تحقيقات وتقارير

بعد اجتماعات واشنطن بشأن أوكرانيا: الأوروبيون في مواجهة معضلة تقديم الضمانات الأمنية لكييف وزيلينسكي يضعها كشرط للقاء بوتين

بعد اجتماعات واشنطن بشأن أوكرانيا: الأوروبيون في مواجهة معضلة تقديم الضمانات الأمنية لكييف وزيلينسكي يضعها كشرط للقاء بوتين

آدم جابر

بروكسل ـ  بعد اجتماعات البيت الأبيض يوم 18 من شهر آب/أغسطس الجاري والتي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني وقادة أبرز الدول الأوروبية في تحالف الراغبين (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفنلندا) بالإضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية والأمين العام لحلف الناتو؛ ما يزال الغموض يحيط بشكل الضمانات الأمنية التي يمكن لأوروبا و«تحالف الراغبين» تقديمها في ضوء أي اتفاق سلام محتمل مع موسكو، في ظل غياب الاتفاق على أي آلية بشأن هذه الضمانات. تحدّث الرئيس دونالد ترامب عن إمكانية تقديم دعم من سلاح الجو الأمريكي، مستبعدًا أي نشر لقوات برية أمريكية في أوكرانيا؛ وذلك بعد أن أبدى للقادة الأوروبيين انفتاحًا على مشاركة بلاده في العملية، معتبرا أن «هذه الضمانات ستُقدَّم من قبل دول أوروبية عدة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة». في حين، شدد نائبه جاي دي فانس على ضرورة أن «يتحمّل الأوروبيون الجزء الأكبر من العبء» فيما يتعلق بالضمانات المقدمة لأوكرانيا، معتبراً أنهم المسؤولون عن «أمن قارتهم». وكلّف الرئيس دونالد ترامب وزير خارجيته ماركو روبيو بتشكيل فريق عمل مع الأوروبيين لتحديد التزامات كل طرف. في هذا الصدد، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، عن مقترحات أخرى لمساهمة واشنطن، مثل «المساعدة في مجال الاستخبارات والمراقبة»، وهي مجالات تعتمد فيها أوكرانيا بشكل كبير على الولايات المتحدة منذ بداية النزاع، وفق الباحثة ليانا فيكس من مجلس العلاقات الخارجية.

شروط زيلينسكي للقاء بوتين

في أوروبا، حيث تشّكل الضمانات الأمنية الرهان الرئيسي للأوروبيين الباحثين عن نموذج فعّال للأمن الأوكراني يكون مقبولًا أيضًا من قبل روسيا، تسارع الدول الأوروبية الآن إلى وضع ضمانات أمنية لأوكرانيا قبل القمة المحتملة بين زيلينسكي وبوتين، التي يدعو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى عقدها في أقرب وقت ممكن لوضع حد للحرب في أوكرانيا من خلال اتفاق سلام شامل. غير أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي أعلن عقب انتهاء اجتماعات واشنطن مساء الإثنين الماضي أنه يجب أن يتم إقرار الضمانات الأمنية من قبل الحلفاء «خلال أسبوع إلى عشرة أيام»؛ وضع يوم الخميس المنصرم شروطه قبل عقد أي لقاء محتمل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث شدد زيلينسكي على أن اجتماعًا ثلاثيًا مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب لن يكون ممكنًا إلا عندما يحدد حلفاء أوكرانيا التزاماتهم لحمايتها في حال وقوع أي هجوم روسي جديد. وقال الرئيس الأوكراني: «نريد التوصل إلى فهم لهندسة الضمانات الأمنية في غضون سبعة إلى عشرة أيام. وعلى أساس هذا الفهم، ننوي تنظيم اجتماع».
غداة اجتماعات واشنطن، اجتمع قادة «تحالف الراغبين/ المتطوعين» المكون من نحو ثلاثين دولة معظمها أوروبية، يوم الثلاثاء الماضي افتراضيا، لمناقشة الضمانات الأمنية التي يجب تقديمها لأوكرانيا. وتم طرح إنشاء «قوة طمأنة» تتولى حفظ السلام في حال التوصل إلى اتفاق مع موسكو. وتُشير تقارير إعلامية إلى أن هناك حاجة إلى 100 ألف جندي من أجل تأمين خط الجبهة الممتد على نحو ألف كيلومتر في أوكرانيا وكبح الطموحات العسكرية الروسية. لكن مع احتياجات التدريب وتدوير القوات، قد يصل العدد المطلوب إلى 300 ألف جندي. غير أن حشد هذا العدد الكبير يُشكل معضلة كبيرة بالنسبة للأوروبيين وحلفائهم في تحالف الراغبين، إذ سيكون من الصعب جدا عليهم تحقيق ذلك. ويرى مسؤولون أوروبيون أن حشد 30 ألف جندي يبدو أكثر واقعية، كما أوردت صحف مثل «الغارديان» البريطانية.

تباين المواقف

وبينما أبدت المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا، إضافة إلى دول البلطيق مثل ليتوانيا وإستونيا، أبدت انفتاحًا على نشر قوات في أوكرانيا؛ أظهرت دول أوروبية أخرى تحفظًا أكبر، بما فيها كل من هولندا وإسبانيا اللتان عبرتا عن استعدادها للمشاركة في تقديم ضمانات أمنية لتعزيز الجيش الأوكراني، لكن ذلك لا يشمل إرسال جنود. وكذلك الحال بالنسبة إلى إيطاليا، التي استبعدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إرسال قوات إلى أوكرانيا، وذلك خشية من أن يؤدي ذلك إلى دخول بلادها في صراع مباشر مع موسكو، وفق ما أوردت صحيفة «كورييري ديلا سيرا»، التي نقلت عن ميلوني قولها: «إذا قُتل أحد جنودنا، فهل نتجاهل الأمر أم نرد؟ وإذا رددنا، فهذا يعني حتمًا تورط حلف الناتو». وأيضاً بولندا، التي ترفض إرسال قواتها إلى الخارج لكونها تشترك بحدود مع روسيا، حسب مصادر عسكرية في هذا البلد. وأيضا، جددت حكومة فيكتور أوربان مراراً في أن القوات المجرية لن تُنشر في أوكرانيا، وأن بودابست لن تقدم أيضاً أي وسائل عسكرية لجارتها.
وفي ألمانيا، يواجه المستشار فريدريش ميرتس ضغوطا وجدلًا واسعًا في بلاده، التي لطالما تبنّت نهجًا سلميًا منذ الحرب العالمية الثانية، حين تحدث عن إمكانية إرسال قوات ألمانية إلى أوكرانيا. لكن وزير الخارجية الألماني يوهان فاديبول أوضح أن بلاده ليست لديها قدرة كبيرة على إرسال قوات إلى أوكرانيا، لكنها ستقدم بدلاً من ذلك «عناصر مهمة» في إطار الضمانات الأمنية.
ولردع أي محاولة روسية لاستئناف القتال بعد اتفاق سلام محتمل، ناقش بعض حلفاء أوكرانيا إمكانية إنشاء تحالف عسكري يتضمن بندًا للحماية. طُرحت الفكرة من قبل رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي تدعم صياغة آلية تُلزم شركاء كييف بالتدخل في حال تعرضت لهجوم روسي جديد، كما أوردت صحف من بينها «لوموند» الفرنسية. ويستند المقترح مباشرة إلى المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو، التي تنص على الدفاع المشترك في حال تعرض أحد الأعضاء لهجوم. لكن الشكل الذي قد يتخذه مثل هذا البند ما زال غير واضح.

انضمام أوكرانيا إلى الناتو؟

كما يُطرح خيار آخر يتمثل في تعزيز قدرات الجيش الأوكراني عبر عقود تعاون وتسليح. ويرى الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن بناء جيش قوي هو الضمانة الأولى لأمن بلاده. وأشارت صحف غربية أن الرئيس الأوكراني وقّع بالفعل نحو عشرين اتفاقية ثنائية للمساعدة العسكرية مع دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا. وتزامنا مع اجتماعات واشنطن بداية الأسبوع، كشفت «فاينانشال تايمز» أن كييف تعهدت بشراء أسلحة أمريكية بنحو100 مليار دولار بتمويل أوروبي، في إطار مساعيها للحصول على ضمانات أمنية من واشنطن بعد أي تسوية سلمية محتملة مع روسيا.
ويتضمن جزء من هذه الصفقة اتفاقًا بقيمة 50 مليار دولار لإنتاج طائرات مسيّرة بالشراكة مع شركات أوكرانية برزت في هذا المجال منذ الغزو الروسي في شباط/فبراير عام 2022.
غير أن أوكرانيا تشدد منذ بداية هذا النزاع على أن أفضل ضمانة لأمنها هي الانضمام إلى حلف الناتو والاستفادة من حماية المادة الخامسة؛ وهو ما تقابله روسيا بالتحذير، من جهتها، من مغبة أن انضمام كييف إلى الحلف يشكل تهديدًا وجوديًا لها، مُشددة على رفضها للفكرة رفضًا قاطعًا. وعلى الرغم من أن بعض الدول الأوروبية تدعم هذا الخيار، فإن دونالد ترامب استبعده هو الآخر، متبنيًا عمليًا موقف فلاديمير بوتين بعد لقائهما في ألاسكا يوم الجمعة 15 من شهر آب/أغسطس الجاري.
مع ذلك، عقد قادة أركان الدول الأعضاء في حلف الناتو، يوم الخميس، اجتماعًا عبر الفيديو، من دون أن يتسرب أي تفصيل عن محتوى المناقشات. واكتفى الأدميرال جوزيبي كافو دراغوني، رئيس اللجنة العسكرية للحلف، بالقول عبر منصة «إكس»: «أكدنا دعمنا لأوكرانيا. الأولوية تبقى تحقيق سلام عادل وموثوق ودائم».

مطالب موسكو

وفي موسكو، يشدد المسؤولون الروس على أن «قضايا الأمن الجماعي» لا يمكن أن تُناقش من دونها، ما يزيد من صعوبة المفاوضات الأوروبية بشأن الضمانات الأمنية. وقد طالبت روسيا غداة اجتماعات واشنطن بين الرئيس الأمريكي والأوروبيين، بأن يضمن أي اتفاق سلام محتمل «أمنها وأمن السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا»، وهو المبرر الذي استخدمته لشن غزوها عام 2022.
وفي الأيام الأخيرة، سعت الولايات المتحدة إلى «طمأنة الروس» بأن «الضمانات الأمنية لأوكرانيا لن يكون لها علاقة بالناتو»، حسب ما أوضح كاميل غراند، الأمين العام المساعد السابق للحلف. بعبارة أخرى، فإن أي ترتيبات تشبه ـ ولو من بعيد ـ مشاركة حلف الناتو قد تستفز روسيا. وقد أعادت المتحدثة باسم الخارجية الروسية التأكيد على هذا الموقف الإثنين، مشددة على رفض الكرملين «أي سيناريو يشمل وجود قوات عسكرية في أوكرانيا بمشاركة أعضاء من الناتو».

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب