مقالات

الحرب على الذاكرة الفلسطينية بقلم مروان سلطان – فلسطين

بقلم مروان سلطان – فلسطين

الحرب على الذاكرة الفلسطينية

 

بقلم مروان سلطان – فلسطين 🇵🇸

22.8.2025

———————————

منذ بداية النكبة في سنة 1948  والشعب الفلسطيني يتعرض من الاحتلال الى اقتلاع ذاكرته منه قبل أرضه، لأنهم يعلمون أن الأرض بلا ذاكرة تصبح مجرد مساحة، الأرض التي  يسكنها التاريخ وتحتضن الحكاية والرواية، فإنها تتحول إلى وطن لا يمكن استئصاله. لذلك لم تكن الحرب على الفلسطينيين حرب قتل وتشريد فقط، بل حربًا أشمل تستهدف الرواية  والهوية وذاكرة الجمع، في محاولة لإلغاء الماضي وتزوير الحاضر وصناعة المستقبل على مقاسهم. فلسطين 🇵🇸 ، قبل النكبة كانت تضاهي مدنها، باريس، ولندن، ونيويورك….. الخ من المدن العالمية، يوجد بها السكك الحديدية، والمسارح والسينما، والمطارات وبرتقالها يصدر الى اوروبا. فكيف تطمس هذه الذاكرة.

لم تكن الحرب التي يشنها الاحتلال اليوم على الفلسطينيين، بما فيها حرب الإبادة والتجويع على غزة،  حربًا تستهدف قتل الإنسان والحيوان والشجر والحجر فقط، فالاهم هو استهداف الهوية والذاكرة. إنهم يدركون تمامًا أنه مهما قتلوا وارتكبوا من الجرائم، سيبقى هناك فلسطينيون، وقدرهم أن يروهم ويلتقوا بهم على الأرض الفلسطينية. سيجدوننا في الشارع والمخيم والحي والمدرسة والمصنع والمعتقل وحتى في المقابر. قدرهم أن يلتقوا بالفلسطيني من دون رغبة منهم. يحاولون طمس هوية الشعب الفلسطيني، لكنهم عبثًا يحاولون.

أهداف الحرب تعددت، وعلى رأس أولوياتهم مسح ذاكرة الشعب الفلسطيني. إن محاولة محو الذاكرة إحدى أدوات الاستعمار في السيطرة على الشعوب. لذا عمدوا في هذه الحرب إلى استكمال ما سعوا إليه طويلًا: إزالة صورة النكبة من ذاكرة الشعب الفلسطيني. فاستهدفوا المخيمات وأزالوها عن الوجود في غزة، وفي الضفة هجّروا سكان مخيمات الشمال. إسرائيل تعتبر المخيم حاضنة اجتماعية وثقافية للمقاومة الفلسطينية برمزيتها ووجودها، لذا فإن مخطط الهدم يشمل كل مخيمات الضفة الغربية، حيث عملت الجرافات على تغيير معالمها، في سبيل إعادة بناء ذاكرة فلسطينية جديدة تتناسب مع ما يريدون تلقينه.

ولم يكتفوا بذلك، بل كانت وجهتهم التالية المنهاج الفلسطيني، معتقدين أن الكتب والكراسات والسبورة هي من تعلم الناس نهج رفض الاحتلال. ومن أجل ضمان تنفيذ التغيير في المناهج الفلسطينية، قاموا بحجز أموال المقاصة لإخضاع السلطة الفلسطينية لمطالبهم. فهم يعتقدون أن المناهج الفلسطينية تعلم الأطفال أن ينتفضوا في وجه الاحتلال، وطالبوا الأوروبيين الذين يمولون قطاع التربية والتعليم بوقف الدعم المالي بحجة أن المناهج تحرض على العنف. ولقد قام الأوروبيون بالتمحيص مرارًا وتكرارًا في المناهج، لكنهم لم يجدوا ما يشير إلى ذلك.

في المقابل، فإنهم ومستوطنيهم في تعليمهم وثقافتهم يلقنون أبناءهم الكراهية والتفاخر بقتل العرب والفلسطينيين، ولا أحد يؤنبهم. ويتبادر إلى الذهن مشاهد المسيرات الشعبية في المدن الأوروبية والأمريكية التي لم تقم المدارس أو الجامعات فيها بتلقين طلابها أن فلسطين عربية، ولكن حناجرهم صدحت: عاشت فلسطين حرة، ولينتهِ الاحتلال. إنها الثقافة الحية، إنه المشهد الدامي الذي يكشف نفسه.

حقيقة الأمر أن إعلام دولهم وثقافتهم التي نشؤوا عليها كرست دعمهم لدولة الاحتلال، لكن زيف الحقائق ينكشف مهما طال الزمن، فتمرد الشبان على معلميهم ومدارسهم ومناهجهم أمام الحصار والجوع والقتل، لتصدح الذاكرة الحقيقية بالصعود.

الحرب والهدم ليست مجرد معركة تقودها إسرائيل على من يحمل بندقية فقط ، ان الحرب على الذين حملوا الفكر الوطني والثقافة الوطنية، إنها حرب على الهوية والوجود، وعلى حق اللاجئ في الحفاظ على هوية اللجوء حتى يعود إلى مسقط رأسه. فهل يمكن بعد كل تلك المعاناة أن تفقد البوصلة التاريخية والسياسية؟ نحن أمام رواية أخرى يحاول الاحتلال تسويقها، ولهذا السبب يسعى لطمس رواية الشعب الفلسطيني.

ومن سخرية القدر أن محاولات إسرائيل هدم المدن والقرى الفلسطينية، والإمعان في القتل وفرض النزوح بالقوة، أعادت المشهد إلى الذاكرة الفلسطينية بكل تفاصيله، وكأن أحداث النكبة عام 1948 تتكرر اليوم. وهكذا هو الحال: فالاحتلال لا يملك إلا أن يقتل ويشرّد ويدمر، وفي كل تلك المشاهد تعود الذاكرة إلى الحاضر لتتراكم على المشهد الأول، وهو النكبة الفلسطينية بكل تفاصيلها.

إنها ليست حربًا على الأرض وحدها، بل حرب على الذاكرة والرواية، فالمكان يمكن أن يُهدم، والإنسان يمكن أن يُهجّر، لكن الذاكرة التي تتوارثها الأجيال لا يمكن محوها. ولهذا يدرك الفلسطيني أن معركته الحقيقية ليست فقط مع الجرافات والدبابات، بل مع محاولة سلبه تاريخه وحقه في أن يروي قصته للعالم. وهنا تكمن الهزيمة الكبرى للاحتلال: أن الذاكرة الفلسطينية عصيّة على الطمس، وأن كل جيل يولد من رحم النكبة يعيد سرد الحكاية من جديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب