مقالات

ترامب ونتنياهو ووهم السلام الإبراهيمي بقلم الدكتور رياض العيسمي

بقلم الدكتور رياض العيسمي

ترامب ونتنياهو ووهم السلام الإبراهيمي
بقلم الدكتور رياض العيسمي
الأحداث السياسية الكبرى لا تحصل صدفة في التاريخ. فهي عادة تأتي بفعل فاعل لتغيير الواقع القائم وبما يقطع مع ما قبله ويبرر ما سيأتي بعده. وهذا ما بعرف باستراتيجية الغاية تبرر الوسيلة التي كان قد عبر عنها المنظر الإيطالي نيكولاس ميكافيللي في كتابه الشهير الأمير، الذي صدر قبل أكثر من أربع مائة عام. والذي استخدمه الغرب والولايات المتحدة على مر الزمن كدليل سياسي ومنهج استراتيجي. والأمثلة كثيرة في التاريخ على هذا التوجه. ولكن أهمها في القرن العشرين كان حادثة قصف الألمان لسفن الإغاثة الأمريكية التي كانت ذاهبة الى أوروبا لمساعدة مواطني دول الحلفاء المتضررين من الحرب. وذلك ما برر دخول الولايات المتحدة في الحرب بعد عامين من نشوبها. وهذا الفعل حصل اما بغباء القادة الألمان السياسي أو دهاء القادة الأمريكان الاستراتيجي. والنتائج دللت على ترجيح الاحتمال الثاني الذي راهن على عظم احتمالية وقوع العامل الاول لتحقيق النتائج المرجوة. ومثله حصل في الحرب العالمية الثانية عندما برر الأمريكان دخولهم الحرب ردا على قصف اليابان لشاطئ اللؤلؤ في هاواي، المقاطعة التي كانت قد حصلت عليها الولايات المتحدة كنتيجة للحرب العالمية الأولى. وتكرر نفس هذا التوجه مع الولايات في مطلع القرن الحادي والعشرين. وذاك عندما استغلت أحداث ١١ أيلول عام ٢٠٠١ عليها كمبرر لاحتلال افغانستان والعراق. والتاريخ لا يعيد نفسه، وانما احداثه تتشابه. حيث استغلت الولايات المتحدة أحداث ٧ اكتوبر ومعها إسرائيل هذه آلمرة لتحقيق أهداف استراتيجية كبيرة. لكن هذه المرة الأهداف المرجوة لاستغلال هذه الحادثة هي متباينة للأطراف المختلفة. حيث بدأت أحداث ٧ أكتوبر في أواخر عهد الرئيس الأمريكي بايدن. والذي حاول استغلالها لاسقاط حكومة نتنياهو اليمينية المتدينة بغرض الوصول إلى حكومة معتدلة تقبل بإقامة صلح وتسوية مع الفلسطينيين لإرضاء السعودية التي كان هذا هو شرطها للتطبيع مع إسرائيل. ولكن حصل ما لم يكن بالحسبان في ادارة بايدن بسبب قصور الرؤية الاستراتيجية. حيث قلب نتنياهو السياسي المخضرم والاستراتيجي المتمرس الطاولة على بايدن. وبقيت حكومته صامدة. وبما عطل مشروع بايدن ودفعه للتراجع عن الترشح وخسارة حزبه مع كمالا هارس الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٤. وهذا ما أعاد الرئيس ترامب إلى السلطة. لقد بدأت الاحداث التي دعمها الرئيس بايدن كمقدمة لتحقيق تغيير وتطبيع في المنطقة بتصفية قادة حزب الله وحماس، والتي لم تكن لتحصل لولا حصول ٧ أكتوبر، وأكملها ترامب مع نتنياهو. باسقاط النطام السوري بغية تغيير المعادلة بإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة والوصول إلى الاتفاقيات الإبراهيمية التي كان الرئيس ترامب قد بدأها في دورته الاولى، ولا يعارضها نتنياهو. لكن نتنياهو الذي يخشى أن يكون آخر ملوك إسرائيل، يطمح إلى تحقيق حلم اليهود التوراتي، إسرائيل الكبرى. وهو هدف لا يعارضه ترامب من حيث المبدأ. إلا ان ترامب ونتنياهو هم أشخاص نرجسيون. وكل منهما يبحث عن تحقيق عظمة خاصة به عبر التاريخ. وبغض النظر عن الولايات المتحدة وإسرائيل، والعلاقة بينهما. والفرق بينهما هو فقط في الطبيعة النرجسية. فترامب بحاول ان يفرض الوقائع على الارض عبر انفعالات عاطفية. ونتنياهو يحاول تغييرها بمكر ودهاء سياسي. وهذا ما يعكس هذا التخبط والتناقض الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط والعالم اليوم.
يمكن للقادة فرض الاحداث بما يخدم مصالحهم في التاريخ، لكنه لا احد يستطيع لي عنق التاريخ وحرفه عن مساره. السلام الإبراهيمي المزعوم بعيد التاريخ إلى الوراء. فهو يستند إلى تفوق دين على بقية الاديان. واستعلاء قومية على باقي القوميات في منطقة تتداخل فيها الأديان والقوميات. ولهذا لا يوجد حل قابل للصمود في هذه المنطقة المهمة من العالم إلا ببناء الدول العصرية المتعاونة، والتي يمكن أن تتآخى قبها الأديان وتبني مفهوم الأمة الجامعة التي يمكن أن تتعايش فيها كل القوميات.
ولهذا يبقى السلام الإبراهيمي وهما في مخيلتي ترامب ونتنياهو. وسيذهب معهما بمغادرتهما للسلطة، أو انتقالهما إلى العالم الاخر.
ولنا في التاريخ دروس وعبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب