الحكومة الاسرائيلية تصادق على منظومة الدبلوماسية العامة في اسرائيل

الحكومة الاسرائيلية تصادق على منظومة الدبلوماسية العامة في اسرائيل
د. حسين الديك
تصادق الحكومة الاسرائيلية اليوم على منظومة الدبلوماسية العامة في اسرائيل، تأتي هذه المصادقة على
تلك المنظومة في مرحلة مهمة جدا على صعيد الراي العام الدولي في تراجع مكانة اسرائيل التقليدية
وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية واوروبا، اذ تعتبر تلك التحولات انقلابا حقيقيا على الموقف
التقليدي للراي العام في تلك الدول التي كانت تقليديا حليفا وداعما اساسيا لإسرائيل ، وانتقل هذا التراجع من
الشارع الاوروبي والامريكي الى مواقف الحكومات الاوروبية وشخصيات مؤثرة ووازنة في صنع القرار
السياسي الامريكي والاوروبي.
ان مصادقة الحكومة الإسرائيلية اليوم على تشكيل "منظومة الدبلوماسية العامة"، كهيئة جديدة ومستقلة
تحاول دمج الحملات السياسية والإعلامية الاسرائيلية على الساحة الدولية، وستقوم بتوظيف مدونين
ومؤثرين على شبكات التواصل، وخبراء في الديجتال وشبكات التواصل الاجتماعي، من أجل محاربة
"الأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية ضد إسرائيل"، في محاولة لمواجهة الجبهة الإعلامية، التي تشكلت بعد
7/10/2023م والتي استطاعت ان تشكل راي عام دولي مناهض لإسرائيل وسياساتها في الاراضي
الفلسطينية.
هذا القرار جاء بعد تصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترمب في مقابلة مع صحيفة "ديلي كولر" اليمينية
حيث قال "إذا عدنا 20 سنة إلى الوراء كنت سأخبرك أن إسرائيل تمتلك أقوى لوبي في الكونغرس، أقوى
من أي لوبي لجهة أو شركة أو مؤسسة أو دولة رأيتها في حياتي، اليوم ليس لديها لوبي كهذا، إنّه لأمر
مدهش" واعترف ترمب بأنه على دراية بتراجع الدعم لإسرائيل في صفوق القاعدة الجمهورية، خصوصا
بين أولئك الذين ينادون بشعار "أمريكا أوّلا" وبين الشباب عموما بمن فيه شباب الحزب الجمهوري،
وأضاف "إن إسرائيل تربح الحرب، لكنّها تخسر في عالم العلاقات العامة، وكرر ترمب عدة مرات، فكرة
أن اللوبي الإسرائيلي كان قويا وطاغيا، واليوم أصبح أضعف، مضيفا "في الماضي، إذا كنت تريد أن
تترشح وتصبح سياسيا، لم تكن تستطيع الحديث بسوء عن إسرائيل، مشيرا إلى أن المناهضين لإسرائيل في
مجلسي الشيوخ والنواب يزدادون أكثر فأكثر".
فمن الناحية التقليدية تعرف الدبلوماسية العامة على أنها "الوسيلة الشفافة التي تتواصل بها دولة ذات سيادة
مع جماهير الدول الأخرى بهدف إعلام الجماهير في الخارج والتأثير عليها بغرض تعزيز المصلحة
الوطنية ودفع أهداف السياسة الخارجية، فهي تُشكل جزءًا لا يتجزأ من دبلوماسية الدولة وتشمل الدبلوماسية
العامة أنشطة مثل برامج التبادل التعليمي للعلماء والطلاب، وبرامج الزوار، والتدريب اللغوي، والفعاليات
الثقافية والتبادلات، والبث الإذاعي والتلفزيوني، و تركز هذه الأنشطة على تحسين صورة أو سمعة الدولة
امام الراي العام الدولي وخاصة في الدول ذات الثقال السياسي على الصعيد العالمي.
ومع تطور علم السياسية والعلاقات الدولية اصبحت الدبلوماسية العامة تهدف إلى استيعاب الاتجاهات
الناشئة في العلاقات الدولية حيث تتواصل مجموعة من الجهات الفاعلة غير الحكومية ذات المكانة في
السياسة العالمية – المنظمات فوق الوطنية، والجهات الفاعلة دون الوطنية، والمنظمات غير الحكومية،
وحتى الشركات الخاصة – وتتفاعل بشكل هادف مع الجماهير الأجنبية وبالتالي تطوير وتعزيز سياسات
وممارسات الدبلوماسية العامة الخاصة بهم، و تجري في إطار نظام من العلاقات المتبادلة المنفعة، والذي لم
يعد يركز على الدولة، بل يتألف من جهات فاعلة وشبكات متعددة، تعمل في بيئة عالمية متغيرة من القضايا
والسياقات الجديدة.
اذ شكلت الدبلوماسية العامة العصب الاساسي للقوة الناعمة في العلاقات الدولية و أصبح مفهوم القوة
الناعم ، الذي صاغه عالم العلاقات الدولية جوزيف ناي، مفهومًا أساسيًا في دراسات الدبلوماسية العامة، و
يُعرّف ناي القوة الناعمة بأنها "القدرة على تحقيق ما تريد من خلال الجذب بدلًا من الإكراه أو الدفع"،
بعبارة أخرى، تُعرّف القوة الناعمة بأنها مدى تأثير الأصول الثقافية للفاعل السياسي ومُثُله السياسية
وسياساته على احترام الآخرين أو تقاربهم معه، و أصبح يُنظر إلى القوة الناعمة كمورد، والدبلوماسية
العامة كآلية تسعى إلى الاستفادة منها من خلال توظيف الاتصالات، والتاريخ، والعلاقات الدولية،
ودراسات الإعلام، والعلاقات العامة، والدراسات الإقليمية.
ان مصادقة الحكومة الاسرائيلية على انشاء منظومة الدبلوماسية العامة يعبر عن قناعة اصبحت راسخة لدى
النخب السياسية في اسرائيل بان القوة العسكرية وحدها غير قادرة على تحقيق الاهداف، وان الدبلوماسية
الرقمية الشعبية الممثلة بوسائل التواصل والاجتماعي والاعلام الرقمي احدثت تحولا في الراي العام الدولي
لصالح القضية الفلسطينية، وفي مواجهة هذا التحول الكبير جاء انشاء منظومة الدبلوماسية العامة في
اسرائيل لمواجهة هذا التحول واعادة الامور الى ما كانت عليه في السابق من التأييد الكبير لإسرائيل في
الراي العام الاوروبي والامريكي.