«آلية الزناد» بين النص والواقع: التهويل أداةً لانتزاع تنازلات

«آلية الزناد» بين النص والواقع: التهويل أداةً لانتزاع تنازلات
يتحوّل التهديد الأوروبي بتفعيل «آلية الزناد» إلى أداة ابتزاز سياسي لفرض تنازلات على إيران وإضعاف حضورها الإقليمي قبل انتهاء القرار 2231.

عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، وُضعت آلية لـ«حلّ النزاعات» بين الأطراف المشاركة فيه، عُرفت باسم «آلية الزناد»، كان الهدف منها خلق رادع لأطراف الاتفاق عن مخالفته؛ إذ في حال عدم الالتزام بالتعهّدات، يمكن لأحد الأعضاء الاعتراض، ومن ثمّ الدفع – عبر عملية محدّدة – إلى إلغاء الاتفاق بالكامل والعودة إلى الظروف التي كانت سائدة قبله، وبالتالي، إعادة تفعيل قرارات مجلس الأمن السابقة عليه. ومذّاك، مثّلت «آلية الزناد»، نقطة خلاف أساسية بين الأطراف المذكورة، وصولاً إلى اليوم، حيث تهدّد «الترويكا الأوروبية» بتفعيل الآلية المشار إليها، وذلك على بعد أسابيع قليلة من الموعد النهائي لانقضاء مدّة الاتفاق النووي والقرار 2231.
لماذا صُمّمت «آلية الزناد»؟
تهدف «آلية الزناد» إلى ضمان التنفيذ الصحيح للاتفاق النووي من قِبل جميع الأطراف المشاركة فيه، التي التزمت، عقب توقيع «خطة العمل الشاملة» بين إيران ودول 5+1 عام 2015، بتنفيذ البنود المتعلّقة بها. على الجانب الإيراني، وافقت طهران على اتخاذ جملة من الإجراءات النووية، من مثل تنفيذ البروتوكول الإضافي والمراقبة الخاصة، وخفض مستوى تخصيب اليورانيوم، والحدّ من كمية المواد المخصّبة، وتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة وحصر نوعيّتها، جنباً إلى جنب إعادة تصميم مفاعل «أراك» للماء الثقيل، وإغلاق منشأة التخصيب في فوردو.
على الضفّة المقابلة، وافق الطرف الآخر على إلغاء جزء من العقوبات على إيران وتعليق العمل بجزء آخر، باستثناء العقوبات التي هي خارج نطاق الاتفاق، أي تلك غير النووية. وبموجب القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن، تَقرّر أن يتمّ إلغاء جميع القرارات السابقة المتعلّقة بالأنشطة النووية الإيرانية مؤقّتاً لمدّة 10 سنوات، ومن ثم تلقائياً وبشكل دائم في حال التزام الأطراف كافة بتعهّداتها ضمن المهلة الزمنية المحدّدة.
وفي نصّ الاتفاق النووي، تتمثّل «آلية الزناد» بالبندين 36 و37، الواقعين تحت عنوان «آلية حلّ النزاعات»؛ وهي تعمل على النحو الآتي: إذا كان لدى أي من أعضاء الاتفاق اعتراض على عدم تنفيذ جزء من الالتزامات من قِبل أي من الأعضاء الآخرين، فيمكنه تقديم شكوى. يتمّ فحص هذه الشكوى في المرحلة الأولى من قِبل اللجنة المشتركة، التي يتشكّل أعضاؤها من كبار المفاوضين في الحكومات الأعضاء أو نواب وزراء الخارجية. يتعيّن على هؤلاء حلّ النزاع في غضون 15 يوماً؛ وإذا لم يتمكّنوا من ذلك، فيجب عليهم إمّا تمديد مدّة الفحص أو إحالة المسألة إلى هيئة وزراء الخارجية.
تتمحور قرارات مجلس الأمن حصراً حول البرنامج النووي الإيراني والحدّ من تخصيب اليورانيوم
في المرحلة الثانية، تكون لدى وزراء الخارجية مهلة 15 يوماً لفحص الاعتراض أيضاً. وبالتوازي، وبناءً على طلب العضو المشتكي أو العضو الذي تمّ تقديم الشكوى ضدّه، يُمكن تشكيل هيئة استشارية تتكوّن من ممثّلين من كلا الطرفين، بالإضافة إلى طرف ثالث مستقلّ، لفحص موضوع النزاع مع وزراء الخارجية أو حتى بدلاً منهم. على أنّ رأي هذه الهيئة غير ملزم، والرأي النهائي يظلّ لوزراء الخارجية، الذين يتعيّن عليهم، في حال لم يتمكّنوا من معالجة القضية، إمّا تمديد مدّة الفحص أو إعادة موضوعه إلى اللجنة المشتركة.
في المرحلة الثالثة، تفحص اللجنة مسألة النزاع لمدة 5 أيام أخرى؛ وإذا استمرّ الطرف المشتكي في الإصرار على أنّ عدم تنفيذ العضو الآخر تعهّداته يشكّل عدم التزام أساسي بالاتفاق، تتمّ إحالة الشكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي مجلس الأمن، ووفقاً للآلية التي حدّدها الاتفاق النووي والقرار 2231، يجب إجراء تصويت في غضون 30 يوماً كحدّ أقصى للموافقة على استمرار تنفيذ القرار المذكور.
وكما هو الحال في عمليات التصويت في المجلس بشكل عام، يجب أن يحصل القرار على أغلبية الأصوات، في حين لا يحقّ للأعضاء الخمسة الدائمين استخدام حقّ النقض «الفيتو» ضدّه، وبالتالي، في حال الموافقة عليه، تتمّ إعادة تفعيل العقوبات الدُّولية بأكملها.
على أنه في حال لم يتمّ تفعيل «آلية الزناد» قبل 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، فعندها يصبح القرار 2231 بحكم الملغى، ويقفل هذا الملف نهائياً. ومن هنا، تسابق الأطراف الغربية الوقت للضغط على إيران والتهديد باستخدام الآلية المذكورة ضدّها، في حين تفاوض طهران لمنع تنفيذ ذلك، مجادلةً بأنّه لا يحقّ للطرف الأوروبي تقديم شكوى ضدّ إيران، كونه لم يلتزم بكامل التعهّدات التي أقرّها الاتفاق.
الآثار المحتملة
في خضمّ محاولات الترهيب الغربية، أصبح التركيز ينصبّ على مدى تأثير قرارات مجلس الأمن في الاقتصاد الإيراني في حال تفعيل «آلية الزناد». في الواقع، وبالرجوع إلى بنود القرارات السابقة، يتّضح أنها تتعلّق، في معظمها، حصراً، بالبرنامج النووي الإيراني والحدّ من تخصيب اليورانيوم، جنباً إلى جنب برنامج الصواريخ البالستية وتجارة الأسلحة مع إيران. وعليه، ترى طهران أنّ البُعد «النفسي» يطغى على هذه العقوبات، نظراً إلى أنّ الجمهورية الإسلامية تعتمد على قدراتها الذاتية في المجالات المشار إليها، في ظلّ غياب أي تعاون دُولي معها فيها.
أمّا من الناحية الاقتصادية، فلا تفرض بنود هذه القرارات عقوبات محدّدة؛ كما أنها لا تتضمّن عقوبات على بيع النفط، أو النظام المصرفي الإيراني، باستثناء تضمّنها إشارة إلى «ضرورة توخّي الحذر اللازم» في التعاملات التي قد تكون مرتبطة بالأنشطة النووية والصاروخية والعسكرية الخاضعة للعقوبات.
بالنتيجة، يبقى الهدف من التلويح الأوروبي باللّجوء إلى «آلية الزناد» هو الضغط على طهران لتقديم تنازلات، لا سيّما عقب الضربات الأخيرة التي تلقّاها المشروع النووي الإيراني، وإجبارها على الرضوخ لشروط التسوية في المنطقة ومحاولة تقليص دورها الإقليمي.
وتنسحب الإستراتيجية نفسها على الداخل الإيراني، وسط محاولة واضحة لخلق حال من الخوف في الشارع من العقوبات الدُّولية، في وقت يراهن فيه أعداء طهران على أنّ هذه الإجراءات ستترك تبعات نفسية واقتصادية سلبية على المجتمع، وتخلق، بالتالي، ضغطاً على صنّاع القرار للانسياق وراء بعض المطالب الأميركية – الإسرائيلية، من باب «الترويكا الأوروبية» .