
الفلسطينيون في لبنان وتملّك الأجانب
بقلم حسين عبدالله جمعة
يقول تعالى: “وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ” صدق الله العظيم.
منذ سبعة وسبعين عامًا، وما زال الفلسطينيون في لبنان يعانون من حرمانٍ قاسٍ من أبسط حقوقهم المدنية والسياسية، وعلى رأسها حق التملّك والعمل. على أرض بلدٍ جميل انتمى إلى المحافل الدولية، ووقّع على مواثيق حقوق الإنسان، بل وكان من الدول المؤسسة للأمم المتحدة نفسها، لكنّه – ويا للمفارقة – حرم ضيوفه الفلسطينيين من أبسط حقوق الكرامة الإنسانية.
في لبنان، حيث البحر يعانق الجبل وتزدان الساحات بأغصان الأرز، يُدفن الفلسطيني خلف قضبانٍ من القوانين. بلدٌ يوقّع على مواثيق حقوق الإنسان، ويجلس في مقدّمة المؤسِّسين للأمم المتحدة، لكنه يترك لاجئًا عمره سبعه وسبعون عامًا محرومًا من أبسط حقوقه: بيتٌ يأويه،وعملٌ يصون كرامته.
الفلسطيني في لبنان لا يملك سوى بطاقة هوية لا تعترف به، وصوتٍ يصدح في المخيمات منذ عقود. يطالب بالحرية، فيجيبه الصدى وحده. يقف على أبواب الوزارات، فيُقابل بالوعود المؤجّلة. حتى حين طُرحت التعديلات في مجلس النواب، كان الأمل قصير العمر: اتفاقات سياسية تطمس الحقوق وتمنحها فتاتًا، قبل أن تُرحَّل الجلسة إلى موعد جديد… إلى أجلٍ غير مسمّى.
في جلسة مجلس النواب اللبناني قبل أعوام، تحدّثت مصادر عن اتفاق بين بعض الكتل السياسية لتعديل قانون تملّك الأجانب بما يحفظ حقوق اللبنانيين، مع توجّهٍ موازٍ لإعطاء الفلسطينيين هذا الحق. غير أنّ الجلسة أُجّلت، وتأجّل معها أمل آلاف العائلات التي تنتظر بلهفةٍ أن تسمع خبرًا يُخفّف من معاناتها الطويلة.
المؤلم أنّ ممثلي الفصائل الفلسطينية، الذين يجوبون المنابر داخل المخيمات، لم يفعلوا سوى تكرار الشعارات ذاتها. شعارات يعرفها كل فلسطيني يحترق يوميًا تحت قوانينٍ عنصرية وظالمة، فيما القيادات تكتفي بالتصريحات والصور التذكارية.
لقد كانت رسالتي الدراسية في عام 2014 حول الحقوق المدنية للشعب الفلسطيني في لبنان، سعيت من خلالها للتواصل مع بعض القيادات والزعماء، لعلها تكون طريقًا عمليًا لاسترداد الحقوق. لكنني وجدت نفسي أمام واقعٍ مرير ينطبق عليه قول الشاعر: لقد أسمعت لو ناديت حيًّا، لكن لا حياة لمن تنادي.
تساءلت يومها: ماذا لو تحوّلت هذه الجهود إلى خطة عمل حقيقية، بدعمٍ من القوى الوطنية اللبنانية؟ ألن يلتئم جرحٌ واحد على الأقل من جراح هذا الشعب الجبار؟ ألن يستحق وقفة عز حقيقية بدلًا من خطابات جوفاء؟
أذكر أنني التقيت بعائلة الشهيد محمد أبو خضير، ودار بيننا حديث عن واقع الفلسطينيين في الداخل وفي لبنان. وما سمعته منهم لا يزال يرسم في ذهني صورة موجعة:
“إن واقع الفلسطينيين تحت الاحتلال والحصار في الداخل، أهون وأرحم مما رأيناه في مخيمات لبنان.”
هذه ليست دعوة للتوطين، بل هي دعوة إلى الرحمة والعدالة. نحن لا نطالب بأكثر من حقّ إنساني طبيعي، يضمن الكرامة والحياة الكريمة بعد سبعة وسبعين عامًا من اللجوء والمعاناة.
قال تعالى: “وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ”.
حسين عبدالله جمعة – لبنان