مقالات
فلسطين تدق صدر العالم …غزة تحاكم العالم … بقلم أحمد علوش -طليعة لبنان –
بقلم أحمد علوش -طليعة لبنان -

فلسطين تدق صدر العالم …غزة تحاكم العالم …
بقلم أحمد علوش -طليعة لبنان –
مع النكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948، رفع العرب كل العرب شعار تحرير فلسطين، وأدرك الجميع أن هذه النكبة التي طالت تداعياتها المباشرة أبناء الشعب العربي الفلسطيني ليست إلا تحولاً خطيراً في الصراع الوجودي بين أمتنا وأعدائها لتصبح فلسطين قضية مركزية عند الجماهير العربية وقواها القومية الحية التي شددت على العلاقة الجدلية بين الوحدة والتحرير، وبوابة حفظ الماضي وضمانة الحاضر وحماية المستقبل، إلا أن النظم الرسمية العربية التي دخلت حرب عام 1948 كان هدفها تنفيذ قرار التقسيم لا استعادة الأرض، كما أن الأنظمة التي جاءت بعد ذلك تبنت شعار الجماهير ورفعت عناوين التحرير وغيبت عن الممارسة هذه الشعارات وجوفتها من حقيقتها، وتخلت عنها في مرحلة لاحقة بعد هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 عندما استبدلت الاستراتيجي بالمرحلي من خلال الدعوة إلى إزالة آثار العدوان وانسحاب العدو من الأراضي التي احتلت في تلك الحرب إلا أن قمة الانحدار والتراجع برزت جلية في أعقاب حرب تشرين أول عام 1973 (حرب التحريك لا التحرير) لينخرط بعضها في نهج تراجعي انحداري لتسوية كان واضحاً أنه يعني في محصلته النهائية أحكام نهج السيطرة الأميركية الصهيونية على كل مقدرات الوطن العربي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي بات يعرف هذه الأيام بالتطبيع بعد سلسلة من الأحداث والمتغيرات نقلت هذه الأنظمة إلى تابعٍ لسياسة أميركا وساعٍ لعلاقات ملحقة بشكل أو بآخر بالكيان الصهيوني الذي يبشر بشرق أوسط جديد، الكلمة العليا فيه للكيان الاغتصابي ومشاريعه، وأدت سلسلة الأحداث والتطورات وهي كثيرة ومتلاحقة إلى تحييد الجماهير العربية وتغييب دورها.
منذ أكثر من قرن والفلسطينيون ومعهم الجماهير العربية في مرحلة ولوحدهم في مرحلة لاحقة، خاصة بعد ضرب الحالات المتقدمة في الوطن العربي، ظل الفلسطينيون في خندق الدفاع الأمامي عن قضيتهم وقضايا أمتهم، وواجهوا بالسواعد القوية والصدور المؤمنة العارية، واستطاعوا أن يحافظوا على حقهم التاريخي في وطنهم، وأن يعيدوا الحيوية لقضيتهم لتصبح قضية العصر في مواجهة اغتصاب احلالي يرتكب أبشع أنواع الجرائم على كل المستويات.
لقد استطاعت قضية فلسطين أن تدق صدر العالم، ساعية إلى احلال العدالة، وشاهدة على الظلم والعنصرية والعدوان، وهي الآن بدماء أطفالها وصمود شعبها تستقطب غالبية قطاعات الرأي العام العالمي وتكشف في الوقت نفسه زيف شعارات الغرب والقوى الاستعمارية عن الإنسانية والعدالة وحقوق الإنسان واصطفافه خلف جرائم العدو وحرب الإبادة ومدّه بكل أسباب القوة منسجمة بذلك مع أهدافها في تصفية القضية الفلسطينية كمدخل للسيطرة على الوطن العربي وإخضاعه وموظفة التطورات الأخيرة في أكثر من ساحة من أجل تحقيق هذا الهدف.
وفي ظل ما يستهدف الوطن العربي من تطورات وتفلت صهيوني يلعب فيه الأميركي دور الشريك ان لم نقل الراعي وليس المساند تظل الأنظار شاخصة إلى غزة، وبصعوبة إلى الضفة الغربية حيث ينفذ الكيان الاغتصابي أكبر وأبشع جرائم العصر وهو إبادة الفلسطينيين قتلاً وتجويعاً واقتلاعاً ودعاوى إلى التهجير القسري أو الطويل لا فرق لمن تكتب له الحياة من محارق العدو الذي يتحضر بتأييد أميركي مطلق لتصعيدها عبر العدو بحملة عنصرية لاجتياح ما تبقى من قطاع غزة واستكمال احتلال.
وأمام خطورة الوضع الراهن والاحتمالات المدمرة لما قد ينجم عن ذلك من خلال العملية الإجرامية التي بدأ العدو بتنفيذها لا بد من الإشارة إلى حقيقة أن أميركا هي صاحبة القرار الأول والأخير في هذا الأمر وهو ينفذ بالنيابة عنها والشراكة معها، فالمجرم نتنياهو وغيره من الصهاينة كانت كل المشاريع المطروحة احلاماً تراود مخيلتهم ، ولكن من يساهم بترسيخها وتعميقها هو ترامب الذي يشاركم جرائمهم، فهو الذي أعلن أنه مساحة كيان الاغتصاب قليلة ويفكر كيف يوسعها، كما أنه دعا إلى تهجير الغزيين وتحويل قطاع غزة إلى ما أسماه “ريفيرا الشرق الأوسط” في محاولة للذهاب أبعد ذلك من إلى نفط غزة وغازها والى بحرها، كما إلى دمائها الذي يجب أن تكون معبراً لقناة البحرين ومشاريع أخرى ترتبط بالطريق البري من الهند.
وفي موازاة الموقف الأميركي لا بد من ملاحظة أن دول الغرب تتماهى مع هذا الموقف، ورغم أن البعض يعتبر أن هناك افتراقاً في ذلك سواء من خلال الاعتراف المتوقع لبعض هذه الدول بالدولة الفلسطينية، وإدانتها للممارسات الإجرامية الصهيونية في غزة، والاستيطانية في الضفة، ودعواتها لإنهاء المعاناة والتجويع في غزة، فإنها لم تتخذ خطوات حاسمة على هذا الصعيد واكتفت بنوع من تسجيل المواقف لا يقدم ولا يؤخر أو ينهي معاناة أطفال يموتون عطشاً بعد أن منع عنهم العدو الاغتصابي رغيف الخبز وحبة الدواء، أما الأمم المتحدة فإنها ومنظماتها الإنسانية تجيد رفع الصوت ليس إلا . ومأساوية الصورة الراهنة هو الموقف الرسمي العربي الذي يلهث خلف التطبيع ويمارسه إما سراً أو علناً، ويبرز الخطر في هذا الاتجاه ليصبح السؤال الأكثر إلحاحاً أليس من العار على هذه الأنظمة بما تملكه من إمكانات وتختزنه من قدرات أن تقف عاجزة عن إيصال الغذاء والدواء للغزيين، وهي لم تتخذ حتى الآن إجراء حاسماً ولو بسيطاً في الضغط الجدي على العدو على مستوى العلاقات وتعليق عمل السفارات إلى غيرها من إجراءات وفي مقدمتها فتح المعابر، والموقف نفسه ينطبق على مايسمى بدول العالم الإسلامي .
أما الجماهير العربية التي يخرج بعضها في مظاهرات احتجاجية فهي مغيبة وضعيفة وفي بعض الأقطار تم إشغالها بصراعات جانبية أثنية ومذهبية لن تصب في أي حال من الأحوال إلا في مصلحة الكيان الاغتصابي وأهدافه، ورغم مأساوية الأوضاع وسوداوية المشهد الدامي يظل الحديث عن اليوم التالي شاغل كل الأوساط عبر طرح صيغٍ متباينة ومتناقضة، تصدر عن كل الأطراف بمن فيهم نتنياهو نفسه الباحث بين جثث ضحايا التجويع عن نصر موهوم ويتحدث عما يسميه عصر جديد هروباً من مآزقه الكثيرة والعديدة وتتراوح الأفكار بين الإدارة العسكرية للقطاع أو مدنية إذا اقتضى الأمر، او لجنة فلسطينية موالية للاحتلال، وربما إدارة دولية أو عربية للقطاع في اليوم التالي.
إن الحديث عن أكثر من صيغة يعبر عن المأزق العميق الذي يعيشه الكيان الاغتصابي رغم ما يطفو على السطح من نجاحات وهمية وانتصارات مزعومة.
وهو يدرك كغيرة من الساسة حتى العرب منهم أن فلسطين تتقدم على مستوى العالم وسلسلة الاعترافات الغربية بحل الدولتين تضعه أمام المأزق التاريخي لأن الحقيقة الفلسطينية ستظل هي الحاضرة في ضمير الفلسطينيين ووجدان كل العرب ولا بد أن تتقدم على مستوى العالم وشعوبه الرافضة للعدوان والجريمة والقتل، كما يدرك قادة العدو جميعاً، موالاة ومعارضة، أن إقامة دولة فلسطين مستقلة هي النقيض الحتمي والجوهري لكيان قام بفعل العدوان وعقلية الاغتصاب وأن كل الأوهام التاريخية والزيف والتشويه لن يلغي حقيقة أن فلسطين عربية وستبقى كذلك رغم الإبادة والتجويع والقتل الجماعي.
اليوم التالي سيكون لفلسطين كما كل الأيام القادمة رغم أنف نتنياهو وسيده الأميركي ترامب الذي أعطى الضوء الأخضر له لمواصلة حرب الإبادة في غزة، وليس على الفلسطينيين إلا مواصلة خيارهم الوحيد في الصمود مثل صخور تلك الأرض وعلى قواهم الفاعلة ترتيب البيت الفلسطيني من خلال منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت وستبقى ممثلهم الشرعي والوحيد في الداخل والخارج.
إن صرخة طفل فلسطيني جائع تفضح كل المتخاذلين وجوع أطفال غزة سينتصر على القتل والإبادة.