حزام أمني – اقتصادي حول الضاحية؟

حزام أمني – اقتصادي حول الضاحية؟
بخطى متسارعة، تتكشّف الأدلة على تحوّل لبنان إلى مستعمرة أميركية – غربية بامتياز، بعدما باتت غالبية مؤسساته الرسمية والأمنية أشبه بضابطة عدلية تنفّذ إملاءات مشروع اجتثاث المقاومة ومعاقبة بيئتها جماعياً. وآخر فصول هذا المشروع تجلّى في خطة إطباق أمني – اقتصادي على الضاحية الجنوبية.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن أحد بنود التصوّر الأميركي لـ«لبنان من دون مقاومة وسلاحها»، يقضي بالتعامل مع الضاحية الجنوبية على غرار التعامل مع المخيمات الفلسطينية، عبر استحداث حواجز على مداخل «عاصمة حزب الله»، وإخضاع الداخلين إليها والخارجين منها لتفتيش دقيق، وفرض قيود صارمة على إدخال البضائع والمواد، والتشدّد في التدقيق في مصادرها ووجهتها، وضبط حركة الأموال ومراقبة مصادرها وصولاً إلى وجهتها النهائية. واللافت أن هذه المهمة، وفق المصادر نفسها، «لن تسلّم للجيش اللبناني كمقترح أولي، بل يُعمل على تسليمها لقوة أمنية أجنبية، قد تحمل جنسية عربية».
مشروع خنق الضاحية الجنوبية، يتوازى مع مخطط آخر يتمثّل بإفراغ المنطقة الحدودية الجنوبية. وآخر الصيغ المطروحة لـ«المنطقة العازلة» تقترح تحويل الشريط المحاذي للحدود بعمق ثلاثة كيلومترات على الأقل إلى مساحة خالية من البناء والسكان، أي إلى ما يشبه «أرضاً بوراً».
واللافت أن الأميركيين استخدموا هذا المصطلح تحديداً في محادثاتهم مع المسؤولين اللبنانيين، وليس منطقة «معامل ومصانع ومنتجعات» كما جرى تقديم الأمر في اليومين الماضيين.
النص الفرنسي للتمديد لـ«اليونيفل» أعطاها صلاحيات مشدّدة تشمل نزع السلاح جنوب الليطاني بالقوة
وبحسب مصادر متابعة للجولات الدبلوماسية والعسكرية الأميركية على المسؤولين أمس، فإن الخطة الإسرائيلية تتضمن انسحاباً على مدى غير منظور من بعض النقاط المحتلة جنوباً، لتحويلها إلى مربعات أمنية مقفلة، ما يشي بمرحلة جديدة من محاولات فرض وقائع ميدانية على حساب الأرض والناس.
إلى ذلك، لم يكن مجلس الأمن، حتى مساء أمس، قد حدّد موعداً لعقد جلسة للبتّ في مصير مهمة قوات حفظ السلام، على بُعد أيام قليلة من انتهاء ولايتها السنوية منتصف ليل 31 آب الجاري، في ظل المواقف الأميركية والإسرائيلية التي تربط أي تمديد جديد للمهمة باشتراط نزع سلاح حزب الله، فيما كان التمديد، منذ عام 1978، يمر سنوياً من دون شروط.
وبحسب مصادر متابعة، فإن فرنسا، بصفتها حاملة القلم في ملف التمديد كما في كل عام، سلّمت الدولة اللبنانية نص القرار الذي أعدّته. وتضمّن تمديداً لمدة عام كامل، لكن مع إشارة صريحة إلى احتمال أن يكون هذا التمديد الأخير، في إرضاء واضح للمقترح الأميركي الداعي إلى خفض العديد والعتاد والموازنة تمهيداً لإلغاء المهمة كلياً. إلا أن النص الفرنسي أضاف صلاحيات مشدّدة للقوات الدولية، تشمل الحق في تطبيق قرار نزع السلاح جنوب الليطاني بالقوة، ما يعني تحوّلاً جذرياً في طبيعة المهمة.
ميدانياً، تواصل قوات اليونيفل تنفيذ مهماتها الروتينية في القرى الحدودية، فيما يترقّب الأهالي مصير قوات حفظ السلام كما يترقّبون مصير ما يُحاك للمنطقة العازلة.
لكنّ هذه الاستحقاقات الوجودية لم تحجب إرادة استعادة الحياة. ففي ميس الجبل، تعبر القوافل البيضاء أحياءً تحوّلت إلى ساحات لعب بعد إزالة الركام، ويكاد هدير الجرافات يغطي على أصوات المُسيّرات الإسرائيلية التي لا تنفكّ تلاحق السكان بالقنابل الصوتية، وآخرها كان استهداف مواطنين أثناء قطفهم السماق بمحاذاة الجدار الفاصل في كروم الشراقي، في مشهد يتكرر يومياً أكثر من مرة.
رغم ذلك، تستعيد ميس الجبل إيقاعها كسوق تجاري ناشط لمحيطها. المحالّ التجارية تعود تباعاً: الصيدلية، الملحمة، الفرن، الدهان، الخردوات، المفروشات، والأدوات المنزلية… كلها فتحت أبوابها مجدّداً.