهها عندما تتحدث مع الصحافيين في غزة هو مدى التزامهم بالرسالة ومثاليتهم المفجعة، وأن الصحافة تمثل بالنسبة لهم واجبا حتى لو كلفتهم الموت المحقق.

وكل من قتل كان لديه خيار، وأولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة ويغطون ما زالوا كذلك. قال الشريف إنه تلقى تهديدات عدة مرات من السلطات الإسرائيلية خلال العامين الماضيين. كما أخبرت الجزيرة الكاتبة أن المخابرات الإسرائيلية أرسلت له إنذارا بالتوقف عن التغطية. وعندما رفض، قتل والده في غارة جوية. عندما تولى الغول المسؤولية خلفا للدحدوح مطلع العام الماضي، أخبره الدحدوح أن هذه مهمة خطيرة، ولن يلومه أحد على ترك منصبه والعودة إلى زوجته وطفله. ورفض الغول، فقطع رأسه في غارة جوية مستهدفة.

وأكدت مالك أن ما تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى فعله من خلال عمليات القتل هذه ليس مجرد وقف سيل التقارير واللقطات التي تفضح جرائمها، بل طمس صورة الفلسطينيين التي ينقلها هؤلاء الإعلاميون.

من وجهة النظر الإسرائيلية يجب القضاء على المصداقية والكرامة والموهبة التي يظهرها صحافيو غزة للعالم في تقاريرهم ومنشوراتهم

فمن وجهة النظر الإسرائيلية يجب القضاء على المصداقية والكرامة والموهبة التي يظهرها صحافيو غزة للعالم في تقاريرهم ومنشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وكلما صورت غزة على أنها مليئة بالمسلحين، حيث لا يوجد رواة موثوق بهم، وحيث لا يمكن الطعن في مبررات إسرائيل للقتل والتجويع بشهود معقولين، كان من الأسهل على إسرائيل الاستمرار في حملة الإبادة الجماعية التي تشنها.

وأكدت مالك أن الصحافيين في غزة قد خذلهم العديد من زملائهم في وسائل الإعلام الغربية بشدة، ليس فقط من حيث كيفية تغطية عمليات القتل، بل في كيفية وصف الصراع برمته. غالبا ما توصف أرقام القتلى والجوعى في غزة بأنها صادرة عن وزارات “تديرها حماس”، لكنكم لا ترون تصريحات السلطات الإسرائيلية التي تعتبر غير موثوقة باستمرار، أو عبارة “مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية” مرفقة باسم بنيامين نتنياهو.

في الوقت نفسه، لا يمكن الثقة بكلمة الصحافيين الفلسطينيين أبدا، ليس حتى تتمكن وسائل الإعلام الأجنبية (التي لا يسمح لها بدخول غزة) من إصدار الحكم النهائي. فالصحافيون يطردون من جسد الصحافة، وتدفن حقيقتهم معهم.

وخلصت إلى أنه مع ذلك، في غزة، سيكون هناك دائما شخص شجاع وواضح البصيرة يواصل التغطية. شخص يرتدي سترة واقية من الرصاص تجعله هدفا. إنهم ما زالوا يتحملون، بمفردهم، مسؤولية نقل حقيقة الأحداث في غزة إلى العالم، حتى في الوقت الذي تتعرض فيه أصواتهم وأنفاسهم للحصار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب