مقالات

آفاق الموقف الاوروبي في الشرق الاوسط بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

آفاق الموقف الاوروبي في الشرق الاوسط
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
رغم اعتقاد الكثيرين من علماء العلاقات الدولية بتراجع وزن الجغرافيا في تشكيل السياسات الخارجية الدولية بفعل التطور التكنولوجي ومزاحمة الحدود الجيواقتصادية للحدود الجيوسياسية ،إلا ان من المتعذر فهم “بعض” التحولات في السياسة الخارجية بمعزل عن استبداد الجغرافيا، ولعل ذلك واضح كل الوضوح في التحولات التي تعيشها الدبلوماسية الاوروبية تجاه قضايا الشرق الاوسط بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص.
إن توالي الادانات الاوروبية اللفظية (التي لم نكن نسمعها ) لسياسات الاستيطان الاسرائيلي والافراط الصهيوني في ممارسة الابادة الجماعية للفلسطينيين والتحرك الحذر نحو اعلان الاعتراف بدولة فلسطينية وتكرار استدعاء سفراء اسرائيل في بعض الدول الاوروبية بل والتلاسن الحاد احيانا بين مسئولين اسرائيليين وأوروبيين ، ناهيك عن تزايد مساحة الفضاء الاعلامي الاوروبي الناقد للموقف الاسرائيلي ،بل والمدعوم بمظاهرات وتحركات شعبية او من بعض قوى المجتمع المدني ضد اسرائيل، بل والانتقال الى مواقف اقل تشنجا عند التصويت في الامم المتحدة ..كل ذلك يستدعي التفسير، فهل هذا بداية تشكل اتجاه (Trend ) في السياسة الخارجية الاوروبية؟ والأهم لماذا كل هذا؟
من الضروري التنبيه اننا لا نتحدث عن “ثورة ” في الدبلوماسية الاوروبية بمقدار الحديث عن “مراجعة ” لمواقف تقليدية اوروبية ، ومحاولة الاشارة بأن على الحكومات العربية –وهنا نقطة الضعف في آمالي – استثمار ذلك بتحركات عملية (لا باسطوانة الادانات المشروخة)..
اولا :اسباب بوادر التحول الاوروبي: يمكن رصد عدد من المؤشرات التي تدفع اوروبا ” للتفكير ” في المراجعة:
أ‌- تشير تقارير المؤسسات البحثية الاوروبية بشكل دائم الى ان الكتل والقوى الدولية الكبرى (امريكا، شرق آسيا الصين واليابان، روسيا) هي الابعد جغرافيا عن الشرق الاوسط ، بينما اوروبا –كقارة- هي الجوار المباشر للمنطقة ،فهي تتشارك مع الشرق الاوسط في البحر المتوسط الذي تمتد السواحل العربية عليه لأكثر من 6 آلاف و 500 كيلومتر(تتباين طرق القياس)، وهو ما يعني ان الصراع في الشرق الاوسط ستمتد آثاره مباشرة الى اوروبا، فهي المتضرر الأول من عدم الاستقرار في جوارها.
ب‌- لما كان البحر المتوسط يحمل 30% تقريبا من التجارة العالمية البحرية ،فان اي اضطراب حول هذا المكان كما يجري في البحر الاحمر حاليا يشل هذه التجارة بقدر كبير.ومن هنا تتضح اهمية الفعل اليمني في التضييق على الحركة التجارية في البحر الاحمر الذي يشكل الممر الانسب للتجارة الاوروبية الآسيوية والتي تجاوزت العام الماضي مجموع التريليون دولار،وهو ما قد يشجع اوروبا على مساندة التحول نحو الممرات البرية البديلة بخاصة الشطر البري من الحزام والطريق الصيني، وهو ما قد يعزز التوجه الايراني لاحقا بهذا الاتجاه، لكن اعادة الاستقرار للمنطقة سيعزز دور المتوسط ثانية.
ت‌- ان الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يضعف نسبيا من دعوات ترامب لزيادة نصيب حلف الناتو من نفقات الدفاع الاوروبية لتصل الى 5% بدلا من 2% الحالية.
ث‌- الهجرات البشرية: من المؤكد ان المناطق غير المستقرة سياسيا هي الاكثر دفعا للهجرة نحو المناطق الأخرى، ولما كان الاقليم العربي هو الاعلى عالميا في عدم الاستقرار السياسي(طبقا لكل نماذج القياس)، فان الهجرة تتزايد استنادا لذلك، ولما كانت اوروبا هي الجوار الاقرب “والمغري ” اكثر للمهاجر العربي ،فان ذلك سيربك الوضع الاوروبي اجتماعيا واقتصاديا بل وسياسيا ، ومن هنا من مصلحة اوروبا الاستقرار الذي تشكل القضية الفلسطينية احد اهم اركانه إذا تمت تسويتها. والملاحظ ان فرنسا والمانيا وبريطانيا واسبانيا وايطاليا وهولندا هما الاكثر تعدادا للمهاجرين العرب على اراضيها، ووصل ” اجمالي ” طالبي اللجوء السياسي للدول الاوروبية حوالي 900 الف نسمة كمعدل للعام الواحد منذ الربيع العربي عام 2010 الى الآن، واغلبهم من العرب.
ج‌- انعكاس التوترات على اسعار البترول ، فأوروبا تحتل المرتبة الثانية في استيراد النفط ،فاوروبا تستورد حوالي 9.3 مليون برميل نفط يوميا، ويكفي ان نشير ان الهجوم الاسرائيلي الاخير على ايران رفع اسعار النفط 7% خلال الساعات الاولى من الحرب، ذلك يعني ان ارتفاع سعر النفط دولارا واحدا للبرميل يكلف أوروبا 9.3 مليون دولار يوميا، فإذا اضفنا لذلك ان نفقات الشحن والتأمين على الشحنات تزداد ،فان العبء يتزايد مع معدل حدة عدم الاستقرار تباعا ، ليرتفع النزيف المالي الى مليونيرات الدولارات .
ح‌- لنضع الفرضية التالية، لو تجددت الحرب بين اسرائيل وايران، واغلقت ايران مضيق هرمز ، فان اوروبا ستجد نفسها في موقف اضعف كثيرا امام البترول والغاز الروسي الذي امتنعت بشكل كبير عن استيراده، وهو ما يؤثر على موقفها من الموضوع الاوكراني.
خ‌- تغيرات التوجه للرأي العام المحلي في اوروبا، تشير اغلب استطلاعات الرأي العام الاوروبي الى ان نسبة التأييد للسياسة الاسرائيلية تجاه غزة حاليا في اوروبا هي بين 13-21% في أية دولة اوروبية، بينما نسبة المعارضة للسياسة الاسرائيلية هي بين 63-70%. ولعل مثل هذه النسب تجعل الاحزاب الاوروبية والحكومات الاوروبية على حد سواء تضع ذلك في اعتبارها بقدر معين، فهناك 18 دولة اوروبية عرفت مظاهرات ضخمة تاييدا للفلسطينيين، وهو ما ترك قلقا واضحا لدى الاسرائيليين لا سيما ان اغلب المتظاهرين هم من الشباب، وهو ما له دلالات مستقبلية.
ثانيا: هل تمتلك اوروبا القدرة على الضغط: من المؤكد تاريخيا انه لو اوروبا –وبخاصة بريطانيا لما وجدت اسرائيل-، وفي العدوان الثلاثي كانت اوروبا الطرف الآخر مع اسرائيل عام 1956، لكن المساس بمصالح اوروبا قد يدفع هذه القارة لاعادة النظر في العلاقة بمقدار ما تتضرر مصالح اوروبا، فثلث التجارة الاسرائيلية مع اوروبا، وتزود المانيا لوحدها اسرائيل بحوالي 32% من حاجاتها الدفاعية،وبريطانيا ب1%، تليهما ايطاليا التي اعلنت في نهاية عام 2024 وقف المبيعات الدفاعية لاسرائيل.
فإذا اضفنا لكل ما سبق ان الكتلة التصويتية الاوروبية (44 دولة) (بما فيها ال 28 في الاتحاد الاوروبي) تشكل وزنا مؤثرا لا سيما مع وجود الفيتو البريطاني والفرنسي ،فان القدرة على التأثير في القرار الدولي لا تحتاج الى تفصيل .وتقف اسبانيا وبلجيكيا وايرلندا ولوكسيمبورغ وسلوفينيا في مقدمة نقاد اسرائيل ، وعند التمعن في عدد الدول الاوروبية التي اعترفت بفلسطين كدولة نجد 7 دول(6 منها اعترفت عام 1988)، ثم تبعتها خمسة دول في اعقاب طوفان الاقصى،( 3 دول في عام 2024 ) و ودولتان عام 2025،والعدد مرشح للزيادة؟
ان موضوع حل الدولتين(على علاته كلها) يشكل قلقا كبيرا لنيتنياهو، فاقرار الحل وتبنيه من قوى كبرى واغلب دول العالم يفترض تفكيك المستوطنات ، وهو ما يضع احتمالات الحرب الاهلية بين اليهود موضع الانتظار، وهو ما يعني ان يعمل نيتنياهو مع امريكا وعرب التطبيع على:
أ‌- جعل غزة هي الدولة الفلسطينية، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
ب‌- تجميع الفلسطينيين في مناطق صغيرة من الضفة الغربية وضمهم للاردن
ت‌- افتعال احداث تدفع نحو التهجير الطوعي او القسري
ث‌- منع طرح الموضوع في الامم المتحدة او تأجيلها لأجل مسمى.
ج‌- القبول بحكم ذاتي لفلسطينيي 1967 دون اي شكل من اشكال السيادة.
عامل الترجيح:
ان عامل الترجيح الاهم في الموقف الاوروبي هو الموقف العربي، فإذا بقي العرب عند ” قصائد الإدانة والشجب” فان الطرف الاسرائيلي سيعمل على امتصاص الآثار السلبية على اوروبا من خلال توظيف الموقف الامريكي اولا، وتوسيع الموقف التطبيعي العربي ثانيا، وتأجيج الصراعات البينية العربية ثالثا ، وكل ذلك سيجعل العرب-لا اسرائيل- هم المسئولين وحدهم عن عدم الاستقرار الذي يؤدي الى الاضرار التي تصيب اوروبا …ويبدو المشهد القائم حاليا ان العرب ” فوضى لا سراة لهم، ولا سراة إذا جهالهم سادوا”، فها هي حكومة جبهة تحرير الشام المجاهدة تمارس” خلوة سياسية مع اسرائيل” في اوروبا ، وهناك تقارير عن عرب-ممن افرزهم الربيع العربي في ليبيا والسودان- يقبلون التهجير الفلسطيني لبلادهم، وعرب آخرون يساهمون في دعم الاقتصاد الاسرائيلي من وراء “حجاب” وبعقود مستقبلية تفوق عشرات المليارات من الدولارات ، وقد يعمل العرب على التعاون مع اسرائيل لتخفيف اوزار الصراع العربي الصهيوني عن الكاهل الاوروبي..ولم لا؟ وسيساند ذلك اعلام خليجي يروج للقاء حكومة هيئة تحرير الشام بأخطر وزير اسرائيلي في حكومة نيتنياهو ، وبعد تصريحات حمد بن جاسم المعروفة عن كل ما جرى تتوارى قناة الجزيرة وراء خطط راند كوربوريشن ، ويتبعها الاعلام الخليجي للتشكيك بكل ما هو خلاف ذلك…والقادم أعظم…ربما

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب